إليكم ثلاثة نماذج عن تألق النساء في الوقت الذي سيطر فيه الرجال على حقل العلم.

1- روزاليند فرانكلين (Rosalind Franklin) (1920– 1958):

إنها الكيميائية الإنكليزية الرّائدة في دراسة البُنى الجزيئية، حيث أدّى عملها إلى اكتشاف البُنية الجزيئية للحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (DNA). بالرغم من ذلك، فإن دورها في هذا الاكتشاف الثوري بقي غير مُعترف به بشكلٍ كبير حتى بعد موتها!

في الواقع فإنّ فرانكلين حصلت بنفسها على أول صورة لألياف الـ DNA باستخدام أشعة إكس (X-ray) ضمن أبحاثها في علم البلوَرة، وكان في رصيدها العديد من أوراق العمل التي وصفت فيها بُنية الـ DNA، وقد تمّت مُشاركة اكتشافها الذي لم يكن قد نُشِر بعدْ مع الآخرين.

وفي عام 1953، نالَ فضل اكتشاف البُنية الحلزونية المُزدوجة ثلاثية الأبعاد لجُزيئة الـ DNA كل من عالم الأحياء الأمريكي جيمس واطسون (James D. Watson) والفيزيائي الإنكليزي فرانسيس كريك (Francis Crick)، وذلك في المقالة التي نُشِرت في العدد 171 لمجلة الطبيعة (Nature) تحت عنوان: «البنية الجُزيئية للحموض النووية: بُنية الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين».

وبالرغم من أنّهما أدرجا اعترافًا هامشيًا بيّنا فيه أنه تم تحفيزهما من قِبل ما أسمَوه “المعرفة العامة لمساهمات فرانكلين غير المنشورة”، إلا أنهما هما من حصلا على جائزة نوبل عام 1962.

وفي السنوات الخمس الأخيرة من حياتها واصلت فرانكلين العمل على مشاريع متعلقة بالـ DNA، وتوفيت لاحقًا بشكلٍ مأساوي نتيجة إصابتها بسرطان عنق الرحم، وكان ذلك في عام 1958 وكان عمرها 38 سنة.

2- شين شيونغ هو (Chien-Shiung Wu) (1912-1997):

وقعت سلسلة من الأحداث المُماثلة مع عالمة الفيزياء التجريبية الأمريكية من أصلٍ صيني شين شيونغ التي قلبت أحد قوانين الفيزياء.

وقد نُسِب اكتشافها إلى اثنين من علماء الفيزياء النظرية هما تسونغ داو لي (Tsung-Dao Lee) و شين نينغ يانغ (Chen Ning Yang)، الذين طلبا من شين مساعدتهما في دحضِ قانون التعادل (law of parity) -وهو أحد قوانين ميكانيك الكم الذي ينصُّ على أنّ أي نظامين فيزيائيين كالذرات على سبيل المثال هما صورتان متطابقتان مع بعضهما، ويتصرفان بطرقٍ مُتماثلة-.

وقد ساهمت تجارب شين والتي استخدمت فيها عنصر (الكوبالت-60) – وهو الشكل المُشِع من معدن الكوبالت – في قلب هذا القانون ممّا أدّى إلى حصول يانغ ولي على جائزة نوبل في عام 1957.

وبالرغم من ذلك، فإن خبرة شين منحتها العديد من الألقاب مثل لقب “السيدة الأولى في الفيزياء” ولقب “مدام كوري الصينية” ولقب “ملكة الأبحاث النووية”.

وقد توفيت شين في نيويورك نتيجة جلطة دماغية في عام 1997.

3- جوسلين بيل برنيل (Jocelyn Bell Burnell) (ولدت سنة 1943):

اكتشفت عالمة الفيزياء الفلكية الإيرلندية جوسلين برنيل أول ذبذبة صادرة عن الراديو وهي بعمر 24 سنة عندما كانت لاتزال طالبة دراسات عليا في جامعة كامبريدج في عام 1967.

ففي الوقت الذي عملت فيه على تحليل بيانات مطبوعة على ورقة بطول 3 أميال ناتجة عن راديو كانت قد ساهمت في عملية تصميمه، لاحظت جوسلين وجود إشارة كانت تنبض بقوة وانتظام كبيرَين.

وفي وقت لاحق، تمّ التّعرُف على هذه الإشارة على أنّها نجم نيوتروني سريع الدوران – وهو عبارة عن بقايا لنجوم عملاقة خضعت لما يُدعى بالانفجار العظيم – وأُطلق على هذا النّجم اسم (PSR B1919+21) وهو موجود في برج يدعى فولبيكولا (Vulpecula).

وعلى الرغم من كونها أوّل من يُلاحظ هذه الذبذبات، فقد تمّ استبعادُها من نَيل الأوسمة المُتعلقة بهذا الاكتشاف.

في الواقع، فإنّ البروفسور المُشرِف عليها والذي يُدعى أنتوني هيويش (Antony Hewish) هو الذي نال جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1974 بالمُشاركة مع مارتن رايل (Martin Ryle) بينما استُبعدت بيل برنيل من نَيل الجائزة.

وفي السنوات الأخيرة، ناقشت بيل وبشكلٍ علني الطُّرق التي ساهمت فيها حالتها كامرأة عالمة في هذا الإغفال المُتعمَّد، حيث صرَّحت قائلًة: «كانت منزلتي كطالبة وربما حتى جِنسي عائقًا فيما يتعلق بجائزة نوبل التي مُنحَت للبرفسور أنتوني هيويش والبروفسور مارتن رايل. وفي ذلك الوقت، كان يُنظر إلى العِلم على أنّه يُحمَل فقط على عاتق الرّجال المُتميزين».

أما اليوم، يُنسب الفضل إلى هؤلاء النساء بشكلٍ كبير لاكتشافاتهنّ ومعظم الناس يعترفون بأن نتائجهن كانت قد نُسبت بدايةً إلى الرجال.

إننا بين الحين والآخر نحتاج للتذكير بأن بعض المجالات وخاصة تلك المتعلقة بالعلوم قد قادها الرجال على العموم، وكنتيجة لذلك كان يتم التغاضي عن أعمال النساء أحيانًا.

إلا أن هؤلاء النساء الثلاثة لم يكنَّ وحدهن من تم نسب اكتشافاتهنَّ إلى الرجال، فعلى سبيل المثال عالمة الفيزياء النمساوية (ليز مايتنر-Lise Meitner) (1878 –1968) والتي قاد عملها إلى اكتشاف الانشطار النووي الذي ربح عليه زميلُها «الرجل» (أوتو هان-Otto Hahn) لوحده جائزة نوبل للكيمياء في عام 1944.

بالإضافة إلى عالمة الأحياء الدقيقة الأمريكية (استير ليدربيرج-Esther Lederberg) التي أخذ زوجها لوحده الفضل في تطويرهما (المشترك) لطريقة نقل المستعمرات البكتيرية (وهي عملية نسخ للأطباق التي تحوي كائنات دقيقة تُعرف بـ «طريقة ليدربيرج» التي لا تزال تُستخدم حتى اليوم)، وأُعطيَ جائزة نوبل لعلم وظائف الأعضاء في عام 1958.

وللأسف، فإن القائمة تطول!

بينما نفكر في أهمية النساء عبر التاريخ، فإنه لأمر أساسي أن نشرح كيف أن التحولات التاريخية تستطيع أن تغير فهمنا للماضي، فبسبب تعثراتنا الماضية نحن ندرك اليوم أهمية العالمات أكثر من أي وقت مضى.

وكنتيجة لذلك، فإن الشابات في كل مكان يكبرون متخذات من هؤلاء العالمات قدوة لهنَّ.


  • ترجمة: زينب النيّال.
  • تدقيق: سارة عمّار.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر