لا يزال السبب في أن تمارين الركض تساعد في تحسين الذاكرة موضوعًا خصبًا للأبحاث والتحقيقات.‏ فقد أظهرت الأبحاث أن اثنين من البروتينات لها علاقة بتحفيزِ‏ نموِ ‏خلايا عصبية في الدماغ، من خلال ممارسة التمارين الرياضية. ‏إلا أن ‏دراسة جديدة في عمليات الأيض الخَلوية ‏التي أجريت في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران قامت بتقديم مرشح جديد، وهو البروتين كاتيبسين ب (Cathepsin B)، ‏والذي يمكن وبشكلٍ ‏مباشر تتبع حركته من العضلات إلى الدماغ لدى الفئران. ‏بالإضافة إلى ذلك، فقد لوحظ ارتفاع نسبة هذا البروتين في دم كلٍ من الفئران، والقرود، والبشر ‏بعد ممارسة تمارين الركض.
‏ذكرت الباحثة هينريت فان براغ ((Henriette Van Praag ‏عالمة الأعصاب في المعهد الأمريكي الوطني للشيخوخة: «أردنا البحث في مناطق جديدة بدلًا ‏من التركيز على عواملَ معروفةٍ مسبقًا. ‏فقد قمنا برصد جميع البروتينات التي تقوم الألياف العضلية بإفرازها ونقلها إلى الدماغ.‏ حيث كان البروتين كاتيبسين ب هو المرشح الأكثر إثارة للاهتمام».

‏بالفعل، فقد ظهرت خلال التجارب ثلاثة دلائل أفشت للباحثين بأهمية هذا البروتين الذي لم تتم دراسته ‏بالشكل الكافي. ‏فبعد تعريض الخلايا العضلية في طبق مخبري إلى مركبات تحاكي تلك التي تنتج عند ممارسة الرياضة؛ لاحظت المحررة الأولى للدراسة هيو يول مون (Hyo Youl Moon) ارتفاع معدل جزيئات بروتين كاتيبسين ب بشكل ملحوظ في السائل المخبري. ‏نتائج مشابهة تمت ملاحظتها في الدماء والخلايا العضلية للفئران التي مارست ‏الرياضة يوميًا ولعدة أسابيع فوق العجلة الدوارة، ‏حيث توافر البروتين بكميات كبيرة في أجسامها. بالإضافة لذلك، عندما تم تعريض خلايا دماغية للكاتيبسين ب، ‏قام البروتين بتحفيز هذه الخلايا لإنتاج مركبات مرتبطة بتكوين خلايا عصبية جديدة.
قامت الباحثة فان براغ وزملائها بعد ذلك بمقارنة ‏مستوى قوة الذاكرة لأداء الفئران الطبيعية ولدى تلك التي تفتقر إلى القدرة على إنتاج البروتين كاتيبسين ب، ‏عند ممارسة هذه الفئران للرياضة أو عدم ممارستها. ‏على مدى أسبوع كامل تم تعريض الفئران من كلتا المجموعتين لاختبار سباحة يومي في متاهة موريس المائية. ‏حيث يتم وضع فأر التجربة في مسبح مائي صغير وعليه أن يتعلم طريق السباحة ‏للوصول الى المنصة الموجودة مباشرةً تحت سطح الماء.‏ بعد قيام فئران المجموعتين بهذه المهمة لبضعة أيام، ‏تعلمت الفئران كيفية الوصول الى المنصة. بالرغم من ذلك، عندما تم تعريض جميع الفئران لتمرين ‏الركض قبل تمرين السباحة اليومي في المتاهة تبين أن الفئران الطبيعية التي ‏لديها القدرة على إنتاج البروتين قامت بتذكر موقع المنصة بشكل أسرع وأفضل من مثيلاتها غير القادرة ‏على إنتاج هذا البروتين.
«لم يثبت أحد من قبل أهمية كاتيبسين ب في تحسين قدرات التعلم المكاني»، هذا ما ‏قالته الباحثة فان براغ و‏التي قامت بالتعاون ‏في الدراسة مع ايمراه دازل (Emrah Duzel) ‏و زملائهما في جامعة جامعة أوتو فون-غريكي في ماكديبورغ ‏والمركز الألماني للأمراض العصبية (DZNE). وأضافت الباحثة: «‏لدينا أيضا نتائج متقاربة من الدراسة تثبت أن ممارسة الرياضة لثلاثةِ أنواعٍ هي: الفئران، وقردة الربص الهندية، والبشر ‏تقوم برفع مستوى كاتيبسين ب في الدم لديهم. بالإضافة لذلك، فالأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام لأربعة أشهر متتالية، لديهم قدرة أفضل في مهمات تذكر معقدة مثل رسم صورة من الذاكرة، وهذا مرتبط بارتفاع مستويات البروتين في أجسامهم».

إلا أن هذه الأهمية غير المدركة من قبل للكاتيبسين ب قد تكون مثيرة للجدل. فبحسب دراسات سابقة، ظهر أن ‏هذا البروتين يتم إفرازه من الأورام، ‏ويتسبب في موت الخلايا وتكوين ترسبات أميلودية ‏في الدماغ. وعلى عكس ذلك، فقد وجدت دراسات أخرى أن هذا البروتين يساهم في حماية ‏الخلايا العصبية، ويمكنه القضاء على الترسبات الأميلودية.
التفسير الذي قدمته فان براغ لهذه النتائج المتباينة هو أن ‏مستويات مختلفة من الكاتيبسين ب المتواجد ضمن خصائص فيزيائية مختلفة ‏قد تؤدي لظهور تأثيرات مختلفة.
في الوقت الحالي، لا يزال العلماء يحاولون تعميق فهمهم للكيفية التي يعبر فيها البروتين ‏الحاجز ما بين الدم والدماغ، وكيف يقوم بتحفيز الإشارات، والنمو، والتواصل بين الخلايا العصبية. ‏كما أن هناك المزيد من التساؤلات حول ما إذا كان للبروتين تأثيرات مختلفة في أنواع مختلفة من الكائنات، وهل هناك علاقة بين معدل إنتاج البروتين والمراحل العمرية المختلفة.
تقول فان براغ: «‏بشكل عام، الرسالة هي أن أسلوب حياة صحي ‏مستمر سوف يؤتي ثماره في النهاية. ‏غالبًا ما يتم سؤالنا حول المدة اللازمة لممارسة التمارين وعدد الساعات الصحيحة، تدعم الدراسات أن كل تحسن جوهري في الصحة يظهر دومًا مع ممارسة الرياضةِ بشكل منتظم ومستمر ولفترةٍ طويلةٍ».

إعداد: بتول النويران
تدقيق: دانه أبو فرحة
المصدر