اكتُشف كوكب جديد يعادل الأرض حجمًا، مكون من الحديد الصلب، يدور حول نجم قريب.

إن محاولة فهم الطبيعة دون فهمنا لتنوعها هو أمر صعب بالنسبة إلينا، وهذا أمر واضح في علوم الكواكب الخارجية، وفي النظريات والأبحاث الجارية المتعلقة بتشكلها.

تشكل الظواهر الطبيعية المتطرفة الغريبة قيودًا على نماذجنا العلمية، وحافزًا للعلماء للبحث والتنقيب بعمق أكثر.

يُعد (جليز367ب) بالتأكيد جسمًا غريب الأطوار في الدليل البحثي الخاص بالكواكب الخارجية، الذي يضم ما يزيد على 5000 كوكب، لذلك فإن (جليز367ب) ليس متفردًا بهذه الصفات، إلا أنه يُعد من ناحية أخرى عالي الكثافة جدًا، إذ تعادل كثافته ضعفي كثافة كوكبنا تقريبًا.

على هذا، سيكون تكونه من الحديد الخالص محتملًا.

اكتشف العلماء الفلكيون كوكب تاهاي في بيانات (تيس) عام 2021، وهو مسح الكواكب العابرة للشمس، لكن الأبحاث الحديثة الواردة في المجلة الفلكية للرسائل الفيزيائية، توضح التطور في عملية القياس لكتلة هذا الكوكب الغريب وقطره، إذ توصلت تلك الأبحاث أيضًا إلى اكتشاف وجود شقيقين لهذا الكوكب.

عنوان البحث هو: مجموعة الكواكب ذات الكثافة العالية جدًا مع فترة دورانية مدارية قصيرة الأمد حول الكوكب غير الأرضي (جليز367ب)، اكتشاف كوكبين جديدين منخفضي الكتلة خلال مدة زمنية تبلغ من 11.5 إلى 34 يوم.

سُجل البحث من قبل الباحثة الرئيسية إليزا غوفو، وهي طالبة دكتوراه في جامعة تورينو.

اكتشف (تيس) كوكب (جليز367ب)، عام 2021، إذ رصد إشارة عبور ضعيفة جدًا من نجم القزم الأحمر جليز 367

يشير ذلك إلى حدود قدرة تيس الرصدية، لذلك تحقق العلماء من حجمه الصغير، إذ يعادل حجم الأرض تقريبًا.

عام 2021، استخدم الباحثون جهاز البحث الطيفي الكوكبي الدقيق عالي السرعة الشعاعية (هاربس) في المرصد الجنوبي الأوروبي، بهدف تحديد كتلة وكثافة (جليز367ب)، إذ وجدوا في أبحاثهم أن قطر ذلك الكوكب يبلغ 72% من قطر الأرض، وتبلغ كتلته نحو 55% من كتلة الأرض، ما يعني أنه من المحتمل أن يكون كوكبًا حديديًا، تحديدًا جزء من نواة متبقية لكوكب غازي آخر، كان كبيرًا في وقت سابق.

استخدم الباحثون في دراستهم الجديدة مطياف هاربس للكشف عن أبعاد ذلك الكوكب الصغير، واستندوا إلى 371 ملاحظة من هاربس لتحديد صفات الكوكب.
أظهرت هذه الدراسة الحديثة أن الكوكب أكثف مما توصلت إليه آخر دراسة عام 2021، فبدلًا من 55% من كتلة الأرض، وجد العلماء في بحثهم الجديد أنه يعادل 63% من كتلة الأرض، وأن قطرة يعادل 70% من قطر الأرض.

تعادل كثافة الكوكب الجديد (جليز367ب) ضعف كثافة كوكبنا.

كيف اكتسب الكوكب شكله الحالي؟ من غير المألوف أن يوجد هذا الشكل في الطبيعة، من المحتمل أنه نواة لكوكب آخر جُرد من غلافه الصخري.

قال المؤلف الرئيس جوفو: «تمكن مقارنة (جليز367ب) بكوكب يماثل أرضنا لكنه فقد قشرته الصخرية».

«قد يكون لهذا تأثير كبير في تشكل الكوكب الذي نفترض أنه قد تكون بالطريقة ذاتها التي تشكلت بها أرضنا، إذ يحمل نواة كثيفة مصنوعة من الحديد الخالص، وتغطيه قشرة غنية بالسيليكات».

يبدو أن شيئًا استثنائيًا قد حدث للكوكب الصغير وأفقده بعض كتلته، إذ وضح غوفو أن الكوكب الصغير تعرض لحدث غير عادي أفقده قشرته الصخرية، مخلفًا النواة الكثيفة عاريةً، وربما أدت التصادمات المحتملة بينه وبين الكواكب الأخرى في بداية حياته إلى إزالة طبقته الخارجية.

هناك احتمال آخر وفقًا لغوفو ومفاده أن الكوكب سريع الدوران حول نجمه قد تكون في منطقة غنية بالحديد بطريقة غير عادية، في منطقة قرص المذنبات، إلا أن هذا يبدو غير مرجح.

ظهر الاحتمال الثالث والأخير لأول مرة، عندما اكتشف العلماء الفلكيون كوكب (جليز367ب) عام 2021، إذ إنه على الأرجح قد يكون بقايا لعملاق غازي كبير مثل نيبتون.

إن كانت هذه النظرية صحيحة، فعلى الأرجح أن الكوكب قد تشكل منفصلًا عن نجمه، ثم هاجر إلى مدار حول النجم، وأن موقعه الآن قريب جدًا من النجم، لدرجة أن الإشعاع الشديد القادم من القزم الأحمر، بخّر الغلاف الجوي لهذا الكوكب.

ينتمي (جليز367ب) إلى فئة صغيرة جدًا من الكواكب الخارجية، تسمى كواكب عطارد الفائق، إذ إن تركيبها مطابق لتركيب عطارد، لكنها أكبر وأكثف، ومع أنها نادرة، فإن نظامًا واحدًا يضم اثنين منها.

من المحتمل أيضًا أن كوكب عطارد قد عانى المصير ذاته الذي يلقاه (جليز367ب)، فربما كان يحمل وشاحًا وقشرةً كبيرةً، ولكن التأثيرات الخارجية إزالتها.

جاء في البحث: بفضل القياسات التقريبية لكتلة الكوكب الجديد ونصف قطره، قد استكشف التركيب الداخلي والبنية اللبية له، ووجد أنه من المتوقع امتلاكه لنواة حديدية بتركيبة كتلية تبلغ 0.91 من كتلته.

ما الذي جرى في هذا النظام؟ كيف يمكن لـ (جليز367ب) أن يكون بهذا الوضع مع دورانه القريب جدًا حول نجمه؟

وجد العلماء أيضًا كوكبين آخرين في هذا النظام، هما (جليز367سي) و(جليز367دي).

يظن الفلكيون أن الكواكب سريعة الدوران توجد دائمًا في أنظمة مع كواكب مزدوجة، لذلك يعزز البحث الجديد هذه الفرضية.

لم يتمكن تيس من رصد مثل هذه الكواكب لأنها لا تعبر نجمها، واكتشف العلماء وجودها في ملاحظات هاربس، وحدّ اكتشافها من سيناريوهات التكوين المحتملة.

أدلى المؤلف المشارك ديفيد جاندولفي، الأستاذ في جامعة تورين قائلًا: «بفضل ملاحظاتنا وأبحاثنا المكثفة، إضافة إلى الرصد الطيفي لهاربس، اكتشف وجود كوكبين إضافيين يحملان كتلةً أقل، مع دوران مداري بتراوح بين 11.5 و34 يومًا، ما يقلل أيضًا من عدد السيناريوهات المحتملة المؤدية إلى تشكل مثل هذه الكواكب الكثيفة».

تدور تلك الكواكب المرافقة قريبًا من النجم، لكن بكتل أقل، ما يشكل قيودًا حيال أي منها قد تشكل في بيئة غنية بالحديد، لكنها فرضية لا تستبعد الشكوك.

من جهة أخرى، أوضح جوردولفي: «ربما تشكل (جليز367ب) في بيئةً حديدية كثيفة، لكننا لا نستبعد وجود سيناريوهات تضم أحداثًا عنيفةً وقاسيةً مثل تصادم كواكب عملاقة».

في خاتمة تلك الورقة البحثية، تعمق الفريق في سيناريوهات التكوين الممكنة، ففي أحد السيناريوهات التكوينية يجب أن يحتوي القرص الكوكبي الطارد للكواكب، الذي يحيط (جليز367ب)، على جزء غني بالحديد، لكن العلماء غير متيقنين من وجود هذا النمط من المناطق الغنية، وأضافوا: «تشمل إحدى السبل المحتملة التكون من مادة غنية بالحديد، يفوق ما يفترض وجوده عادةً في أقراص تكوين النجوم الأولية. ومع ذلك، ليس واضحًا ما إذا كان هناك وجود فعلي لأقراص بها نسبة عالية من الحديد، خصوصا قرب الحافة الداخلية، إذ يمكن الحصول على معظم المواد منها».

في الواقع ، أشارت دراسة منفصلة عام 2020 إلى أن العمل المتعلق بتكوين الكواكب فشل في تكرار الإثراءات المفرطة في الحديد، واللازمة لشرح تكوين عطارد.

إذا لم تتمكن نماذج القرص من شرح كيفية تكوين عطارد الغني بالحديد، فإنها لا تستطيع شرح كيفية تكون (جليز367ب).

يبدو على الأرجح أنه كان مختلفًا عند عملية التشكل، ثم اتخذ شكله الحالي مع مرور الوقت.

تحدث التعرية بالصدم عندما تفقد القشرة الخارجية لكوكب ما عبر الاصطدامات الفضائية المتكررة.

نظرًا إلى أن الطبقة الخارجية لكوكبنا أقل كثافة من المادة الداخلية، فإن الاصطدامات المتكررة ستسبب زيادة الكثافة الكلية، بإزالة المواد المحيطة الأخف وزنًا، وأضاف المؤلفون أنه مع ذلك، توجد مشكلة واحدة على الأقل، إذ تقترح قياسات الكثافة الظاهرية لكوكب (جليز367ب) أن التعرية الصدمية يجب أن تكون فعالة ومؤثرة بوضوح في إزالة المواد غير المعدنية من كتلة الكوكب، حتى وإن كانت العملية الوحيدة الجارية، فذلك أمر مؤثر بشكل ملحوظ، ولكنه ليس مستحيلًا.

تتوفر الآن ثلاثة احتمالات: إما أن الكوكب تشكل في بيئة غنية بالحديد، أو أن الكوكب كان أضخم سابقًا وفقد قشرته الخارجيه عبر الاصطدامات، أو أنه نواة لعملاق غازي ضخم كان موجودًا سابقًا، ثم هاجر مقتربًا من نجمه، ما جرده من غلافه الغازي.

ربما ما حدث كان مزيجًا من السيناريوهات الثلاثة السابقة.

خلص الباحثون في نهاية الورقة البحثية، إلى أن هذا النظام الذي يستضيف مثل هذا الجسم سريع الدوران، هو هدف غير عادي لمزيد من التحقيق والبحث العلمي، من أجل إيجاد سيناريوهات تكوين وهجرة الأنظمة الفضائية سريعة الدوران.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف نظام نجمي به كوكب شبيه بالأرض قد يكون صالحًا للحياة

ناسا تكتشف كوكبًا خارجيًا صخريًا شبيهًا بالأرض موجودًا في المنطقة الصالحة للحياة الخاصة بنجمه

ترجمة: زين العابدين بدور

تدقيق: نور حمود

المصدر