متى سنتوقف عن وصف انخفاض أسعار أسهم التكنولوجيا الأمريكية بأنها مجرد فقاعة إنترنت تصيب فقط الشركات الأكثر مضاربة في السوق؟ ومتى سينظر إلى هذا الركود على أنه انهيار كامل لسوق الأسهم؟

أدى اتحاد البنوك المركزية المتشددة -إلى جانب الغزو الروسي لأوكرانيا- إلى إلحاق الضرر بأسواق الأسهم هذا العام، إذ انخفض مؤشر MSCI All-Country World بنسبة 12% عام 2022، مثلما هو الحال في معظم المؤشرات الرئيسية الأخرى.

أصاب الضرر أسهم التكنولوجيا الأمريكية في المقام الأول، فرغم تعافيه البسيط الأسبوع الفائت، فإن مؤشر ناسداك كان قد انخفض بالفعل بنحو 20% في وقت سابق من عام 2022. أما من ناحية القيمة المالية، خسر سوق التكنولوجيا حتى الآن أكثر من 5 تريليونات دولار منذ ذروته في نوفمبر 2021، أي أكثر من خسائر الدولار في مؤشر ناسداك في أثناء فقاعة الإنترنت بين عامي 2000-2002.

صحيح أن المؤشر عاد إلى الارتفاع كثيرًا مؤخرًا، ولكن ذلك لا يخفي حجم الخسائر المالية التي وقعت، ومدى شدتها بالنسبة للعديد من المستثمرين مهما حاولت شركات التكنولوجيا العملاقة التعتيم على مدى الضرر الذي لحق بها.

بحسب التقرير الصادر عن بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي، تعرض نحو ثلثي أعضاء ناسداك البالغ عددهم أكثر من 3 آلاف عضو إلى انخفاض في معدلاتهم السنوية بنسبة 25% على الأقل، إذ هبطت معدلات نحو 43% من الأعضاء بأكثر من النصف تقريبًا، أما بعضهم الآخر، الذي يشكلون نحو20% من الأعضاء فقد بلغ هبوط معدلاتهم نحو 75%، وهي النسب الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية.

إن مبلغ 5.15 تريليون دولار -الذي تبخر في مؤشر ناسداك في الأسابيع الأخيرة- تعادل قيمته اختفاء سوق الأسهم البريطاني بأكمله.

بدأ انخفاض المعدلات هذا في العام الماضي، مستهدفًا سوق الأسهم التكنولوجية المضاربة وغير المربحة تحديدًا، ما دفع العديد من المحللين والمستثمرين إلى تجاهل هذا الانخفاض ظنًا منهم أنه مجرد فقاعة إنترنت عابرة ناجمة عن احتمالية تشديد القيود على السياسات النقدية وارتفاع عائدات السندات.

تملك أسعار الفائدة تأثيرًا مباشرًا في عدد من المستثمرين في تقييمهم لما يسمى بأسهم النمو، إذ إنه كلما ازدادت أرباح الشركة المتوقعة، ازداد الأثر السلبي لارتفاع أسعار الفائدة على التقييمات، لذلك عُدت سنة 2022 كابوسًا بالنسبة إلى الشركات القائمة على التوقعات والأحلام دون وجود تدفقات نقدية حقيقية لديها، في حين كان ما حصل خلال السنة مبررًا جيدًا لأولئك الذين استهجنوا كثرة الفائض في الأسواق خلال العامين الماضيين.

بصرف النظر عن انهيار قيمة شركة ميتا في السوق، وذلك بعدما خيبت نتائج فيسبوك توقعات المستثمرين وآمالهم، فإن أداء الشركات في قمة التسلسل الهرمي التكنولوجي تحسن بصورة أفضل من مؤشر ناسداك. على عكس ما يشاع فيما يخص فقاعة الإنترنت، علينا ألا نستهين بكم الأموال التي جنتها صناعة التكنولوجيا على مدى العقد الماضي.

أدت تلك الأحداث إلى ازدياد مخاوف المستثمرين واعتقادهم بأن وقت التغيير قد حان، فمثلًا، أصبح مديرو الصناديق -حاليًا- الذين شملهم استطلاع بنك أمريكا يمتلكون أسهمًا في قطاع التكنولوجيا بمعدل أقل من الطبيعي والمألوف للمرة الأولى منذ ديسمبر 2008.

ولكن، هذا لا يدعونا إلى الاستهزاء بمن يستثمر في شركات التكنولوجيا العملاقة، إذ من السابق لأوانه إعلان نهاية عصر التكنولوجيا الحالي.

بحسب تقديرات بنك جولدمان ساكس الأخيرة، فإنه من المتوقع أن ينخفض مؤشر ناسداك بنسبة 17% أخرى، إذا ما قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تشديد القيود على السياسات النقدية، التي يسعى بوساطتها إلى كبح التضخم.

علاوة على ذلك، إن الهبوط الحاد لسهم شركة ميتا يشرح لنا مدى الضرر الذي قد تلحقه شركات التكنولوجيا العملاقة إذا كانت نتائجها مخيبة للتوقعات. يمكننا اتخاذ شركة سيسكو مثالًا لتلاشي فقاعة الإنترنت الكبيرة مؤخرًا، فمع تضاعف أرباح الشركة أربع مرات منذ بداية 2000، فإن سهم الشركة لم يعد إلى ذروة قيمته مطلقًا.

في السياق ذاته، يجب ألا ينخدع أصحاب رؤوس الأموال وصناديق التحوط الذي هرعوا إلى شركات التكنولوجيا الناشئة غير المدرجة في البورصة في السنوات الأخيرة بقلة تقلبات الأسواق الخاصة.

خفض صندوق الرهن العقاري الاسكتلندي التابع لشركة بايلي جيفورد قيمة استثماراته الخاصة بمتوسط 9.1% في يناير، وفي حال لم نشهد ردة الفعل المناسبة، فإننا قد نواجه خطر طرح أسهم جديدة بأسعار أقل، وهو ما يسمى بتخفيف الأسهم.

إضافةً إلى ما ذكر أعلاه، فإن الاستثمارات الأبطأ والأكثر تحفظًا ستؤثر سلبًا في العائدات، ما قد يقلل من جاذبية رأس المال الاستثماري بالنسبة إلى المستثمرين بعد عقد من الحاجة (واللجوء) إليه. من الممكن أن تؤول الأمور في النهاية إلى طرح مزيد من الأسهم الجديدة بأسعار مخفضة والدخول في حلقة من ضياع العائدات وازدياد حذر المستثمرين أكثر فأكثر.

لا يمكن أن نصف ما حدث بفقاعة إنترنت، وقد لا تتطور لتصبح ذلك أبدًا، ولكن علينا ألا ننكر حجم خسارة الأموال والثروات الهائلة، في حين ما تزال الأصداء وردود الأفعال غير واضحة بالضبط، وقد تكون حازمة جدًا.

اقرأ أيضًا:

الفقاعة الاقتصادية

لماذا نشهد ارتفاع الأسعار في الوقت الحالي؟

ترجمة: ذوالفقار مقديد

تدقيق: نور عباس

مراجعة: حسين جرود

المصدر