نحن على مقربة من اختبار إحدى نظريات ستيفن هوكينغ المثيرة للجدل.

اقترح ستيفن هوكينغ عام 1970 أن المادة المظلمة، وهي مادة غير مرئية تمثل معظم المادة في الكون، ربما تكونت من ثقوب سوداء تشكلت في اللحظات الأولى للانفجار العظيم.

حديثًا، طور ثلاثة من علماء الفلك نظرية قد تفسر ليس فقط وجود المادة المظلمة، بل ظهور أكبر الثقوب السوداء في الكون أيضًا.

قال بريامفادا ناتاراجان عالم الفيزياء الفلكية في جامعة ييل، المشارك في الدراسة: «المثير في هذه الفكرة هو كيفية حل مسألتين بالغتي الصعوبة: فهم طبيعة المادة المظلمة، وفهم تشكل الثقوب السوداء وتطورها».

قد تزودنا العديد من الأجهزة الحديثة، ومنها مرصد جيمس ويب الفضائي الذي أُطلق حديثًا، بالبيانات اللازمة لتقييم فرضية هوكينغ.

تشكل المادة المظلمة أكثر من 80% من المادة في الكون، لكنها لا تتفاعل مباشرةً مع الضوء، وهي مادة هائلة تؤثر في الجاذبية داخل المجرات.

إنها فكرة مثيرة، أن تكون الثقوب السوداء مرتبطة بالمادة المظلمة، وهي ثقوب مظلمة كما نعلم، لذا فإن ازدحام المجرة بالثقوب السوداء قد يفسر نظريًا الملاحظات المتعلقة بالمادة المظلمة.

تتشكل الثقوب السوداء من موت النجوم الضخمة، إذ تنهار تحت تأثير جاذبيتها، لذلك يتطلب تكوّن الثقوب السوداء العديد من النجوم، أي أنها تتطلب الكثير من المادة العادية.

يعرف العلماء كمية المادة العادية في الكون من حسابات الكون المبكر، إذ تكون الهيدروجين والهيليوم في البداية. ببساطة لا يوجد ما يكفي من المادة العادية لتفسير الملاحظات المتعلقة بالمادة المظلمة.

اقترح هوكينغ عام 1971 أن الثقوب السوداء تشكلت في بيئة فوضوية فور حدوث الانفجار العظيم. في ظروف كهذه، قد تبلغ تجمعات المادة الكثافات اللازمة لتكوّن الثقوب السوداء، التي ملأت الكون قبل تشكل النجوم الأولى.

اقترح هوكينغ أن هذه الثقوب السوداء «البدائية» قد تكون مسؤولة عن تكوّن المادة المظلمة. أثارت الفكرة اهتمام معظم علماء الفيزياء الفلكية، الذين انصب تركيزهم على إيجاد جسيمات دون ذرية جديدة تفسر وجود المادة المظلمة.

العقبة التي تواجه هذا التصور، أن تشكُّل الثقوب السوداء في بدايات الكون لا بد أن يؤثر في صورة الإشعاع المتبقي من الكون المبكر، المعروف بإشعاع الخلفية الكونية الميكروية، ما يعني أن النظرية صحيحة فقط إذا كان عدد الثقوب السوداء البدائية -وحجمها- محدودًا إلى حد ما، وإلا فإنها تتعارض مع قياسات إشعاع الخلفية الكونية الميكروية.

طُرِحت الفكرة مجددًا عام 2015 عندما وجد مرصد الأمواج الثقالية «ليغو» أول زوجين من الثقوب السوداء المتصادمة، كان الثقبان أكبر من المتوقع، ومن التفسيرات المحتملة لكتلتهما الكبيرة أنهما تشكلا في الكون المبكر، وليس من النجوم المنهارة.

تعمق الباحثون في نظرية الثقوب السوداء البدائية، لاستكشاف كيفية تفسير المادة المظلمة، وربما حل التحديات الكونية الأخرى.

لاجتياز اختبارات الرصد الحالية، يجب أن تكون كتل الثقوب السوداء البدائية ضمن نطاق معين. افترض الباحثون أن هذه الكتلة نحو 1.4 ضعف كتلة الشمس، ثم أنشؤوا نموذجًا للكون يستبدل كل المادة المظلمة بهذه الثقوب السوداء منخفضة الكتلة -نسبيًا- وبحثوا عن أدلة رصدية تثبت صحة النموذج أو تستبعده.

وجد الفريق أن الثقوب السوداء البدائية ربما كان لها دور رئيسي في الكون، بتكوين النجوم الأولى والمجرات الأولى والثقوب السوداء فائقة الكتلة. إذ ظهرت هذه الأجرام بسرعة كبيرة في التاريخ الكوني، أكثر مما يمكن تفسيره بعمليات التشكل والنمو الملحوظة في الكون الحالي.

قال ناتاراجان: «ربما كانت الثقوب السوداء البدائية موجودة، وربما تشكل منها جميع الثقوب السوداء فائقة الكتلة، متضمنةً الثقب في مركز درب التبانة».

تبين الدراسة إمكانية تفسير وجود المادة المظلمة، والثقوب السوداء فائقة الكتلة، دون الحاجة إلى فيزياء جديدة، أو اكتشاف جسيمات جديدة.

حتى الآن، هذه الفكرة مجرد نموذج، لكنها فكرة يمكن اختبارها في وقت قريب نسبيًا. صُمِمَ مرصد جيمس ويب الفضائي الذي أُطلق في ديسمبر الماضي خصوصًا للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بأصول النجوم والمجرات. أيضًا فإن الجيل القادم من أجهزة الكشف عن الموجات الجاذبية، خاصةً هوائي مقياس التداخل الليزري الفضائي «ليزا»، مجهز لاكتشاف المزيد عن الثقوب السوداء، متضمنةً الثقوب السوداء البدائية، حال وجودها.

من المتوقع أن يعطي المرصدان معلومات كافية لمعرفة نشأة النجوم الأولى، وربما أصل المادة المظلمة.

اقرأ أيضًا:

الثقوب السوداء لا تصدر نيوترينوات عند التهامها النجوم

قد تزداد الثقوب السوداء حجمًا مع توسع الكون

ترجمة: عمرو أحمد حمدان

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر