باستخدام مفهوم يعرف بـتجزئة الأعداد الصحيحة، توصل رياضيون إلى طريقة جديدة للكشف عن الأعداد الأولية، رابطين بذلك بين فرعين من الرياضيات بطريقة غير متوقعة.

لطالما أثارت الأعداد الأولية خيال علماء الرياضيات على مر القرون، إذ إنهم ما زالوا يسعون لاكتشاف أنماط جديدة تساعدهم على تمييز هذه الأعداد وفهم كيفية توزعها بين الأعداد الأخرى.

تُعرف الأعداد الأولية بأنها أعداد صحيحة أكبر من 1 لا تقبل القسمة إلا على نفسها وعلى العدد 1 فقط.

أصغر ثلاثة أعداد أولية هي 2 و3 و5. من السهل التحقق من أولية الأعداد الصغيرة، إذ يكفي اختبار قابلية قسمتها على أعداد أخرى، إلا أن هذه المهمة تتعقد كثيرًا عند التعامل مع الأعداد الكبيرة.

فمع أنه من العملي نسبيًا التحقق ما إذا كان عدد مثل 10 أو 1000 يحتوي على أكثر من قاسمين، فإن هذه الطريقة تصبح غير مجدية، بل مستحيلة، عند التعامل مع أعداد هائلة الحجم. مثلًا، إن أكبر عدد أولي معروف حتى الآن هو 2136279841، ويحتوي على 41,024,320 رقمًا. قد يبدو هذا الرقم ضخمًا إلى حد مذهل، لكن بالنظر إلى وجود عدد لانهائي من الأعداد الصحيحة الموجبة، فإن هذا العدد يُعد ضئيلًا مقارنة بأعداد أولية أكبر بكثير.

لا يسعى الرياضيون فقط لفحص الأعداد واحدًا تلو الآخر بحثًا عن قواسم، لتحديد ما إذا كانت أولية. يقول كين أونو، عالم رياضيات في جامعة فيرجينيا: نحن مهتمون بالأعداد الأولية لأنها لا نهائية، ولكن من الصعب جدًا اكتشاف أي نمط فيها.

ومع ذلك، يبقى الهدف الرئيس هو فهم كيفية توزع الأعداد الأولية ضمن مجموعات الأعداد الكبيرة.

توصل أونو في الفترة الأخيرة إلى نهج جديد تمامًا لاكتشاف الأعداد الأولية، بالتعاون مع زميليه: ويليام كريغ، عالم رياضيات في الأكاديمية البحرية الأمريكية، ويان-فيلهيلم فان إترسوم، عالم رياضيات في جامعة كولونيا في ألمانيا. يقول أونو: لقد وصفنا عددًا لا نهائيًا من معايير جديدة يمكن من خلالها تحديد مجموعة الأعداد الأولية بدقة، وجميعها تختلف اختلافًا جذريًا عن القاعدة الكلاسيكية القائلة: «إذا لم تتمكن من تحليله إلى عوامله، فهو أولي».

نُشر بحثهم في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة (PNAS)، وحصل على المركز الثاني في جائزة مخصصة للعلوم الفيزيائية، تُمنح تقديرًا للتميز والأصالة العلمية. يشير أونو إلى أن هذا الاكتشاف يقدم، من منظور ما، عددًا لا نهائيًا من التعريفات الجديدة لمفهوم العدد الأولي.

في جوهر هذه الإستراتيجية الجديدة يكمن مفهوم يعرف بـتجزئة الأعداد الصحيحة (Integer Partitions).

«نظرية التجزئة قديمة جدًا، تعود إلى عالم الرياضيات السويسري في القرن الثامن عشر ليونارد أويلر، وقد واصل الرياضيون تطويرها وصقلها منذ ذلك الحين».

يتابع أونو: تبدو التجزئة للوهلة الأولى كأنها مجرد لعبة أطفال مفادها: كم عدد الطرق الممكنة لجمع أعداد صحيحة للحصول على عدد معين؟

مثلًا، تمكن تجزئة العدد 5 بسبع طرق مختلفة:

4 + 1

3 + 2

3 + 1 + 1

2 + 2 + 1

2 + 1 + 1 + 1

1 + 1 + 1 + 1 + 1

مع ذلك، يتبين أن هذا المفهوم يحمل قوة رياضية خفية تتيح لنا الكشف عن الأعداد الأولية بأساليب غير مسبوقة. تقول كاثرن برينغمان، عالمة رياضيات في جامعة كولونيا: من اللافت للنظر أن كائنًا تركيبيًا تقليديًا مثل دالة التجزئة يمكن استخدامه لاكتشاف الأعداد الأولية بهذه الطريقة الجديدة.

تجدر الإشارة إلى أن برينغمان عملت سابقًا مع كل من أونو وكريغ، وهي حاليًا المشرفة على ما بعد الدكتوراه لفان إترسوم، لكنها لم تكن جزءًا من هذا البحث تحديدًا.

يضيف أونو أن فكرة هذا النهج قد نشأت من سؤال طرحه أحد طلابه السابقين، روبرت شنايدر، الذي يعمل حاليًا عالم رياضيات في جامعة ميشيغان التكنولوجية.

أثبت كل من كين أونو وويليام كريغ ويان-فيلهيلم فان إترسوم أن الأعداد الأولية تمثل حلولًا لمعادلات كثيرة الحدود من نوع خاص تتعلق بدوال التجزئة، هذه المعادلات لا نهائية. تُعرف هذه المعادلات باسم المعادلات الديوفانتية -نسبةً إلى عالم الرياضيات السكندري في القرن الثالث ديوفانتوس، وهي تُدرس منذ عصور سابقة له. قد تكون حلول هذه المعادلات أعدادًا صحيحة أو كسورًا، أي قابلة للتمثيل على شكل كسر اعتيادي.

بعبارة أخرى، فإن الاكتشاف يظهر أن تجزئة الأعداد الصحيحة تكشف عن الأعداد الأولية بطرق طبيعية لا نهائية.

يصف جورج أندروز، عالم رياضيات في جامعة ولاية بنسلفانيا، غير المشارك في البحث، هذا الاكتشاف قائلًا: أمر جديد كليًا، لم يكن متوقعًا أصلًا، مشيرًا إلى صعوبة التنبؤ بالآفاق التي قد يفتحها هذا الإنجاز.

لا يقتصر أثر هذا الاكتشاف على استكشاف توزيع الأعداد الأولية، بل يتعداه نحو تحديدها بدقة. يقول أونو: نحن في الواقع نصيب الأعداد الأولية في الصميم.

في هذه الطريقة، يمكن إدخال أي عدد صحيح أكبر أو يساوي 2 في معادلات معينة، وإذا تحققت المعادلة، فإن العدد يكون أوليًا.

يضيف الباحثون: عمومًا، أثبتنا وجود عدد لا نهائي من معادلات كشف الأعداد الأولية التي تعتمد على دوال تجزئة ذات معاملات ثابتة.

بصيغة أبسط، يقول أونو: يمكن القول إن عملنا ينتج عددًا لا نهائيًا من التعريفات الجديدة لما يعنيه أن يكون عدد ما أوليًا وهذا أمر مذهل فعلًا.

تشير كاثرن برينغمان إلى أن هذه النتائج قد تفتح الباب أمام اكتشافات رياضية جديدة. توضح: بعيدًا عن أهميتها الرياضية البحتة، قد تلهم هذه الدراسة أبحاثًا إضافية تتناول الخصائص الجبرية أو التحليلية المدهشة الكامنة في الدوال التركيبية.

في فرع التركيبيات، وهو فرع من الرياضيات يعنى بالعد، تُستخدم الدوال التركيبية لوصف عدد الطرق التي يمكن بها اختيار العناصر من مجموعة أو ترتيبها.

تضيف برينغمان: بصورة أوسع، يظهر هذا العمل مدى عمق الترابطات في الرياضيات، إذ غالبًا ما تفضي نتائج كهذه إلى أفكار جديدة في مختلف فروع الرياضيات.

تقترح برينغمان بعض المسارات التي يمكن للرياضيين أن يوسعوا فيها هذا البحث، مثل استكشاف أنواع أخرى من البنى الرياضية التي قد تُكتشف باستخدام دوال التجزئة، أو محاولة تعميم النتيجة الأساسية لتشمل أنواعًا أخرى من الأعداد.

هل يمكن تعميم هذه النتائج لتشمل متتاليات أخرى، مثل الأعداد المركبة أو قيم الدوال الحسابية؟

يقول أندروز: أعتقد أن كين أونو هو من أكثر علماء الرياضيات إثارة في عصرنا. وهذا ليس أول إنجاز له في التغلغل إلى عمق مسألة كلاسيكية وكشف جوانب جديدة كليًا فيها.

ما تزال هناك وفرة من الأسئلة المفتوحة حول الأعداد الأولية، كثير منها ظل عصيًا على الحل لقرون.

من أبرز هذه المسائل، حدسية الأعداد الأولية التوأم: تنص على وجود عدد لا نهائي من الأزواج الأولية التي يفصل بينها العدد 2، مثل: 5 و7، 11 و13).

حدسية غولدباخ: تنص على أن كل عدد زوجي أكبر من 2 يمكن التعبير عنه على شكل مجموع عددين أوليين على الأقل. يقول أونو: مسائل من هذا النوع حيرت علماء الرياضيات ونظريي الأعداد لأجيال، طيلة التاريخ تقريبًا، ويقر بأن اكتشاف فريقه لا يقدم حلولًا نهائية لتلك الحدسيات، لكنه يُعد مثالًا عميقًا على كيف يمكن للرياضيين دفع حدود المعرفة لفهم الطبيعة الغامضة للأعداد الأولية.

اقرأ أيضًا:

لماذا يسعى العلماء إلى إيجاد أكبر عدد أولي؟

هاوٍ يكتشف أكبر عدد أولي على الإطلاق

ترجمة: يوسف الشيخ

تدقيق: نور حمود

المصدر