وفقًا لدراسة جديدة من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس، وُجد أن الأشخاص الذين أصيبوا بكوفيد-19 قد يستمر لديهم الألم والمعاناة مدة عامين بعد الإصابة، ويكونوا معرضين لخطر متزايد للإصابة بمرض السكري وأمراض الرئة والتعب وجلطات الدم والاضطرابات التي تؤثر في الجهاز الهضمي والعضلات الهيكلية.

في الربيع، أعلنت حكومة الولايات المتحدة ومنظمة الصحة العالمية انتهاء حالة الطوارئ الصحية العالمية الناجمة عن كوفيد-19. لكن بالنسبة إلى ملايين الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس سارس كوف2، فقد استمرت المعاناة الناجمة عن الوباء، وما زالوا يعانون اضطرابًا مستمرًا في الحياة اليومية بوصفها حالة منهكة تُعرف باسم «كوفيد الطويل».

أظهرت دراسة جديدة من كلية الطب بجامعة واشنطن سانت لويس أنه حتى بعد مرور عامين من الإصابة بالفيروس، قد تستمر مضاعفات كوفيد-19. وجد الباحثون أن الأشخاص الذين أصيبوا بكوفيد، ويشمل ذلك من أُدخلوا إلى المستشفى في أثناء ثلاثين يومًا الأولى بعد الإصابة ومن لم يدخلوا، ظلوا مدةً تصل إلى عامين بعد الإصابة، في خطر مرتفع للإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة المرتبطة بكوفيد، متضمنةً مرض السكري، ومشكلات الرئة والتعب والجلطات الدموية، والاضطرابات التي تؤثر في الجهازين الهضمي والعضلي.

قال المؤلف الرئيس زياد العلي، الحاصل على الدكتوراه في الطب: «بالنسبة إلى عدد كبير جدًا من الناس، فإن الخطر المستمر والدائم لفيروس كورونا طويل الأمد وآثاره الضارة طويلة الأمد على الصحة، هي تذكيرات واقعية بأن الوباء لم ينتهِ بعد».

مع ذلك، لاحظ الباحثون أنه في أثناء فترة الدراسة التي استمرت عامين، انخفضت بعض المخاطر الصحية المرتبطة بكوفيد-19 بين الأشخاص خارج المستشفى وأصبحت ضئيلة. وتشمل هذه المخاطر الوفاة وصعوبة الاستشفاء والاضطرابات المرتبطة بالدماغ والقلب والكلى والصحة العقلية. مثلًا، انخفضت مخاطر الوفاة بعد مرور 6 أشهر، وانخفضت مخاطر الاستشفاء بعد مرور 19 شهرًا.

لكنّ من دخلوا المستشفى في غضون 30 يومًا من الإصابة بالفيروس كانوا أسوأ حالًا. وبعد مرور عامين من الإصابة، ظل خطر الوفاة والعلاج في المستشفى مرتفعًا، وظل خطر تعرضهم لظروف صحية ضارة كبيرًا في جميع أجهزة الجسم.

قال زياد العلي، الذي يعالج المرضى ضمن نظام الرعاية الصحية في فيرجينيا سانت لويس: «توضح النتائج العبء الكبير الذي حدث بسبب الخسارة الصحية جرّاء فيروس كورونا، وتؤكد الحاجة المستمرة إلى رعاية من يواجهون المرض. يبدو أن آثار فيروس كورونا طويلة الأمد بالنسبة إلى الكثيرين لن تؤثر فقط في هؤلاء المرضى ونوعية حياتهم، لكن قد تساهم في انخفاض متوسط العمر المتوقع، وقد تؤثر أيضًا في المشاركة في العمل والإنتاجية الاقتصادية والرفاهية المجتمعية».

أوضحت الأبحاث السابقة بالتفصيل كيفية مهاجمة فيروس كوفيد-19 كل أعضاء الجسم تقريبًا، ما يساهم في الإصابة بالأمراض والحالات التي تؤثر في الرئتين والقلب والدماغ والدم والجهاز العضلي الهيكلي والجهاز الهضمي. تركز الدراسة الجديدة على خطر الوفاة والاستشفاء، و80 حالة صحية ضارة مختلفة محتملة لدى الأشخاص المصابين بكوفيد-19 في العامين التاليين للعدوى.

قال زياد العلي: «معظم ما نعرفه عن فيروس كورونا المزمن يقتصر على الأبحاث التي تحلل بيانات المرضى بعد ستة أشهر إلى عام من الإصابة الأولية. إن النظر إلى ما بعد السنة الأولى بعد الإصابة وفهم المسارات الصحية طويلة المدى للأشخاص الذين أصيبوا بكوفيد-19 أمر مهم للغاية وقد يساعد على توجيه استراتيجيات الرعاية لهؤلاء».

حلل الباحثون نحو 6 ملايين سجل طبي في قاعدة بيانات وزارة شؤون المحاربين القدامى، وهي أكبر نظام متكامل للرعاية الصحية في البلاد. يُصنف المرضى فيه حسب العمر والجنس.

أنشأ الباحثون مجموعة بيانات خاضعة للرقابة تضم أكثر من 5.9 مليون شخص لم تكن نتيجة اختبارهم إيجابية لعدوى كوفيد-19 في الفترة من 1 مارس 2020 حتى 31 ديسمبر 2020. وباستخدام الإطار الزمني ذاته، جمع الباحثون أيضًا مجموعة من 138 ألف شخصًا ثبتت إصابتهم بكوفيد-19، من بين المجموعة السابقة، كان 118 ألف يمثلون المرضى غير المقيمين في المستشفى، وبلغ عدد المجموعة التي أُدخلت إلى المستشفى نحو 20 ألفًا.

استُخدمت النمذجة الإحصائية لفحص المخاطر الصحية المرتبطة بالفيروس بعد عامين من الإصابة. في هذا الإطار الزمني، جُمعت البيانات ممن لديهم كوفيد-19 ومن المجموعة الشاهدة غير المصابة، في خمس فترات مختلفة لتحديد ما إذا كانت المخاطر المرتبطة بـ 80 حالة طويلة مرتبطة بكوفيد قد بدأت بالانخفاض مقارنةً بالمجموعة الشاهدة غير المصابة.

مقارنةً بالمجموعة الشاهدة، تضاءلت مخاطر الوفاة والاستشفاء بعد الإصابة بين من كانوا مصابين لكن لم يدخلوا المستشفى، وأصبحت متساوية مع المجموعة الشاهدة غير المصابة بعد 6 و19 شهرًا على التوالي. على مدار عامين، انخفضت المخاطر وأصبحت ضئيلة بالنسبة إلى 55 (69%) من أصل 80 حالة مرتبطة بكوفيد-19 درسها الباحثون.

أما في حالة من أُدخلوا إلى المستشفى بسبب كوفيد-19، فقد ظل خطر الوفاة والاستشفاء مرتفعًا بعد عامين من الإصابة، كما هو الحال مع 52 (65%) من 80 حالة مرتبطة بكوفيد-19. قال زياد العلي: «هذا يشير إلى طريق صعب وطويل للتعافي لمن كان مرضهم شديدًا كفاية ليتطلب دخول المستشفى في أثناء إصابتهم بالفيروس».

إضافةً إلى ذلك، قارن الباحثون عدد سنوات الحياة الصحية المفقودة بسبب كوفيد-19. ووجدوا أنه لدى من لم يدخلوا المستشفى، بعد عامين من الإصابة بكوفيد-19، قد فُقدت 80 سنة من الحياة الصحية لدى 1000 شخص. نحو 25% من هذه الخسارة حدثت في السنة الثانية.

قال زياد العلي: «إن نسبة 25% تمثل نسبة كبيرة من العبء الباهظ للإعاقة والمرض، ما يوضح الرحلة الطويلة والشاقة للتعامل مع العواقب الصحية طويلة الأمد للفيروس. ما زال كوفيد-19 يولد مخاطر إضافية كبيرة لفقدان الصحة حتى في السنة الثانية بعد الإصابة».

وجد الباحثون أن عدد حالات الوفاة المرتبطة بكوفيد-19 كان أعلى بكثير من الأمراض الرئيسية الأخرى في الولايات المتحدة. مثلًا، أودى السرطان وأمراض القلب، على التوالي، بخسارة 50 و52 سنة من الحياة الصحية لكل 1000 شخص، مقارنة بـ 80 سنة في حالة كوفيد-19.

قال العلي: «من الممكن أن يزداد عبء الإعاقة والمرض بسبب آثار فيروس كورونا الطويل. تظهر هذه الأرقام في عامين عبئًا كبيرًا بصورة مذهلة. وأكثر من ذلك، على عكس السرطان وأمراض القلب، لا يوجد علاج حتى الآن لمرض كوفيد طويل الأمد».

قال العلي إن الخطوات اللازمة لتقليل خطر الإصابة بكوفيد طويل الأمد يجب أن تكون محور التركيز الرئيسي لسياسة الصحة العامة، وأضاف: «إن الحد من خطر انتقال العدوى باستخدام اللقاحات المحدثة قد يكون استراتيجية حاسمة لتقليل خطر حدوث مشكلات صحية طويلة المدى. نحن بحاجة أيضًا إلى نهج عاجل ومنسق، يتناسب مع حجم وخطورة أثر فيروس كورونا طويل الأمد للعثور على علاجات في أسرع وقت».

اقرأ أيضًا:

هل يمكن أن يوفر لقاح روتجرز حمايةً من كوفيد-19 مدى الحياة؟

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: باسل حميدي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر