طريقة جديدة لإعادة ترتيب الذرات الباردة في مصفوفات مثالية!


إعادة ترتيب المصفوفات العشوائية لتشكل الحروف CNRS بشكل منظم

طوَّرَ باحثون من معهد البصريات في مدرسة الدراسات العليا في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي وجامعة باريس-ساكلاي (Université Paris-Saclay) في فرنسا طريقة جديدة لإعادة ترتيب الذرات الباردة واحدةً تلو الأخرى في مصفوفات مرتبة كليًّا. من الممكن استخدام هذه التقنية لمحاكاة الأنظمة الكمومية باستخدام ذرات حيادية موضوعة ضمن مصفوفات ثنائية البعد من الأفخاخ البصرية.

تقوم الأفخاخ البصرية (التي تُسمى أيضًا ملاقط وهي أدوات علمية تَستخدم أشعة ليزرية مركّزة من أجل توفير قوة جذبٍ أو تنافر) بالتقاط الذرات والجزيئات أو العناصر الصغيرة الشفافة¹ القريبة من مركز شعاع ليزري، وتسمح بالتقاط الجسيمات وتحريكها باستخدام الضوء. ولعبت هذه التقنية دورًا علاجيًّا في التحكم بالفيروسات والبروتينات لأجل البحث الطبي كما استُخدِمت لتجميع الآلات الجزيئية² الصغيرة جدًّا. أثبتت عملية ترتيب الذرات الباردة ضمن مصفوفات من الأفخاخ البصرية فائدتها الكبيرة للفيزيائيين إذ من الممكن أن تحاكي هذه المصفوفات الفيزياء الكميَّة للمواد الصلبة. إلا أنَّ إنشاء هذه المصفوفات من الذرات يبقى تحدٍّ كبير.

من الفوضى إلى التنظيم

تغلب تييري لاهاي (Thierry Lahaye) وزملاؤه على نقطة ضعف هامَّة في الأفخاخ البصرية جعلت من الصعب استخدام هذه التقنية لتجميع مصفوفات مثالية من ذرات باردة منفردة.

قال لاهاي عن شرحه في التعامل مع الذرات الباردة: «هنالك مشكلة إذ يتم تحميل كل فخ بصري ضمن مصفوفة بشكل عشوائي بالتالي لدينا احتمال 50% لامتلاء المصفوفة بذرة واحدة في وقت واحد. الآن بالنسبة للتطبيقات فنحن بحاجة لمصفوفات محمَّلة بشكل مثالي وكلِّي إذ أن احتمال احتواء كل فخ بصري على ذرة واحدة يكون بنسبة 100%».

أضاف لاهاي قائلًا: «بالرغم من محاولات الباحثين لحل هذه المشكلة بطرق عديدة في السابق فإنه لم يتمكن أحدهم من حلها بكفاءة ومرونة كما فعلنا نحن في هذا العمل».

عفريت ماكسويل3   (Maxwell’s demon)

حلُّ لاهاي وزملائه حول مشكلة الاحتواء كان بترتيب المصفوفات العشوائية التي تحوي على ذرات باستخدام الجهد البصري. استخدم الباحثون مولّد الجهد الحيِّزي4 لإنشاء مصفوفات ثنائية البعد بشكل عشوائي لأكثر من مئة فخ بصري. يقارب نصف قطر كل فخ بصري واحد ميكرومتر5 وتبعد عن بعضها حوالي ثلاثة ميكرومتر. تملأ ذرات الروبيديوم6 الأفخاخ البصرية باحتمالية تقارب 50% وذلك بشكلٍ عشوائي.

استخدم الفريق أسلوب التحريك السريع للملاقط البصرية لإعادة ترتيب الذرات غير المنتظمة في المصفوفات لتشكل نمط معرّف. يشبِّه الفريق هذه العملية بعملية عفريت ماكسويل. شرح الفريق هذه العملية بقوله: «على الرغم من التخلص من الانتروبيا المرتبطة بمواقع الذرات في المصفوفات فإنَّه لم تتأثر أكبر قيمة للانتروبيا المرتبطة بحركة كل ذرة في كل فخ بصري». تُقاس وظيفة مواقع المصفوفات بواسطة تسليط الضوء على النظام ومراقبة توهّج ذرات الروبيديوم باستخدام كاميرا تملك حساس CCD7.

المحاكاة الكمومية:

صرَّح الباحثون بإمكانية استخدام هذه التقنية لمحاكاة أنظمة كمومية مختلفة كمغناطيس الكم. وقال لاهاي: «في الوقت الحالي، نحاول صياغة هذه الأنماط من التجارب مع هذه التقنية بالإضافة لعملنا السابق الذي جعَلَنا متحمسين عند التقاط الذرات في الأفخاخ البصرية وصولًا لحالات ريدبيرغ8 لمحاكاة نموذج إيزينغ الكمومي (quantum Ising model) الذي يصف المغناطيس المثالي». وأضاف: «نبحث أيضًا في استخدام مجمِّع الذرات لمحاكاة الأنطمة الكمومية للمغناطيس غير الكلاسيكي (frustrated magnets) مقارنةً بما يحدث مع أشكال هندسية مختلفة للمصفوفات كالمربع أو شبكة المثلثات».

1. العناصر الصغيرة الشفافة: هي عناصر تسمح بمرور الضوء عبرها بشكل كبير كالماء أو الهواء.
2. الآلات الجزيئية: هي آلات ميكانيكة أو ميكانيكة وكهربائية صغيرة جدًّا تُقاسُ أبعادها بالنانومتر (10-9 متر).
3. عفريت ماكسويل: هو تجربة فكرية أوجدها الفيزيائي الاسكتلندي جيمس كلارك ماكسويل لإثبات أن القانون الثاني الخاص بالديناميكا الحرارية ذو حقيقة إحصائية فقط. توضّح التجربة الافتراضية وجهة نظر ماكسويل عن طريق وصف كيفية نقض القانون الثاني. تعتمد التجربة على تقسيم وعاء مُتخيَّل إلى جزئين عن طريق جدار عازل، يحوي الجدار بابًا يمكن فتحه وإغلاقه بواسطة ما أطلق عليه لاحقًا «عفريت ماكسويل». يستطيع العفريت الافتراضي أن يسمح لجزيئات الغاز الساخنة فقط بالتدفق إلى جانب آخر من الغرفة مما يسبب ارتفاع حرارة ذلك الجانب تلقائيًا فيما يبرد الجانب الآخر.
4. مولِّد الجهد الحيِّزي: غرض يصدر أشعة مكانية مختلفة ومتراكبة (تراكب موجتين كهربائيتين أحدهما الموجة الحاملة وتكون ذات تردد عالٍ والموجة المحمولة ذات تردد منخفض) من الضوء.
5. ميكرومتر: وحدة قياس تعادل 10−6 متر.
6. الروبيديوم: عنصر كيميائي له الرمز Rb والعدد الذري 37 في الجدول الدوري. وهو فلز قلوي هش ذو لون أبيض فضي يشتعل مباشرة لدى تماسه مع الهواء.
7. (CCD (Charge-Coupled-Devic: جهاز (مجس) اقتران الشحنات وهو أسهل أنواع المِكشافات الضوئية صنعًا، وله حساسية ضوئية أفضل عن منتجات أخرى، تُرص مجسات CCD في مصفوفات على لوائح (موزعة توزيعًا سطريًا)، وتستخدم في كاميرات الفيديو والكاميرات الرقمية.
8. صيغة ريدبرغ: تُستخدم في الفيزياء الذرية لوصف الخطوط الطيفية للعديد من العناصر الكيميائية.


ترجمة: براءة علي كللي
تدقيق: سارة عمّار

المصدر