إنه لحلم كبير في العِلم، أن نبدأ من نقطة الصفر، من لبنات اصطناعية مجهرية بسيطة إلى شيء أكثر تعقيداً من ذلك بكثير: أنظمة حيّة، أنظمة كومبيوتر جديدة أو المواد اليومية في حياتنا. لقد سعى العلماء على مدى عقود من الزمن لتحقيق الحلم بخلق اللبنات الاصطناعية التي لها القدرة على التشكّل بأعداد كبيرة و تتحشّد لتولّي مهام حيوية جديدة أو لتصحيح الأخطاء. اليوم، علماء من جامعة جنوب الدنمارك، خطوا خطوة نحو الأمام، لجعل هذا الحلم حقيقة.

“إن إمكانات مثل هذه النظم الاصطناعية هي بلا حدود تقريباً، و الكثير من الباحثين يتوقّعون لهذه المواد الجديدة أن تؤسّس قاعدة جوهرية لتكنولوجيات المستقبل.” كما يقول الدكتور مايك هادورن من قسم الكيمياء و العلوم البيولوجية التطبيقية في جامعة زيورخ. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، هو و زملائه، إيڤا بوينزلي، كريستيان سورينسن و مارتين هانجيك من مركز التكنولوجيا الأساسية المعيشية في جامعة جنوب الدنمارك SDU، عملوا على مواجهة التحدّيات في صنع لبنات بدائية تتجمّع و تتحول إلى شيء وظيفي.

“لقد استخدمنا خيوط DNA قصيرة كغراء ذكي لربط المراحل الأوّلية من الخلايا الاصطناعية (الحويصلات الاصطناعية) لهندسة هياكل جديدة تشبه الأنسجة في التركيب.” يقول الدكتور مايك هادورن.

كجزء من المشروع الذي يرعاه الاتحاد الأوربي، MATCHIT، الدكتور مايك هادورن و زملائه تمكّنوا في وقت سابق من إظهار كيف أن خيوط الدنا DNA يمكنها أن توجّه عملية التجميع الذاتي للحويصلات الاصطناعية. هذان النوعان من الحويصلات الاصطناعية يمكن ربطهما بطريقة محددة مسبقاً من قبل الشخص الذي يجري التجربة، و هذه الهياكل المتجمّعة بمكن إعادة تجميعها عندما تثار خارجياً.ٌ في مقالهم العلمي الأحدث، والذي نشر في ديسمبر الماضي، تمكّن الباحثون من جامعة جنوب الدنمارك SDU بالتعاون مع باحثين من اليابان و إيطاليا من زيادة تعقيد الهياكل ذاتية التجميع و التي تمثل عدة أنواع من الحويصلات الاصطناعية المذكورة آنفاً. إضافة إلى ذلك، قاموا بتحميل إحدى الحويصلات بآلات خلوية أساسية مستمدة من الخلايا البكتيرية، الشيء الذي بدوره يمكّن تلك الحويصلات من ترجمة مخططات وراثية مغلّفة إلى بروتين وظيفي! وبالتالي تمكن الباحثون من هندسة مركّبات مرئية للعين المجرّدة ومتشابهة في طبيعتها التركيبية والوظيفية للأنسجة الطبيعية!

رغم أن أساليب بناء الهياكل الاصطناعية البسيطة هذه معروفة منذ عدة عقود من الزمن، ألا أن استخدام الخيوط الوراثية بمثابة “غراء ذكي” سمح للباحثين بالتغلّب على القصور في تلك الأساليب السابقة و هندسة هياكل و نظم محددة مسبقاً.

“وبما أن الحويصلات الاصطناعية تشبه الخلايا الطبيعية من حيث الحجم و التركيب، فهي تمثّل بذلك نقطة انطلاق مثالية للعديد من التطبيقات. إحدى تلك يمكن أن يكون مثلاً كدعم زمني لالتئام الجروح: كتغطية الجرح بهذه الحويصلات المصممة خصيصاً لهذا الغرض و لهذا المريض. و بدورها لن تحمي فقط الخلايا الطبيعية تحت الجرح، و لكن أيضاً تعمل على توجيه تمايز الخلايا لتنقسم و تختلف وظيفياً، و بالتالي يمكن لهذه الخلايا الطبيعية المتجددة تولّي وظيفتها الوقائية.” يوضّح مايك هادورن.

“كما نعرف، الكائنات الطبيعية معقّدة جداً، و هذه الأنظمة الاصطناعية البسيطة، مثل النموذج الهيكلي المشابه للأنسجة، قد يساعدنا في الكشف عن أسرار التواصل الخلوي و التمايز الوظيفي. إضافة إلى ذلك، يمكننا استخدام هذه الحويصلات الاصطناعية كمفاعلات حيوية صغيرة” يعقب مايك هادورن.

و يضيف، “إنها بطريقة أو بأخرى مثل الطبخ، فحين تقوم بإعداد وجبة طعام، فأنت في معظم الوقت لا تستخدم وعاء واحد فقط، فإعداد اللحوم و البطاطس و الخضار في وعاء واحد يكاد يكون مستحيلاً، لكن باستخدام أواني مختلفة لكل مكوّن، ستتأكّد من الظروف الأمثل لإعداد كل وجبة. مقارنةً مع “وعاء المفاعلات الحيوية” في العِلم، فنحن كثيراً ما نواجه نفس المشاكل المماثلة. و مع ذلك، باستخدام “الأواني المجهرية” (أي الحويصلات) التي يتم تحميلها مع مجموعة محددة من المواد وعلى مقربة من بعضها البعض، يمكن للمرء أن يتخيّل المفاعلات الحيوية المجهرية كبوّابات تفتح لإطلاق المواد من حويصلة إلى الأخرى المجاورة. هذا بدوره يضمن ظروف التفاعل الأمثل لتوليف منتجات معقّدة التركيب بالنسبة لظروف “وعاء المفاعلات الحيوية”.


 

المصدر