يمثل الرابع من شهر سبتمبر حدثًا مهمًا في تاريخ الإنترنت، إذ إنه عيد ميلاد (غوغل) الخامس والعشرين. ومع إرسال المليارات من طلبات البحث يوميًا، فمن الصعب أن نتذكر كيف كنّا نعيش من دون محرك البحث، فما الذي دفع غوغل إلى إحداث ثورة في الوصول إلى المعلومات؟ وهل سيجعلها الذكاء الاصطناعي عتيقة الطراز أم سيعززها؟

دعونا نلقي نظرة عن كيف تغيّر وصولنا إلى المعلومات على مر العقود، وإلى أين يؤدي ذلك مع الترابط المتزايد بين الذكاء الاصطناعي المتقدم وبحث غوغل؟

حقبة الخمسينات: بروز المكتبات العامة بوصفها مراكز مجتمعية

في الأعوام التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، أصبح المتعارف عليه عمومًا أن المدينة الناجحة في مرحلة ما بعد الحرب هي المدينة القادرة على توفير القدرات المدنية، بما في ذلك الوصول المفتوح إلى المعلومات.

لذا، في خمسينيات القرن العشرين، كانت المعلومات في الدول الغربية توفرها في المقام الأول المكتبات المحلية. إذ كان أمناء المكتبات أنفسهم بمثابة (محرك بحث بشري). لقد أجابوا على الاستفسارات الهاتفية من الشركات وردّوا على الرسائل، ما ساعد الأشخاص على العثور على المعلومات بسرعة ودقة. وكانت المكتبات أكثر من مجرد مكان لاستعارة الكتب. فكانت المكان الذي يذهب إليه الآباء للبحث عن المعلومات الصحيحة، وحيث يطلب السائحون نصائح للسفر، وكانت تسعى الشركات للحصول على مشورة تسويقية.

كان البحث مجانيًا تمامًا، ولكنه يتطلب دعم أمناء المكتبات، إضافةً إلى قدر كبير من العمل والعمليات التي تعتمد على الكتالوج. والأسئلة التي يمكننا حلّها الآن في دقائق استغرقت ساعات أو أيامًا أو حتى أسابيع للإجابة عنها.

حقبة التسعينات: ظهور خدمات البحث المدفوعة

بحلول التسعينيات، توسعت المكتبات لتشمل أجهزة الكمبيوتر الشخصية والوصول عبر الإنترنت إلى خدمات المعلومات. وازدهرت شركات البحث التجارية، إذ تمكنت المكتبات من الوصول إلى المعلومات من خلال خدمات الاشتراك باهظة الثمن.

كانت هذه الأنظمة معقدة للغاية حتى أن المختصين المُدربين فقط هم الذين يمكنهم البحث، في حين يدفع المستهلكون مقابل النتائج.

يبقى المشروع الذي طُوِّر في شركة لوكهيد مارتن في الستينيات أحد أفضل الأمثلة، وتدّعي اليوم أنها توفر لعملائها إمكانية الوصول إلى (أكثر من 1.7 مليار سجل عبر أكثر من 140 قاعدة بيانات للأدبيات التي راجعها النظراء).

هناك أيضًا (FT PROFIL) نظام بحث تجاري تابع لصحيفة فايننشال تايمز، الذي أتاح الوصول إلى المقالات في كل صحيفة واسعة النطاق في المملكة المتحدة على مدى خمسة أعوام، لكن البحث فيه لم يكن سهلًا. وكان على المستخدمين أن يتذكروا الأوامر المكتوبة لتحديد المجموعة المستهدفة بالبحث، وذلك باستخدام كلمات محددة لتقليل قائمة المستندات التي أُرجعت وترتيب المقالات حسب التاريخ، ما يسمح للقارئ بالبحث عن العناصر الأكثر صلة.

جعل نظام (FT PROFILE) المعلومات القيّمة متاحة بسرعة للأشخاص خارج دوائر الأعمال، ولكن بسعر مرتفع. وفي التسعينيات، كانت تكلفة الدخول 1.60 جنيه إسترليني للدقيقة أي ما يعادل 4.65 جنيه إسترليني (أو 9.00 دولار أسترالي) اليوم.

صعود غوغل

بعد إطلاق شبكة الويب العالمية في عام 1993، ازداد عدد مواقع الويب ازديادًا كبيرًا. إذ جعلت المكتبات الوصول إلى الويب متاحًا، وقدمت خدمات مثل مكتبة ولاية فيكتوريا وصولًا منخفض التكلفة للمؤسسات. وقد علّم أمناء المكتبات المستخدمين كيفية العثور على المعلومات عبر الإنترنت وإنشاء مواقع الويب. ومع ذلك، واجهت أنظمة البحث المعقدة صعوبة في التعامل مع الكميات الهائلة من المحتوى والأعداد الكبيرة من المستخدمين الجدد.

في عام 1994، قدم كتاب إدارة الجيجابايت الذي كتبه ثلاثة علماء كمبيوتر نيوزيلنديين، حلولًا لهذه المشكلة.

في خمسينيات القرن العشرين، قدّم الباحثون محركًا للبحث سريعًا ومتاحًا للجميع، ويفرز المستندات حسب صلتها بالموضوع.

في التسعينيات، بدأت إحدى الشركات الناشئة في وادي السيليكون في تطبيق هذه المعرفة إذ استخدم لاري بيج وسيرجي برين مبادئ إدارة الجيجابايت لتصميم البنية المميزة لشركة غوغل.

بعد إطلاقه في 4 سبتمبر 1998، بدأت ثورة غوغل، فقد أحبَّ الناس بساطة مربع البحث، إضافةً إلى العرض التقديمي الجديد للنتائج التي تلخص كيفية تطابق الصفحات المستردة مع الاستعلام.

من ناحية الأداء الوظيفي، كان بحث غوغل فعالًا لعدة أسباب. فقد استخدمت الشركة النهج المبتكر لتقديم النتائج عن طريق حساب روابط الويب في الصفحة (عملية تُسمى PageRank). ولكن الأهم من ذلك أن خوارزميتها كانت معقدة للغاية؛ فلم يقتصر الأمر على مطابقة استعلامات البحث مع النص الموجود داخل الصفحة فحسب، بل أيضًا مع النص الآخر الذي يرتبط بتلك الصفحة (وهذا ما يُسمى بالنص الأساسي).

سرعان ما تجاوزت شعبية غوغل منافسه مثل AltaVista وYahoo Search. ومع أكثر من 85% من حصة السوق اليوم، يتربع غوغل على عرش محرك البحث الأكثر شعبية.

على الرغم من أن المستهلكين يبحثون الآن في غوغل مجانًا، فإن الدفع مطلوب لتنزيل بعض المقالات والكتب. وما زال العديد من المستهلكين يعتمدون على المكتبات، في حين تعاني المكتبات نفسها ارتفاع تكاليف شراء المواد لتوفيرها للجمهور مجانًا.

ماذا ستحمل 25 عامًا القادمة؟

لقد توسعت غوغل إلى ما هو أبعد من البحث. ويُظهر جي ميل، وغوغل درايف، وتقويم غوغل، وأجهزة بيكسل، وغيرها من الخدمات أن مدى وصول غوغل واسع النطاق.

مع تقديم أدوات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك (بارد) من غوغل، و(جيميني) التي أُعلن عنها مؤخرًا (المنافس المباشر لـ ChatGPT)، تستعد غوغل لإحداث ثورة في البحث مرة أخرى.

مع استمرار غوغل في طرح أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية في البحث، سيصبح من الشائع قراءة ملخص سريع للمعلومات في أعلى صفحة النتائج، بدلًا من البحث عن المعلومات بنفسك، وسيكون التحدي الرئيسي هو ضمان عدم شعور الناس بالرضا عن النفس إلى درجة أنهم يثقون ثقةً عمياء بالمخرجات الناتجة.

سيكون التأكد من الحقائق مقابل المصادر الأصلية مهمًا أكثر من أي وقت مضى. ففي نهاية المطاف، رأينا أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل ChatGPT تتصدر عناوين الأخبار بسبب المعلومات المضللة.

إن لم تعاد مراجعة ملخصات البحث غير الدقيقة أو غير الكاملة، أو إعادة صياغتها وتقديمها من دون مصدر، فإن مشكلة المعلومات الخاطئة ستزداد سوءًا.

علاوة على ذلك، حتى لو أحدثت أدوات الذكاء الاصطناعي ثورة في البحث، فإنها قد تفشل في إحداث ثورة في الوصول، فمع نمو صناعة الذكاء الاصطناعي، سنشهد تحولًا نحو المحتوى الذي لا يمكن الوصول إليه إلا مقابل رسوم، أو من خلال الاشتراكات المدفوعة.

في النهاية، يبدو أن الكفّة تميل لمصلحة غوغل الدؤوب في التطور، وسواء نجح في الصمود أم لم ينجح، فليس باستطاعة أحد نكران فضله في تطوير مجال البحث خلال 25 عامًا الفائتة من عمره.

اقرأ أيضًا:

هل ستكون وول ستريت أفضل باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي؟

هل ينذر تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة بأزمة اقتصادية وشيكة؟

ترجمة: دياب حوري

تدقيق: غفران التميمي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر