غرسة دماغية تسمح بالتواصل لامرأة مصابة بالشلل الكامل، فهل ستُحدث تقدمًا في المجال؟


هل يمكن لهذه الغرسة الدماغية أن تحسن وضع المرضى المصابين بالشلل الكامل؟

في سابقة من نوعها، تمكنت امرأةٌ مصابةٌ بالشلل من تعلم كيفية استخدام غرسة دماغية للتواصل مع ما حولها من خلال التفكير فقط! هذه هي المرة الأولى التي نتمكن فيها من استخدام جهاز يصل بين الدماغ والكومبيوتر في الحياة اليومية وضمن المنزل، من دون الحاجة لإعادة المعايرة من قبل الأطباء والمهندسين.

«إنه لأمر مميز أن أكون الأولى» تقول هـ.ب، السيدة ذات الثمانية والخمسين عامًا والتي تتمنى أن يبقى اسمها مجهولًا. شُخصت إصابة السيدة هـ.ب بالتصلب الجانبي الضموري في العام 2008، حيث يُدمر هذا المرض الخلايا العصبية المحركة في النخاع الشوكي، ويترك المرضى عاجزين عن التحكم في أجسادهم. خلال عامين من تشخيص المرض لديها، فقدت السيدة هـ.ب القدرة على التنفس من دون استخدام جهاز تهوية آلية. «إنها محبوسة في الداخل بشكل كامل تقريبًا » يقول نك رامزي (Nick Ramsey) من مركز الدماغ في الكلية الطبية يوترخت في هولندا.

عندما التقى رامزي المريضة، كانت تعتمد على جهاز يتبع حركات العينين لتتمكن من التواصل. يعمل هذا الجهاز على تتبع حركات العينين لاختيار أحرف معروضة على شاشة أمام المريض لتهجئة الكلمات، لكن ذلك لا يساعد المرضى بشكل دائم، فحوالي ثلث المرضى المصابين بالتصلب الجانبي الضموري يفقدون القدرة على تحريك أعينهم. عمل الباحثون لفترة طويلة على تصميم أجهزة يتم التحكم بها من قبل الدماغ مباشرة لمساعدة هؤلاء المرضى.

تعمل هذه الأجهزة على قراءة نشاط الدماغ بشكل مباشر وترجمته للتحكم بجهاز كومبيوتر أو ذراع اصطناعية مثلًا. لكن هذه الأجهزة لازالت صعبة الاستخدام في الحياة اليومية للمرضى، فهي تتطلب إعادة المعايرة من قبل فريق من المهندسين يوميًا، بالإضافة إلى أنها معقدة جدًا ولا توجد بشكل لاسلكي.

” للصراحة، هذه الأجهزة لا تفيد أحدًا، لذلك قلنا أن علينا أن نصمم جهازًا بسيطًا يمكن لأي مريض يحتاجه أن يستخدمه ويتحمل كلفة شرائه.” يقول رامزي.

يستخدم الجهاز الذي صممه فريق رامزي الكترودات توضع على سطح الدماغ، تحت سطح الجمجمة مباشرة، مما يجعله غازيًا أكثر من الأجهزة الخارجية كقبعة تخطيط الدماغ الكهربائي، ولكن أقل غزوًا من أجهزة تحفيز الدماغ التقليدية، والتي تستخدم في علاج داء باركنسون.

يقوم الالكترود بتسجيل نشاط الدماغ، ثم يرسله عبر سلك إلى جهاز صغير يمكن زرعه تحت جلد الصدر، بحجم جهاز تنظيم ضربات القلب. بعدها يرسل هذا الجهاز إشارة لاسلكية إلى كومبيوتر لوحي خارجي، يحولها إلى «نقرة» بسيطة. يسمح تطبيق آخر مُحمل على الكومبيوتر باستخدام هذه «النقرة» بأشكال عديدة، كلعب لعبة، أو اختيار كلمات للتهجئة والتواصل.

تطوعت السيدة هـ.ب لاستخدام هذا الجهاز في العام الماضي. «أريد أن أساهم في تقديم كل التحسينات الممكنة للمرضى الذين يعانون من نفس حالتي.» تقول ه.ب.

قام الفريق بزرع الكترودين فوق سطح دماغ ه.ب، الأول فوق منطقة تتحكم بحركات اليد اليمنى، والثاني في منطقة تستخدم في العد العكسي. بعد عدة جلسات من التدريب، تضمنت استخدام الجهاز في لعب ألعاب بسيطة واستخدامه في التهجئة، تعلمت السيدة التحكم بالجهاز عن طريق تخيل نفسها وهي تحرك يدها اليمنى لتقوم بالنقر.
تمكنت ه.ب من استحداث إشارة منذ اليوم الأول لاستخدامها الجهاز، وبعد ستة أشهر، أصبحت دقة استخدمها له 95 بالمئة. «إن هذا النظام يعمل فعلًا، لقد فاجأنا جميعًا.» يقول رامزي، الذي قدم عمله في الاجتماع السنوي لجمعية العلوم العصبية في سان دييغو، كاليفورنيا.
إن استخدام هذا الجهاز للتواصل مع المحيط لازال بطيئًا، فقد يستغرق الأمر عدة دقائق لتهجئة كلمة واحدة، لكن السيدة ه.ب تتحسن سرعتها مع التمرين. ففي البداية، استغرق معها الأمر 50 ثانية لتختار حرفًا، أما الآن، فهي تستطيع أن تفعل ذلك في 20 ثانية.

صحيح أن هذه السرعة أبطأ من سرعة الأجهزة التي تعتمد حركات العينين، لكن من الممكن استخدام الجهاز خارج المنزل. تعاني أجهزة تعقب العينين صعوبات كبيرة في التقاط حركات العينين الدقيقة في ضوء النهار الطبيعي خارج المنزل. « لقد جعل ذلك السيدة ه.ب مرتبكة جدًا عندما كانت تسافر خارجًا.»

« أستطيع الآن أن أتواصل مع من حولي عندما أكون خارج المنزل، بينما لم أتمكن من ذلك عندما كنت أستخدم جهاز تعقب العينين، أصبحتُ الآن أكثر استقلالية وثقة عندما أكون في الخارج.» تقول ه.ب. لم تتعلم بعد استخدام العد العكسي للتحكم بالجهاز، فالالكترود الموضوع فوق هذه المنطقة هو الكترود احتياطي، يعمل في حال تنكس الجزء المسؤول عن الحركات لديها.

يقول نيكولاس هاتسوبولوس (Nicholas Hatsopoulos) من جامعة شيكاغو في إلينويس أن للجهاز إيجابياته وسلبياته، فوضع الالكترودات على سطح الدماغ بهذه الطريقة يشكل تسوية جيدة مابين الالكترودات العميقة الحساسة ولكن الغازية، وبين تخطيط الدماغ الكهربائي الذي يوضع على جمجمة الشخص. وبالإضافة إلى ذلك يشحن هذا الجهاز لاسلكيًا، مما يجعله غير مرئي للآخرين، الأمر الذي يعتبر مهمًا للعديد من المرضى المرشحين لاستخدام الغرسات الدماغية.

إن الطبيعة البسيطة لهذا الجهاز هي ما يجعله مناسبًا للاستخدام المنزلي. « إنه نظام بسيط بشكل رهيب، ولا يتطلب استخدام كومبيوترات فخمة.» يقول رامزي. لكن الجانب السلبي لهذا الجهاز هو أنه من غير المحتمل أن يكون قادرًا على تنفيذ مهمات أكثر تعقيدًا، كالتحكم بأطراف صناعية مثلًا. «هناك حد لكمية المعلومات التي يمكن أن تحصّلها.» يقول أندرو جاكسون (Andrew Jackson) من جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة.

وكما كنا نقول، يُشكل هذا الجهاز طريقة مفيدة للمرضى المصابين بالشلل، سواء نتج ذلك عن أمراض العصبونات المحركة كالتصلب الجانبي الضموري، أو في حال نتج الشلل عن سكتة دماغية حادة مثلًا. « بالنسبة لهؤلاء المرضى، يمكن لهذا الجهاز أن يكون مهمًا جدًا.» يقول هاتسوبولوس.

يأمل رامزي وزملاؤه أن يجربوا هذا الجهاز على أفراد آخرين، فبعد أن حسنوا النظام المُحمل على الجهاز اللوحي، يتوقع رامزي أن يكون المتطوع المقبل أسرع في تعلم كيفية استخدام الجهاز. حيث يمكن أن يتسرع العمل باستخدام نظام أكثر تعقيدًا قادر على التنبؤ واتمام الكلمات اعتمادًا على أول بضعة حروف منها.

يطمح الفريق إلى تطوير تطبيق يستطيع أن يحول النقرات إلى وظائف أخرى. «باستخدام التطبيق المناسب، قد نستطيع أن نستخدم الجهاز لإطفاء التلفاز مثلًا. قد نستطيع استخدام الأيقونات في الجهاز اللوحي للتحكم بالأجهزة المنزلية، ففرضيًا، يمكن القيام بالكثير من الأشياء بنقرة واحدة.» يقول رامزي.

« أحلم أن أستطيع استخدام الجهاز لقيادة كرسييّ المتحرك.» تقول هـ.ب.

« مضى على استخدام هـ.ب للجهاز سنة الآن، وهي تقول أنه قد أصبح جزءًا منها، تستخدمه عدة مرات في الأسبوع.» يقول رامزي « لم تتوقع أن هذا الجهاز سيعني كل هذا القدر لها.»

إضافة :
التصلب الضموري الجانبي هو مرض مجهول السبب يصيب الخلايا العصبية المحركة ، مؤديًا إلى شلل مترق يصيب المجموعات العضلية بشكل تدريجي، حتى تصل الإصابة للعضلات التنفسية، وعندها قد يحدث الموت. لا يؤثر هذا المرض على الوظيفة العقلية، ولا الأمعاء أو المثانة أو الوظيفة الجنسية، لذلك يكون المريض واعيًا بشكل كامل لحالته، مسجونًا في جسد لا يتحرك ولا يستجيب.

لا يوجد علاج شاف لهذا المرض، لكن توجد اليوم أجهزة مساعدة يمكن لها أن تحسن من نوعية حياة المرضى، كتلك التي يستخدمها الفيزيائي المشهور ستيفن هوكنغ.

تعتمد هذه التقنيات المساعدة على حركات العينين بشكل عام، وبعضها يعتمد على حركات الخد كتلك التي يستخدمها ستيفن هوكنغ، لكن ذلك لا يكون مفيدًا دومًا، فحوالي ثلث المرضى المصابين بالتصلب الجانبي الضموري يفقدون القدرة على تحريك أعينهم مع تقدم المرض، وبالإضافة إلى ذلك، يوجد صعوبة في استخدام هذه التقنيات خارج المنزل.


ترجمة : علي عبدالكريم أحمد
تدقيق: جدل القاسم

المصدر