ساد اعتقاد قديم بأنه إذا وُجد رجل على سطح القمر فإنه رجل ذو شأن كبير. يُعتقد أيضًا أن القمر المرافِق للأرض تكوّن ليس بعد زمن طويل من تكون الكوكب نفسه، أي منذ نحو 4.4 مليار سنة.

وفقًا للنظرية، حدث ذلك حين اصطدم جسم -بحجم كوكب المريخ- بالأرض، التي كانت ما تزال دافئة ورخوة وحديثة التكوين، ما أدى إلى انفصال سحابة ضخمة من الحطام عنها، تجمعت لتكوّن القمر في مدار الأرض.

يبدو أن المظهر الجميل واليافع للقمر خادع، إذ تشير دراسة جديدة لحبيبات صغيرة من الزركون في عينات القمر التي جمعها فريق بعثة أبولو إلى أن زمن تكوّن القمر أقدم بكثير مما كنا نعتقد، بمقدار 40 مليون سنة.

هذا يعني أن القمر عمره على الأقل 4.46 مليار سنة، وفقًا لدراسة قادتها عالمة الجيولوجيا جينيكا جرير من جامعة غلاسكو، أي أقل بقليل من عمر الأرض الذي يُقدر بنحو 4.54 مليار سنة.

يقول عالم الكيمياء الكونية فيليب هيك من المتحف الميداني للتاريخ الطبيعي وجامعة شيكاغو: «هذه البلورات من أقدم المواد الصلبة المعروفة التي تكونت بعد الاصطدام الكبير، ولأننا نعرف مدى قدم هذه البلورات، فإنها تعد مرجعًا للتسلسل الزمني للقمر».

رغم عدم معرفة كيف ومتى تشكل القمر بدقة، فإن وجود بعض العناصر المحددة يشير بقوة إلى أصلها الأرضي، إذ إن فرضية الاصطدام العملاق هي الفرضية المُرجحة حاليًا. لذلك يُتوقع أن يكون ذلك قد حدث في وقت مبكر من عمر النظام الشمسي، إذ يتوقع علماء الفلك وجود عدد أكبر بكثير من الأجسام الكبيرة والكواكب الناشئة تحلق حول بعضها وتتصادم.

اختلفت التقديرات فيما يتعلق بموعد حدوث هذا الاصطدام العملاق، لكن توجد مجموعة متزايدة من الأدلة تستند إلى تاريخ العينات القمرية، تشير إلى أن ذلك الاصطدام حدث في وقت أبكر بكثير من الافتراضات الأولية، المقدرة بنحو 4.4 مليار سنة، إذ تشير بعض التحليلات إلى أنه قد تكون في وقت مبكر، منذ نحو 4.51 مليار سنة.

بلورات الزركون وسيلة ممتازة لتتبع عمر العينة، بسبب طريقة تكوينها الغريبة. عندما تتشكل بلورات الزركون فإنها تندمج مع اليورانيوم، لكنها ترفض الرصاص بشدة.

بمرور الوقت، يتحول اليورانيوم النشط إلى الرصاص بمعدل معروف، ما يتيح للعلماء معرفة نسبة اليورانيوم إلى الرصاص في بلورة الزركون، وحساب مدى زمن تكوين الزركون بدقة عالية.

يمكن العثور على هذه البلورات المجهرية في عينات التربة القمرية التي جُمِعَت خلال فترة رحلات أبولو من العينات القمرية. إذ درست جرير وزملاؤها بلورات الزركون الموجودة في عينات مهمة أبولو 17 -آخر مهمة قمرية- التي جرت عام 1972. يقول الفريق إن هذه البلورات يجب أن تكون قد تكونت بعد تصلب سطح القمر من المحيط المنصهر الذي غطّى سطحه، مباشرةً بعد تكونه.

قال هيك: «عندما كان السطح منصهرًا، لم تتمكن بلورات الزركون من التكوّن والبقاء. لذا يجب أن تكون أيّ بلورات على سطح القمر قد تشكلت بعد أن برد هذا المحيط الحممي للقمر، وإلا لكانت قد ذابت ومُحيَت إشاراتها الكيميائية».

استخدم الباحثون تصوير البروتونات الذرية المقطعي بالمسبار لدراسة تركيب عيناتهم، إذ حددوا حِدَّة البلورات، ثم استخدموا الليزر لتبخير الذرات من نقطة محددة، ثم حلل جهاز مطياف الكتلة المادة المتبخرة لقياس وزنها، ما سمح للعلماء بتحديد نسب اليورانيوم إلى الرصاص.

أظهرت الدراسة أن عمر هذه البلورات 4.46 مليار سنة، ما يعني أن القمر يجب أن يكون على الأقل بهذا العمر. قد تساعد هذه المعلومات العلماء على تحديد جوانب أخرى من تاريخ القمر، مثل المدة الزمنية التي استغرقها القمر لتشكله وتصلبه، وتقدير تاريخ الاصطدام العملاق على نحو أفضل.

وفقًا لجرير: «من المدهش أن نستطيع الحصول على دليل على أن الصخور التي نحملها هي أقدم جزء من القمر اكتُشِفَ حتى الآن. إنها نقطة مرجعية لأسئلة عدة عن الأرض، إذ عندما ندرك عمر شيء ما، يمكننا فهم ما حدث خلال تاريخه بصورة أفضل».

اقرأ أيضًا:

الهند تصبح رابع دولة تهبط على سطح القمر

قوة خفية غامضة تولد المياه على سطح القمر

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: ريمي سليمان

المصدر