واجه المستهلكون حول العالم ضربات موجعة جراء جائحة كورونا، إذ لم يقتصر الأمر على عدم وفرة المواد الاستهلاكية بأنواعها، بدءًا من مناديل الحمامات وصولًا إلى أثاث المنزل والمواد الغذائية، بل أصبحوا يدفعون أسعارًا أعلى مقابل ما بقي من المنتجات المتاحة، مثل الإلكترونيات.

يؤدي نقص المواد هذا، المعروف بنفاد المخزون، إلى ارتفاع الأسعار عمومًا مدة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر. ومع استمرار الجائحة، من المتوقع استمرار نفاد مخزون بعض المواد مدةً أطول، مثل المواد الغذائية والإلكترونيات، ما سيؤدي إلى استمرار ارتفاع أسعارها، وفقًا للبحث الذي أجراه أستاذ إدارة الأعمال في كلية هارفارد ألبرتو كافالو.

ارتفعت الأسعار في الولايات المتحدة منذ يناير 2022 بوتيرة هي الأسرع منذ أربعة عقود، محملةً الاحتياطي الفيدرالي ضغوطًا متزايدة للسيطرة على التضخم، وتأثيره في كبح الأجور والنفقات.

يسلط بحث كافالو الضوء على سؤال يزعج الاقتصاديين والمستهلكين والتجار على حد سواء: متى ستعود الأسعار إلى وضعها الطبيعي؟ يرى كافالو أن الإجابة تختلف بحسب نوع المنتج، وبحسب سرعة تعافي القطاعات الصناعية المختلفة.

إن عدم توفر المنتج فترةً طويلة يدفع تجار التجزئة إلى عدم طلبه مرة أخرى، وتسمى هذه الظاهرة بالنفاد المستمر للمخزون، ما يحفز استمرار ارتفاع سعره. يشير كافالو إلى التساؤل الأبرز حول علاقة نفاد مخزون بعض المنتجات بالتضخم.

يقول كافالو إنه اعتقد في بداية الجائحة أن ظاهرة نفاد مخزون المنتجات سوف تتلاشى في غضون أشهر: «ستتغير ظاهرة نفاذ المخزون بمرور الوقت، إذ زالت للتو ظاهرة النفاذ المؤقت للمخزون، فلم نعد نرى الرفوف الفارغة في المتاجر واللافتات التي تشير إلى نفاد المخزون في الأسواق الإلكترونية، مع أن بعض الأصناف ما زالت غائبة بسبب وقف تصنيعها. يؤدي نفاد المنتجات إلى ارتفاع الأسعار، ويساهم استمرار هذه الظاهرة في ارتفاع معدلات التضخم التي نشهدها اليوم».

نقص مخزون المتاجر

لجأ الباحثون إلى موقع (PriceStats)، الذي شارك كافالو في تأسيسه عام 2010، لتحليل بيانات 70 موقعًا إلكترونيًا لكبار تجار التجزئة، بهدف فهم العلاقة بين نفاد المخزون والتضخم.

شمل البحث نحو مليوني منتج بِيع عبر الإنترنت أو عبر المتاجر التقليدية في سبع دول، منها نحو 700 ألف منتج داخل الولايات المتحدة.

راقب الباحثون تغيرات أسعار تلك المنتجات من نوفمبر 2019 حتى مايو 2021، أي قبل مرحلة تكثيف سلاسل التوريد في الصيف الماضي في بعض المناطق، منها الولايات المتحدة وكندا والصين واليابان وبعض دول أوروبا.

تغطي المنتجات محل البحث 62% – 80% من أهم الأصناف المشكلة لمؤشر أسعار المستهلك، منها الأطعمة والمشروبات والمنتجات الصحية والأدوات المنزلية والإلكترونيات، والمنتجات الشخصية مثل الشامبو.

بفحص متطلبات المتاجر من كثب، اتضح ظهور 3 مراحل لمشكلة المخزون:

  1.  أثر نفاد المخزون الهائل بشكليه المؤقت والدائم في معظم البلدان والقطاعات في بداية الجائحة. مثلًا، ارتفعت نسبة نفاد مخزون المنتجات في الولايات المتحدة من 19% قبل الجائحة إلى 35% في مايو 2020، وكانت السلع الشخصية والصحية في مقدمة المنتجات التي تعرضت لنفاد المخزون، وسرعان ما انتشر ليشمل المنتجات الأخرى.
  2.  أخذ نقص المنتجات أشكالًا عديدة بمرور الوقت، فبعد عام ونصف من الجائحة، انخفضت مستويات التضخم وعادت معظم المنتجات التي واجهت نفادًا مؤقتًا في المخزون إلى مستوياتها الطبيعية قبل الجائحة، ما أشار إلى عودة الحياة الطبيعية تدريجيًا، وفقًا للباحثين. في حين تطور نفاد المخزون المؤقت في بعض المناطق إلى نقص دائم، إذ توقف إنتاج نحو 20% من المنتجات بحلول أبريل 2020. لم ينخفض هذا الرقم منذ ذلك الحين إلا قليلًا.
  3. ما تزال بعض القطاعات تشهد نفاد المخزون. في حين يشمل نقص المنتجات قطاعات واسعة، مثل الأغذية والإلكترونيات، عاد الوضع إلى طبيعته في قطاعات أخرى، مثل المناديل الورقية التي مثّل نقصها أزمةً في بداية الجائحة، لكنها أصبحت مُتاحة الآن.

لماذا يؤدي نفاد السلع إلى ارتفاع الأسعار؟

يدل نقص البضائع على أن تجار التجزئة يتكبدون تكاليف عالية لإعادة ملء مخازنهم، ما يسبب ارتفاع التضخم. يرى الباحثون أن ارتفاع معدل نفاد المخزون من 10% إلى 20% في الولايات المتحدة يقابله زيادة بنسبة 0.1% في معدل التضخم شهريًا، وقد بلغت الأسعار أعلى مستوياتها في أبريل 2021.

تبدأ علامات ارتفاع معدل التضخم بالظهور بعد شهر تقريبًا من نفاد المخزون. عادةً ما يبلغ هذا الارتفاع ذروته بعد نحو سبعة أسابيع، مؤديًا إلى ارتفاع الأسعار مدة ثلاثة أشهر تقريبًا، قبل أن تأخذ بالانخفاض.

وصلت نسبة النفاد المستمر للمخزون في بعض القطاعات إلى 20% بحلول مايو 2021، وتحديدًا في الأغذية والإلكترونيات، ما أدى إلى ارتفاع أسعار سائر المنتجات، واستمرار التضخم مدةً أطول من المتوقع.

إن استمرار أي حدث سلبي مدةً طويلة، مثل جائحة كورونا، يؤدي إلى نفاد بعض المنتجات، وترتفع أسعار سائر المنتجات –وإن كانت متوفرة- نتيجةً لارتفاع تكاليف سلاسل التوريد، ما يؤدي إلى استمرار زيادة التضخم.

وجد الباحثون أن عودة معدلات التضخم إلى مستويات ما قبل الجائحة مرجحة في القطاعات المتعافية، في حين تعتمد عودة معدلات التضخم إلى وضعها الطبيعي في القطاعات التي تعاني نقصًا حادًا في مخزونها على مدى قدرتها على التعافي وسد النقص.

متى ستعود الأسعار إلى طبيعتها؟

يرى كافالو أن الجائحة أجبرت تجار التجزئة على التخلي عن بعض المنتجات، لكن في نهاية المطاف لا بد أن تعود معظم القطاعات إلى وضعها الطبيعي، ويضيف: «المشكلة الآن هي تزايد الطلب وقلة العرض. لذا، عندما يصل العرض إلى مرحلة الاستقرار وتعود الإمدادت إلى طبيعتها، سيكون من المنطقي أن نرى وفرة المنتجات وتنوعها من جديد، مثلما كان الحال قبل الجائحة».

في الوقت الحالي، هل ستواصل معدلات التضخم الارتفاع؟

ليس بالضرورة، وفقًا لكافالو، ونوّه بأن التعافي قد يستغرق بعض الوقت، وأضاف: «ستظل الأسعار على حالها عدة أشهر، حتى حال استقرار العرض وعودة الإمدادات، من المتوقع أن يستمر ارتفاع معدلات التضخم بعض الوقت أيضًا».

اقرأ أيضًا:

لماذا لا تنخفض الأسعار في فترة الركود؟

ما الفرق بين تثبيت الأسعار وتجميد الأسعار؟

ترجمة: ذو الفقار مقديد

تدقيق: نور عباس

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر