دور الكويكبات في تنوع الأحياء. منذ حوالي نصف مليار عام، حدث أمرٌ غامض تسبب في أحد أهم التغييرات التي طرأت على تاريخ الحياة في كوكب الأرض. فقد حدث انفجار مفاجئ في الأنواع، مع زيادة التنوع البيولوجي للحيوانات اللافقارية تصاعديًا من مستوى ضئيل للغاية، وصولًا إلى ما يشابه ما نراه اليوم من تعدد أنواعها بشكلٍ مهول.

في أفضل التفسيرات التي فسرت ظاهرة التنوع البيولوجي الأوردوفي العظيم تلك، اقترح الباحثون أنها كانت نتاج انخفاض درجة حرارة الأرض الساخنة بشكلٍ متسارعٍ جدًا وغير اعتيادي، الذي أدى في النهاية إلى دخول الأرض في عصر جليدي.

ما الذي أدى إلى ذلك التغير الحراري؟

هذا ما ناقشناه في ورقتنا البحثية الجديدة، والمنشورة في science advanced وقد وضحنا بأن ذلك التغير الحراري قد تزامن تمامًا مع أكبر ظاهرة تفكك كويكبي موثقةً في حزام الكويكبات خلال المليار سنة الماضية.. نتيجة تصادم مع كويكب آخر أو مذنبٍ ضخم.

ما يقرب من ثلثي النيازك التي سقطت على الأرض وما زالت تسقط حتى اليوم هي من تبعات تلك الحادثة، ومن حُطام ذلك الكويكب الذي يبلغ عرضه قرابة 150 كيلومترًا في حزام الكويكبات بين المشتري والمريخ.

انتشرت كميات مهولة من الغبار الكوني عبر النظام الشمسي كله بعد ذلك التصادم الضخم. وبالطبع فإن تأثير الغبار الحاجب لأشعة الشمس يمنع وصولها إلى الأرض، ما يؤدي لخفض درجات الحرارة بشكلٍ متسارع، ونحن نعلم بأن هذا يؤدي إلى تغيراتٍ بالمناخ من تجانسه تقريبًا إلى تقسيم الأرض إلى مناطق مناخية مختلفة من الظروف القطبية عند القطبين إلى الظروف الاستوائية عند خط الاستواء.

وبمثابة تكيفٍ مع مناخ الأرض الجديد، حدث ذلك التنوع الكبير بين اللافقاريات بما يشمل الطحالب الخضراء والسمك الأوليّ، ورأسيات الأرجل والشعاب المرجانية.

غبار كويكب كان سببًا في أحد أكبر الانفجارات الحياتية على الأرض تاريخ الحياة في كوكب الأرض زيادة التنوع البيولوجي للحيوانات اللافقارية

قاع البحر السويدي

تأتي أدلتنا من دراسات عديدة أجريت عن رواسب في قاع البحر السويدي تواجدت من عصر أوردوفيان منذ حوالي 485-443 مليون سنة. كُشف عنها في “كينكولي” جنوب السويد وكذلك في نهر “لينا” بالقرب من “سان بطرسبرغ” في روسيا.

وجدنا أكثر من 130 نيزكًا أحفوريًا في مقلع بـكينكولي، وهي صخور سقطت على الأرض في الماضي السحيق، وصارت ضمن رواسب قاع البحر، وهكذا حُفظت تمامًا كحفريات الحيوانات القديمة.

ماعدا نيزك واحد، كانت جميع تلك النيازك لها ذات التركيب ويصل قطرها إلى 20 سنتيمترًا في المتوسط، فقد كانت جميعها نتاج ذلك التصادم، وللدِقة فقد كان ذلك التركيب هو ذات تركيب الكويكب المحطم في حزام الكويكبات في ذات الوقت. وربما كان ذلك النيزك الوحيد المختلف هو جزءٌ من المذنب الأصغر الذي اصطدم بالكويكب وحطمه.

بالنظر إلى النظائر المشعة بالنيازك الناتجة عن ذلك التحطم الأوردفي والتي ما زالت تصطدم بالأرض في الحقبة الحالية، يمكننا وبدقة أن نخلص لكون ذلك التصادم قد حدث منذ 466 مليون عام.

ولذلك فقد كان حتميًا أن تحتوي النيازك التي وُجدت بالمقلع على المواد التي أُرسلت للأرض بعد ذلك الاصطدام، وبالنظر إلى أعدادها، فيمكننا القول بارتياح أن تساقط النيازك في الماضي كان أكبر كثيرًا مقارنة بالمعدلات الحالية.

كيف يمكننا التيقن من كون ذلك الاصطدام الضخم قد أوجد كميات الغبار الهائلة التي تسببت في خفض درجات الحرارة على الكوكب؟ لمعرفة هذا درسنا توزيع فُتات الغبار الدقيقة في الطبقات الرسوبية.

باستطاعتنا معرفة كونها من مصدر ما خارج الأرض عبر الكشف عن الهيليوم وبعض المواد الأخرى المتواجدة في تلك الرواسب، والتي لا يمكن تفسيرها إلا بالرجوع إلى قوى الرياح الشمسية التي أثرت في الغبار بتلك المواد عبر قصفها إياه عندما كان في طريقه إلى الأرض.

وقد أظهرت نتائج تلك الدراسات بشكل واضح أن كميات كبيرة من الغبار الناعم قد وصل إلى الأرض بعد فترة قصيرة من ذلك الاصطدام، كما يُظهر السجل الجيولوجي للأرض انخفاضًا شديدًا في مستوى سطح البحر عالميًا بعد وصول ذلك الغبار، بدءًا للعصر جليدي، وكان ذلك بسبب تكون الجليد الذي منع وصول المياه إلى خطوط العرض العليا.

لكن النتيجة كانت مذهلة وغير متوقعة تمامًا، فخلال السنوات الخمس والعشرين الماضية استندنا إلى تفسيراتٍ مختلفة كليًا لفهم ما حدث خلال تلك الفترة.

فعلى سبيل المثال، كنا نعتقد في الماضي أن حدث التنوع ذاك كان مرتبطًا بتفكك الكويكبين بشكلٍ أو بآخر، كنا نعتقد أن بعض الكويكبات الصغيرة والنيازك التي سقطت على الأرض بعد التصادم كانت مسؤولة عن تلك التغيرات بدلًا من تأثير الغبار، ولم نضع كل قطعة في مكانها الصحيح قبل الحصول على قياسات الهيليوم الأخيرة.

نتيجةً للاحتباس الحراري فإن درجات الحرارة على الكوكب آخذة في الارتفاع بزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويكون الارتفاع أكبر بالطبع عند خطوط العرض العالية.

وفقًا للهيئة الدولية المعنية بالتغيرات المناخية، فإن الأرض تتجه حاليًا إلى عصرٍ يشبه ما قبل الاصطدام قبل 466 مليون عام، ما ينذر بالخطر، وأن الطريق الذي نسلكه ليس مفيدًا أبدًا للتنوع البيولوجي.

خلال العقد الماضي أو أبعد منه قليلًا، ناقش العديد من العلماء بعض الحلول الصناعية التي يمكننا اللجوء إليها لخفض درجات حرارة الكوكب إذا استلزم الأمر في حال حدوث كارثة مناخية.

كان أحد تلك الحلول يتمثل في وضع بعض الكويكبات في مداراتٍ حول الأرض كالأقمار الصناعية، لتساهم في تحرير الغبار الدقيق منها باستمرار ليمنع جزئيًا وصول الآشعة الشمسية إلى الأرض.

أظهرت نتائجنا للمرة الأولى أن مثل هذا الغبار قد ساهم في زيادة برودة الأرض بشكلٍ كبير من قبل، ما يمنحنا أملًا لكون هذا الحل الصناعي قابلًا للتطبيق في حال احتجناه، ويمكن لدراستنا أن تمنحنا فهمًا قائمًا على التجربة ويمكن استخدامه لإنشاء نماذج حوسبية لهذه الأحداث وتقييمها أيضًا.

لكن وحتى الآن، فلا نملك وسيلة فعالةً لمعالجة التغيرات المناخية سوى تقليل الانبعاثات الكربونية، فهذه هي الطريقة الوحيدة في النهاية للحفاظ على هذا العدد الكبير من التنوع البيولوجي الذي نشأ منذ 466 مليون عام.

هوامش:

  • الأوردرفيا: مصطلح جيولوجي يشير إلى حقب الحياة القديمة.
  • النظائر: هي العناصر الكيميائية المتشابهة مع اختلاف في عدد النيوترونات بأنويتها.

اقرأ أيضًا:

اليوم الأخير للديناصورات: لمحة عن كارثة الكويكب

حزام الكويكبات

ترجمة: محمد وسيم

تدقيق: سلمى عفش

المصدر