فصّلت دراسةٌ لقاحًا جديدًا ضد فيروس إبشتاين بار (EBV)، وهو أحد أكثر العوامل المعدية تأثيرًا في العالم وسببٌ للسرطان والتصلب المتعدد. نُشر البحث في مجلة Nature Communications.

فيروس صامت وناجح:

أظهرت جائحة فيروس كورونا كيف يمكن أن يغلق فيروس مُعدٍ المجتمع.

ستظل الخطوات التي اتخذَتها الحكومات للسيطرة على الفيروس موضع نقاش في مجال الصحة العامة لعقود قادمة، لكن في مارس/آذار 2020 كانت الحاجة ملحةً إلى فعل أي شيء من شأنه أن يوقف انتشار الفيروس الذي قد يصيب الجنس البشري بأكمله.

لكن قبل أن يحتل فيروس سارس-كوف-2 SARS-CoV-2 (فيروس الكورونا) عناوين الأخبار وقبل أن يعيد تشكيل مجتمعنا، كان فيروس آخر قد أثبت وجوده بمثابة المُعدي الرئيسي للجنس البشري وهو فيروس إبشتاين بار أو EBV.

يُعد فيروس إبشتاين بار أحد أفراد عائلة فيروسات الهربس، ويصيب أكثر من 95٪ من البشر لكن دون الذعر الذي سببه فيروس كورونا. ويعود أحد أسباب الاستجابة المطمئنة للانتشار الكبير لفيروس إبشتاين بار هو أن المرض الذي يسببه وهو داء كثرة الوحيدات العدوائية أو داء الوحيدات يتضاءل مقارنةً بتأثيرات كوفيد-19.

نظرًا إلى تأثير فيروس إبشتاين بار، يصاب معظم الأشخاص بالعدوى في مرحلة بداية البلوغ، وهي فئة عمرية تسبب فيها الأحادية نحو 1 من كل 10 التهابات في الحلق.

لا يختفي فيروس إبشتاين بار فور زوال الحمى وتورم الرقبة الناجمَين عن الإصابة بالأحادية، إذ إنه يعشش في مجموعة فرعية من الخلايا المناعية تُسمى الخلايا البائية ويبقى هناك مدى الحياة.

تُعد الخلايا البائية عنصرًا أساسيًا في جهاز المناعة لدى الإنسان، إذ تنسق استجابات الأجسام الأخرى المضادة للعدوى، وهذا يعني أننا لا نستطيع ببساطة استئصال هذه الخلايا المصابة، ويدخل الجسم بدلًا من ذلك في هدنة غير مستقرة، إذ تُنظم الخلايا المصابة بواسطة نوع آخر من الخلايا المناعية وهي الخلايا التائية التي تمنع انتشار العدوى.

لكن الفهم المتزايد لكيفية عمل فيروس إبشتاين بار يشير إلى أن تأثير ترك الفيروس يعيش في أجسامنا مدى الحياة قد يكون أكبر مما كنا ندرك.

وضح فيجايندرا داساري وراجيف خانا مؤلفا الورقة الجديدة وباحثان في مركز العلاج المناعي والبحوث الطبية التابع لمعهد بيرغوفر للأبحاث الطبية في بريسبان في أستراليا قائلين: «يرتبط EBV بالسرطانات اللمفاوية والظهارية المتعددة مثل سرطان الغدد الليمفاوية بيركيت (BL)، وسرطان الغدد الليمفاوية هودجكين (HL)، وسرطان الغدد الليمفاوية B- وT-، وسرطان الخلايا القاتلة الطبيعية، واضطراب تكاثر الغدد الليمفاوية بعد الزرع (PTLD)، وسرطان المعدة (GC)، وسرطان الغدد الليمفاوية، وسرطان البلعوم الأنفي (NPC). وتشير التقديرات في الواقع إلى أن إبشتاين بار مسؤول عن نحو 265,000 حالة جديدة من السرطان و164,000 حالة وفاة بسبب السرطان على مستوى العالم سنويًا».

أظهرت دراسة بحثية نُشرت العام الماضي أن عدوى إبشتاين بار متلازمة مع تطور مرض التصلب المتعدد (MS). لذلك، يمكن لقاح ضد إبشتاين بار أن يفتح المجال أمام إمكانية الحد من حدوث هذه الأمراض في الأجيال القادمة.

فيروس معقد، لقاح معقد:

أثبت اللقاح ضد فيروس إبشتاين بار أنه بعيد المنال للباحثين؛ فلم يصبح الفيروس قوي الفاعلية من فراغ. إنه عامل معقد يتغير خلال دورة حياته، ما يجعل من الصعب توجيه اللقاح نحو أي هدف فيروسي واحد.

يقول داساري وخانا: «إن اللقاح الفعال سيحتاج إلى تحفيز كل من الأجسام المضادة والاستجابات المناعية الخلوية ضد البروتينات الفيروسية المتعددة».

يدمج التطعيم الوحيد -وهو أحد الأساليب التي قد تخدم هذا الغرض- عادةً أجزاءً كاملةً من البروتين الفيروسي في بنية اللقاح، ما يساعد الجهاز المناعي على التعرف على الفيروس الحقيقي ثم تحييده في وقت لاحق.

لكن عند معالجة فيروس إبشتاين بار، فإن التطعيم الوحيدي ليس واعدًا؛ إذ إن الفيروس مسبب للسرطان لدرجة أن استخدامه في اللقاح قد يزيد من خطر الإصابة بالسرطان لدى الملقحين.

بدلًا من ذلك، صمم الفريق لقاحًا بنهج مبتكر يضاهي تعقيد الفيروس نفسه وبراعته. فبدلًا من تضمين بروتينات كاملة أو وحدات فرعية من البروتين في لقاحهم، بنى الفريق لقاحهم بالحواتم، وهي تسلسلات صغيرة من الأحماض الأمينية التي تنشط الاستجابة المناعية.

باستخدام هذا النهج المحكم، تمكن الفريق أيضًا من إضافة حلقات متعددة إلى «سلسلة» اللقاح التي تضم 20 حلقة من فيروس إبشتاين بار.

تستهدف كل حلقة أحد البروتينات التي يعبر عنها إبشتاين بار في مراحل مختلفة من دورة حياته. ويأمل داساري وخانا أنه عندما يتعرض الجهاز المناعي البشري للقاح، فإنه سيولد خلايا يمكنها الاستجابة لفيروس إبشتاين بار في مرحلتَيه الحادة والكامنة.

صمم فريق داساري وخانا أيضًا مادة مساعدة جديدة، وهي مكون لقاح يعزز قوته وقدرته على الاستهداف. ويقولون إن هذا العامل المساعد يسمح بنقل مستضدات اللقاح مباشرة إلى العقد الليمفاوية التي تُعد المواقع الرئيسية لتحفيز الاستجابات المناعية الخلطية والخلوية.

الفئران المعدلة وراثيًا:

أُثبتت قوة اللقاح الجديد ودقته في سلسلة من التجارب على الفئران المعدلة وراثيًا التي تتميز بنظام مناعي يشبه نظام الإنسان.

أنتجت الفئران الملقحة استجابةً مناعيةً قوية ضد فيروس إبشتاين بار استمرت أكثر من سبعة أشهر، وهي فترة زمنية مهمة في عمر الفأر الذي يبلغ عامين تقريبًا.

يزيد فيروس إبشتاين بار من خطر الإصابة بسرطان الخلايا المناعية الذي يُسمى سرطان الغدد الليمفاوية للخلايا البائية. إذ إن الفئران غير المحصنة التي حُقنت بالخلايا البائية السرطانية تطورت لديها الأورام بسرعة، في حين حُيِّد انتشار السرطان إلى حد كبير في الفئران المحصنة.

ما زالت أبحاث داساري وخانا في مرحلة مبكرة، وسيتعين على العمل المستقبلي تقييم مدى قدرة اللقاح على تعزيز جهاز المناعة عند الإنسان وليس الفئران.

لكن كما يقول مؤلفو الدراسة، لا ينبغي تجاهل العبء الكبير والصامت لعدوى إبشتاين بار بعد الآن.

رغم أن اللقاح قد صُمم لعلاج الأجيال القادمة التي لم تُصب بعد بفيروس إبشتاين بار، فإن الفريق يخطط لمعرفة هل من الممكن أن يكون للقاح استخدامات في الوقت الحالي أم لا؟ ويضيف الفريق: «سيكون من المثير للاهتمام معرفة هل يساعد هذا اللقاح أيضًا على حماية المصابين بفيروس إبشتاين بار من الإصابة بالأمراض المرتبطة بالفيروس مثل مرض التصلب العصبي المتعدد أم لا؟».

اقرأ أيضًا:

اللقاحات المعتمدة على الفيروس الغدي

التصلب اللويحي: ما هو، ما أعراضه وأسبابه وما مدى خطورته

ترجمة: ميس مرقبي

تدقيق: جعفر الجزيري

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر