ثمة اتجاهان متناقضان لتفسير أعمال الإحسان التي يبذلها البشر.

فالبعض يراها تجلّياتٍ لإيثار الغير على النفس، ودليلًا على العطف، بينما يرى فيها البعضُ الآخرُ وسائلَ ملتويةً لغاية الشُهرة والحصول على منفعةٍ ما.

ولكن تُثبتُ الأبحاثُ بأنّ مدّ يد العونِ للآخرين مِن شأنِه أن يولّد لدينا شعورًا بالسعادة، في جوانب متعدّدة.

ونعلم الآن بأنّ بذلَ بعض العطاءِ للمحتاجين أو التعاون مع الآخرين ينشّط جزءًا في الدماغ يُدعى الجِسْم المُخَطَّط corpus striatum.

والمثير للاهتمام هو أنّ هذا الجزء مِن الدماغ يتجاوبُ مع الأشياء التي نعتبرها مُجزيةً (كوجبة شهية، أو حتى عناصر مخدِّرة). والشعور بالرضا الناجِم عن أعمال العطف بشكلٍ عامٍ يولّد نشاطًا بيولوجيًا في هذا الجزء مِن الدماغ.

وتُظهِر الأبحاث في علم النفس وجودَ صِلةٍ بين العطف والشعور بالرفاه الممتدّ لسنين حياة الفرد، بدءًا مِن سنّ مبكّرة.

كما تُثبِتُ أنّ إنفاق المال على الآخرين قد يولّد مشاعرَ سعادةٍ تفوقُ بمراحِلَ الشعور بالسعادة عند إنفاق ذاتِ المال على النفس.

تعالوا معنا في خمسةِ محطاتٍ تفسّر تلازم اللطف مع السعادة، واضِعين بعين الاعتبار أنّ درجة التأثّر بهذه التجربة الشعورية تختلفُ حسب شخصية الفرد.

1- الابتسامة المُشرِقة.

من المرجَح أنّك إذا قمتَ بعملٍ لطيفٍ، فستُقابَلُ بابتسامة، وعندما ترى أثر عملكِ في تلكَ الابتسامة، ستبتسم حتمًا.

وتشرحُ إحدى نظريات علم الأعصاب هذا الموقف بأنّ رؤيتنا لأحدهم يعبّر عن شعورٍ ما، تنشّط فينا نفس أجزاء الدماغ المسؤولة عن ذلك الشعور، فنحسّ وكأننا نحن مَن يمرّ بتلك التجربة.

2- جَبْر الخواطر.

وتعمل نفسُ الآليّة أعلاه عندما نحاول التخفيف عن شخصٍ في ظرفٍ صعب.

وهذا الفِعل يولّد لدينا أنفسَنا شعورًا طيبًا، بسبب أنّنا سنشعرُ بنفس الارتياح الذي يشعرُ به الشخص، ولأننا نصحّح وضعًا صعبًا.

ورغم أنّ هذا الأثر يكونُ أقوى في حالةِ الأشخاصِ المقرّبين منّا، فهو ينطبقُ كذلكَ على المشاكل ذات الطابع الإنساني، كالفقر والتغيير المناخي
والانخراطُ في الجمعيات التي تسعى لعلاج هذه المشاكل يتركُ أثرًا إيجابيًا مِن شأنِه أن يحسّن مزاج الفرد.

3- بناء روابطَ اجتماعيّة.

ويفتحُ الإحسانُ آفاقًا واسعةً لبدءِ أو تطويرِ علاقاتٍ اجتماعيةٍ مع الآخرين.

على سبيل المثال، شراءُ هديةٍ لأحدهم أو مجرّد الدعوة إلى فنجان قهوةٍ يوطّد مِن أواصر الصداقة، ويُحسِّن المزاج.

وعلى نفس النمط، فإنّ الجمعيات الخيرية تقدّم الفرصةَ لربطِ الأفرادِ في أماكن مختلفةٍ مِن العالم.

والعمل الطوعي كذلك يوفّر علاقاتٍ اجتماعيةً مع المتطوعين الآخرين ومع أولئك الذين يتلقّون العون.

4. شخصيةٌ سمْحة.

يرى الكثيرُ في أنفسِهم أشخاصًا دمِثِين، وتساعدُ أفعالُ الخيرِ والعطفِ على إثباتِ ذلك وتولّد الشعور بالفخر لدى الشخص.

وظهَرَ في إحدى الدراسات الحديثة بأنّه حتى الأطفال في سنوات الدراسة الأولى قادرون على تمييزِ الشعورِ بأنّ الفردَ بسبب أفعال الخير يصبح (شخصًا أفضل .. ويرتقي درجةً نحو الكمال)، ما يؤدي إلى مشاعرَ سارّة.

ويظهرُ هذا الأثر جلِيًا عندما يكون فِعل الإحسان مرتبطًا بجوانبَ مِن شخصيّتنا، ما يمنحها هدفًا وغاية. كأنْ يتبرّع محبّو الحيوانات لإنقاذ الحيوانات، أو أن يتبرّع محبّو الفنّ للمعارض الفنية… وهكذا.

5- مَن يفعِل الخيرَ لا يُعدَم جوازِيه.

أثبتت الدراسات النفسيّة على الإحسان أنّ إحدى أهم دوافع فِعل المعروف هو التبادليّة، أي ردّ المعروف. ويمكن لِهذا أن يحصلَ بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر.

فقدْ يذكُر أحدُهم أنّك مددتَ له يدَ العونِ سابقًا، ولهذا فإنّ فُرصَ مساعدتِه لك مستقبلًا تكون أكبر. وقد يكون وجودُ شخصٍ مُحسنٍ أو لطيفٍ في مجموعةٍ ما دافعًا للآخرين أنْ يكونوا مثله.

وأخيرًا، أثبتت الأبحاثُ أنّ فِعل الخيرِ يُحسّن مِن مزاج الشخص، والعكس بالعكس: فمَن يكون في مزاجٍ رائقٍ يكون أقدَرُ على اللطف وبذْلِ الإحسان. وهذا ما يمنحُ الموضوعَ لمسةً إنسانيةً رائعةً.


  • ترجمة: رامي أبو زرد
  • تدقيق: م. قيس شعبية
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر