يشكل علم الأورام مجالًا غير مفهوم بالكامل حتى الآن، إذ تتوالى الدراسات التي تكشف مجالات أوسع، وربما أملًا جديدًا بإيجاد علاج أفضل، وقد كشفت دراسة حديثة عن احتمال استيقاظ خلايا سرطانية خاملة وانتشارها من جديد بعد سنوات من الهجوع، ما شكل لغزًا يحاول الباحثون فهمه.

كشفت هذه الدراسة التي أُجريَت على فئران وأنسجة بشرية، عن إحاطة كميات كبيرة من نوع خاص من الكولاجين هذه الخلايا السرطانية الخاملة، مقارنةً بالخلايا السرطانية النشطة. يُعد الكولاجين بروتينًا رئيسيًا في النسيج الضام. اختُبر ذلك عند مجموعة من البشر المصابين بسرطان الرأس والعنق، إذ وجدوا أن المصابين الذين انتشرت أورامهم إلى العقد اللمفية كانت كتلة ورمهم الابتدائية محاطةً بكمية أقل من الكولاجين، تحديدًا النمط 3، مقارنةً بأقرانهم الذين لم تنتشر أورامهم إلى العقد اللمفية، ما يقترح ارتباط الكميات الأقل من الكولاجين النمط 3 مع انتشار أسهل للسرطان إلى مناطق أخرى من الجسم.

في تجاربهم على الفئران، وجد الباحثون أن كمية الكولاجين 3 المحيطة بالخلايا السرطانية الخاملة تتناقص بمرور الوقت، ما يؤدي إلى إعادة تفعيل هذه الخلايا، إذ تتغير بنية الكولاجين في أثناء هذه العملية فيصبح مستقيم الشكل بدلًا من أن يكون مجعدًا. كشف الباحثون عن آلية نقل الإشارة، إذ يستطيع الكولاجين المحيط بالخلايا السرطانية التأثير في بعض التفاعلات الكيميائية لإبقاء هذه الخلايا السرطانية خاملة، وعلى هذا فإن تعطيل هذه الآلية يسبب إعادة تفعيل السرطان.

يأمل خوسيه خافيير برافو كورديرو، كبير باحثي الدراسة، مختص أمراض الدم والأورام في معهد تيش للسرطان في مستشفى ماونت سيناي، أن تمكننا ملاحظة هذه التغيرات على مستوى الكولاجين 3 المحيط بالخلايا السرطانية الخاملة من تحديد قابلية هذا الورم للانتشار في محيطه، أو تشكيل نقائل لغزو أعضاء أخرى من الجسم.

وجد الباحثون بعد وضع سقالة بيولوجية مصنوعة من الكولاجين نمط 3 مكان ورم مستأصل سابقًا عند الفئران، أن ذلك أدى إلى منع النقائل الورمية من النمو، ما يشكل أملًا كبيرًا إذا ما نجح الأمر عند البشر، إذ يوفر ذلك علاجًا مستقبليًا واعدًا.

استخدم الباحثون نماذج فئران مصابة بسرطان الرأس والعنق وسرطان الثدي، لدراسة الخلايا السرطانية الخاملة والنشطة. شكلت الخلايا السرطانية النشطة أورامًا وبدأت بالانتشار، في حين شكلت الخلايا السرطانية الخاملة كتلًا صغيرةً معزولةً في مناطق محددة دون أي نمو أو انتشار. استخدم الباحثون أدوات مختلفة، مثل نوع خاص من المجاهر، لمراقبة هذه الخلايا السرطانية داخل الفئران الحية في الزمن الفعلي. وصف كورديرو هذه الطريقة بأنها مشابهة لكاميرا المراقبة في المتاجر، إذ لا توفر الصور الثابتة دليلًا كافيًا للقبض على اللص، في حين يضمن تسجيل الفيديو ذلك بالتأكيد.

صرح برافو: «هذا ما نحاول فعله مع الخلايا السرطانية، نريد مراقبتها وتصويرها في الوقت الفعلي، لفهم آلية عملها، وقد لاحظنا اختلافًا في الكولاجين بين الأورام المختلفة. تميل الأورام التي تشكل القليل من الكولاجين بمرور الوقت لنشر خلايا قد تكون أكثر فعالية في عودة النمو وتشكيل النقائل، مقارنةً بالأورام التي تشكل كميات أكبر من الكولاجين».

أضاف العلماء النمط 3 من الكولاجين إلى الفئران بطرق عدة، لاختبار فعاليته في الوقاية من تشكل النقائل والحد من نمو الورم، إذ حقنوا بعض الفئران بخلايا سرطانية وكولاجين نمط 3 في الوقت ذاته، وأظهرت نتائج ذلك نموًا أبطأ مقارنةً بالفئران التي حُقنَت بالخلايا السرطانية فقط. في تجربة أخرى، وضع الباحثون سقالةً مصممة بيولوجيًا مليئةً بالنمط 3 من الكولاجين مكان وجود ورم استأصلوه سابقًا، نتيجةً لذلك، استعادت الخلايا السرطانية الخاملة نشاطها عند 20% فقط من فئران التجربة مقارنةً بـ 80% في عينة المقارنة.

أوضح كورديرو: «يعني ذلك الوقاية من حدوث نكس في هذه الأورام، بإجبار الخلايا السرطانية النشطة على دخول حالة من الخمول، سيشكل نجاح هذه التجربة عند البشر ثورةً علاجيةً للأورام».

نعم يوجد أمل، لكن مع ذلك لا يوجد أي ضمان لنجاح هذه التجربة على البشر، أو أن الكولاجين نمط 3 سيتفاعل بالطريقة ذاتها مع الأورام أو مع الأنماط المختلفة من الخلايا السرطانية الخاملة.

أوضح البروفيسور لويس تشودوش، رئيس قسم بيولوجيا الأورام في كلية بيرلمان للطب، غير المشارك في الدراسة: «غالبًا، نتيجةً للاختلاف الشديد في الأورام بين مريض وآخر، فإن آلية خمول الأورام ستختلف أيضًا». يعني ذلك أن الخلايا السرطانية تملك آليات عدة للخمول، وأن الخمول نتيجة الإحاطة بالكولاجين هي فقط إحدى هذه الآليات. أوضح تشودوش أن تعدد طرق جمع المعلومات وتعدد مصادرها بين أنسجة البشر والفئران يشكل نقطة قوة لهذه الدراسة، لكن ما تزال معرفة أي هذه الاكتشافات فعالة عند البشر وقابلة للتطبيق سريريًا تمثل تحديًا حقيقيًا.

ستشكل الدراسات القادمة عونًا كبيرًا في الإجابة على هذه الأسئلة وعن أسئلة أخرى، مثل المدة التي قد تبقى بها الخلايا السرطانية خاملةً بعد علاجها بالكولاجين. هذه الدراسة، إضافةً إلى دراسات مستقبلية، تقربنا من إحدى أكثر سمات الأورام غموضًا. فهو مجال جديد لم يسبق لنا اكتشافه، ويشكل أهمية خاصةً لمرضى السرطان.

اقرأ أيضًا:

مقاربة حصان طروادة في القضاء على الخلايا السرطانية من دون اللجوء إلى الدواء

علاج تجريبي يدمر الخلايا السرطانية من دون أدوية

ترجمة: محمد أديب قناديل

تدقيق: هاجر التُّهامي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر