تنتمي فيروسات كورونا «الفيروسات التاجية» إلى مجموعة من الفيروسات التي تصيب الحيوانات، واشتُق اسمها من منظرها الشبيه بالتاج أو الهالة، إذ تحتوي على بروزات بصلية الشكل تنبثق من سطحها وتعطيها منظرها المميز. ظهر مرض كوفيد-19 بسبب فيروس كورونا الجديد «سارس-كوف-2».

تكون العدوى بفيروس كورونا بإحدى طريقتين: إما عدوى في الرئتين تُحدث بعض الحالات التي يُسميها الناس نزلات البرد، أو عدوى في الأمعاء تُسبب الإسهال.

يبدأ مرض كوفيد-19 في الرئتين، مثل الرشح الشائع «الزكام» الذي تُسببه الفيروسات التاجية أيضًا، لكن بعد ذلك يُسبب تخريبًا للجهاز المناعي ما قد يؤدي إلى الوفاة أو إلى أذية رئوية طويلة الأمد.

علماء الفيروسات يشرحون ما يفعله فيروس كورونا في الجسم - الفيروسات التاجية - نفس الميزات الوراثية التي يحويها فيروس سارس-كوف - مرض كوفيد-19

يشبه فيروس سارس-كوف-2 -جينيًّا- إلى حد كبير الفيروسات التاجية الأخرى التي تصيب الجهاز التنفسي للبشر، مثل فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة «فيروس سارس-كوف»، وفيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية «فيروس ميرس-كوف»، مع ذلك تتُرجم الاختلافات الجينية الدقيقة إلى اختلافات كبيرة ومهمة في مدى سهولة إصابة فيروس كورونا الجديد للبشر وكيفية إمراضِهم.

يحتوي فيروس سارس-كوف-2 على نفس الميزات الوراثية التي يحويها فيروس سارس-كوف الأصلي -الذي تسبب في حدوث فاشية عالمية في عام 2003 – لكن مع نحو 6000 طفرة موجودة في الأماكن التي تتغير فيها الفيروسات التاجية عادةً.

مقارنة بالفيروسات التاجية الأخرى التي تصيب البشر مثل فيروس ميرس-كوف الذي سبب متلازمة الشرق الأوسط التنفسية عام 2012، عدّل الفيروس الجديد نسخًا من الميزات الوراثية نفسها من أجل غزو الخلايا ونسخ نفسه.

مع ذلك، يحوي فيروس سارس-كوف-2 مجموعة مختلفة تمامًا من الجينات تُسمى الملحقات، التي تمنح هذا الفيروس الجديد ميزات صغيرة في حالات معينة. يحتوي فيروس ميرس على بروتين خاص يوقف قدرة الخلية على إصدار التنبيهات بشأن الغزو الفيروسي للجسم.

كيف يخمج الفيروس الجسم؟

تبدأ كل حالة عدوى بفيروس كورونا بإدخال الجسيم الفيروسي، وهو غلاف كروي الشكل يحمي سلسلة طويلة مفردة حاملة للمادة الجينية للفيروس، يدخلها الفيروس في الخلية البشرية. توجّه المادة الجينية الخلية إلى صنع نحو 30 جزءًا مختلفًا من الفيروس، ما يسمح للفيروس بالتكاثر واستنساخ نفسه.

تحوي الخلايا التي يُفضّل فيروس سارس-كوف-2 أن يخمجها بروتينًا خارجيًّا يُسمى الإنزيم المُحوّل للأنجيوتنسين 2، الذي يلعب دورًا مهمًّا في تنظيم ضغط الدم.

تبدأ العدوى عندما تلتصق بروتينات الحسكة الطويلة –التي تبرز من الجسيم الفيروسي– بالإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين 2 في الخلية البشرية. بعد هذا الالتصاق، تتكشف بروتينات الحسكة، وتغير من شكلها، وتعيد تشكيل نفسها باستخدام أجزاء ملفوفة شبيهة بالنابض موجودة في مركزها.

تدخل بروتينات الحسكة –التي أعادت تكوين نفسها– إلى الخلية ثم تحطهما والجسيم الفيروسي معًا، ما يُشكل قناةً تسمح للمادة الجينية الخاصة بالفيروس بالدخول إلى الخلية.

ينتشر فيروس سارس-كوف-2 من شخص إلى آخر من طريق الاتصال الوثيق، وتُعطي الفاشية التي حدثت في كنيسة شينتشونجي في كوريا الجنوبية في شهر فبراير فكرةً جيدةً عن كيفية انتشار الفيروس ومدى سرعة انتشاره أيضًا، إذ يبدو أن شخصين مصابين بالفيروس جلسا وجهًا لوجه بالقرب من أشخاص غير مصابين لمدة عدة دقائق في غرفة مزدحمة، وفي غضون أسبوعين أُصيب عدة آلاف من الأشخاص في البلاد، ونُسب سبب أكثر من نصف الإصابات في ذلك الوقت إلى الكنيسة.

بدأ تفشي المرض بسرعة، لأن سلطات الصحة العامة لم تكن على دراية بالفاشية المحتملة، ولم تكن تُجري الاختبارات اللازمة كثيرًا في تلك المرحلة، ومنذ ذلك الحين عملت السلطات جيدًا، وانخفض تسجيل حالات جديدة في كوريا الجنوبية باطّراد.

كيف يتسبب الفيروس بإحداث المرض للناس؟

ينمو فيروس سارس-كوف-2 في الخلايا الرئوية من النمط الثاني، التي تفرز مادة شبيهة بالصابون تساعد على تدفق الهواء عميقًا في الرئتين، وينمو أيضًا في الخلايا المبطنة للحلق. كما حدث في المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة «سارس»، معظم الأضرار الناجمة عن مرض كوفيد-19 سببها الجهاز المناعي الذي يتفاعل بقوة شديدة من أجل منع الفيروس من الانتشار، إذ تغزو ملايين الخلايا المناعية أنسجة الرئة المصابة، وقد تتسبب بحدوث أضرار كبيرة في عملية تنظيف الفيروس وأي خلايا مصابة.

إن التحدي الذي يواجه العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يعالجون مرضى كوفيد-19 هو مدى قدرتهم على دعم جسم المريض والحفاظ على أكسجة دمه ريثما تعيد الرئة ترميم نفسها.

تتفاوت شدة الإصابة بالفيروس الجديد بين المرضى، إذ يبدو أن المرضى الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات يتخلص جسمهم من الفيروس بسهولة، في حين يستعيد معظم الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا صحتهم بسرعة، لكن كبار السن يعانون بشدة.

لا يؤدي الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين 2 –بعد دخول الفيروس– وظيفته جيدًا في تنظيم ضغط الدم، لذلك نجد أن كوفيد-19 يكون أكثر شدة عند الأشخاص الذين يعانون ارتفاع ضغط الدم.

يُعد فيروس سارس-كوف-2 أكثر شدة جزئيًّا من فيروسات الإنفلونزا الموسمية، لأنه يتبع عدة طرائق تمنع الخلايا من الاستجابة للعدوى وتنبيه الجهاز المناعي، مثل تثبيط إنتاج الإنترفيرون (بروتين تنتجه الخلية المصابة استجابةً للغزو الفيروسي لها) أو إزالته من الخلية في حال إنتاجه، وذلك قبل أن يبدأ بعمله، لذلك يتفاقم كوفيد-19 على مدى شهر، ويتسبب في أذية طفيفة كل يوم، أما في حالة الإنفلونزا يتعافى المرضى في أقل من أسبوع.

في الوقت الحاضر، معدل انتقال فيروس سارس-كوف-2 أعلى قليلًا من معدل انتقال فيروس إنفلونزا اتش1 ان1 «إنفلونزا الخنازير» الذي سبب جائحة في عام 2009، ولكن فيروس سارس-كوف-2 مميت أكثر بعشرة أضعاف على الأقل.

من المعلومات المتوفرة الآن، يبدو أن مرض كوفيد-19 يشبه إلى حد كبير المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة «سارس»، مع أنه من غير المحتمل أن يكون شديدًا مثل سارس.

ما يزال يوجد الكثير من الغموض حول فيروس كورونا الجديد والفيروسات التاجية عمومًا، مثل الفروق البسيطة في كيفية حدوث المرض، وطريقة تفاعل الفيروس مع البروتينات داخل الخلية، وبنية البروتينات التي تُشكل الفيروسات الجديدة، وكيفية عمل آليات استنساخ الفيروس.

شيء آخر غامض هو كيف سيستجيب كوفيد-19 للتغيرات في المواسم أو الفصول التالية؟ تظهر الإنفلونزا في الطقس البارد في كل من نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي. انتشرت بعض الفيروسات التاجية الأخرى على مستوى منخفض على مدار السنة، ولكن يبدو أنها وصلت إلى ذروتها في فصل الربيع. بالرغم من ذلك، لا أحد يعرف تمامًا لماذا تختلف هذه الفيروسات باختلاف الفصول!

الأمر الجيد الذي ظهر في تفشي مرض كوفيد-19 هو العلوم الجيدة التي ظهرت بسرعة كبيرة، مثل معرفة تراكيب بروتينات الحسكة الخاصة بالفيروس الجديد وكيفية التصاقها مع الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين 2 الموجود في الخلية البشرية المخموجة بالفيروس، وكل ذلك بعد شهر واحد فقط من توفر السلسلة الجينية الخاصة بالفيروس.

اقرأ أيضًا:

فيروس كورونا الجديد ربما كان موجودًا بين البشر لسنوات!

عشرة أعراض غير نمطية قد تدل على إصابتك بفيروس كورونا

ترجمة: يوسف الجنيدي

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: صالح عثمان

المصدر