كيف تؤثّر التربية القاسية على الأداء الأكاديمي للأطفال؟


الصراخ على الأطفال يؤدي لنتائج عكسية

جميع الأهالي يرغبون بالأفضل في الحياة لأطفالهم، لكن يظهر في بحث حديث أن العدوانية والقسوة في التربية تؤدي لنتائج عكسية وتجعلهم أكثر عرضة لضغط الأقران وفي النهاية من المرجح أن يتركوا المدرسة.

راقب البحث أكثر من 1500 مراهق وهم يكبرون في مدينة ماريلاند، وأظهر أن الأطفال المعنفين والمهددين من قبل أهاليهم بعقوبات قاسية (شديدة) من المرجح أن يتركوا المدرسة الثانوية أو الجامعة بمعدل أعلى من أقرانهم، وذلك بغض النظر عن معدلاتهم الدراسية التي حققوها، هؤلاء الأطفال هم أيضاً أكثر عرضة في أن يشاركوا (ينغمسوا) بتصرفات خطيرة بالوقت الذي يصبحون فيه في الصف الحادي عشر، مثل النشاطات الجنسية المبكرة أو المشاجرات والسرقات.

أكدت الدراسات السابقة أن الأطفال القادمين من بيئات قاسية معدلات فشلهم الدراسي أعلى، حيث يهدف هذا البحث للحصول على رؤية توضح سبب ذلك عن طريق البحث في بيانات طولانية (بيانات لنفس المتغير لمدة طويلة من الزمن) تم تسجيلها عن أطفال في سن السابعة من عمرهم وحتى سن التسع سنوات.

أشارت النتائج إلى أن المشكلة ليست المدرسة بحد ذاتها لكن في الواقع أن الأطفال ذوي الأهالي القساة هم أكثر عرضة أن يكون أصدقاؤهم هم مثلهم الأعلى وأن يولوا اهتمامًا للأنشطة ذات السعادة قصيرة المدى عوضاً عن التركيز على الصورة الأكبر، مثل التهرب من الوظائف ومخالفة أوامر الأهل والخروج مع صديق.

يقول الباحث روشيل ف هينتجز من جامعة بيتزبورغ: في دراستنا هذه وجدنا أن التربية القاسية ترتبط مع التحصيل العلمي المتدني عن طريق سلسلة معقدة من العمليات والتجارب التي تركزت حول تأثير السلوك الحاضر الموجه على السلوك المستقبلي الموجه ضمن الأهداف التعليمية.

نحن نعتقد أن دراستنا هذه هي الأولى من حيث الاعتماد على تاريخ الأطفال كمنهج لمعاينة تأثير التربية على النتائج التعليمية للأطفال من خلال العلاقات مع الأقران، السلوك الجنسي والجُنوح.

هذه الدراسة لا تعني بأننا نستطيع الجزم بأن التربية القاسية تؤدي وبشكل مباشر إلى ترك الأطفال لمدارسهم، في النهاية الارتباط لا يعني السببية.

لكن البحث يبدأ برسم الصورة الأكبر وكيف أن عدوانية الأهل تؤثر في عملية صنع القرار عند الأطفال، حيث أن الباحثين كانوا حريصين على التحكم بالعوامل التي قد تؤثر على التحصيل العلمي، مثل الخلفية الاقتصادية-الاجتماعية، نتائج الاختبارات وفق المعايير القياسية ومتوسط المعدل.

للحصول على تلك الرؤية استعمل الفريق بيانات حصلوا عليها من مركز ماريلاند لتطوير المراهقين خلال سياق الدراسة، والتي تابعت 1482 طالبًا يعيشون بالقرب من واشنطن من الصف السابع (بعمر 12 سنة) وحتى 3 سنوات بعد الموعد المتوقع لتخرّجهم (بعمر الـ21 سنة).

في الدراسة طُلب من الطلاب أن يبلغوا وبشكل منتظم عن التعدي اللفظي أو الجسدي عليهم من قبل أهاليهم، عن تفاعلهم مع أقرانهم، وكم كانوا يعتمدون على أقرانهم، وفي نهاية الدراسة بلّغ المشاركون عن أعلى تحصيل علمي لهم.

عند البحث عن الأنماط في البيانات، وجد الفريق أن التربية القاسية تُعرف بالصراخ والضرب وممارسة التصرفات القسرية، كالتهديدات اللفظية والجسدية، ارتبطت بالصف السابع مع الأطفال الذين يتكلون على أقرانهم بشكل أكبر وذلك في السنتين اللاحقتين، هذا يعني أنه من المرجح أن يقول الطلاب أن أصدقاءهم بالنسبة لهم أهم من أي مسؤوليات أخرى بما يتضمن ذلك قوانين أهاليهم أو العمل المتعلق بالمدرسة.

وفي الوقت الذي يصبحون فيه بالصف الحادي عشر تكون الإناث ذوات الأهالي القساة أكثر مواظبة على النشاطات الجنسية من أقرانهم، بينما يميل الذكور أكثر للجُنوح، وتبعًا لذلك، ارتبطت تلك الأنشطة مع تحصيل علمي متدني، ذلك يعني أن الأطفال يميلون أكثر لترك المدرسة الثانوية أو الجامعة بغض النظر عن مستوى ذكائهم أو مدى ثقافة الأهل.

يقول هينتجز: «الشباب الذين لم تُلبى حاجاتهم الأولية، قد يسعون لإثبات أنفسهم عن طريق أقرانهم أو أصدقائهم، ذلك يتضمن التوجه للأقران بطرق غير سليمة، والتي قد تؤدي لزيادة العدوانية والجنوح بالإضافة للنشاط الجنسي المبكر على حساب الأهداف طويلة المدى كالتعليم».

ويزعم هينتجز أن هذه النتائج تعكس النظريات التطورية والتي تقول أن البيئات القاسية تجعل النجاة غير حتمية، لذلك فالأطفال الذين يكبرون فيها سيركزون على الجوائز الفورية عوضًا عن الأهداف طويلة المدى.

فعلى سبيل المثال، وجد البحث أن الأطفال الذين يترعرعون في بيئات قاسية أو غير مستقرة هم على الأغلب يأخذون مكافئات أصغر لكن أسرع (قطعتان من الحلوى) بدلاً عن الانتظار والحصول على جائزة أكبر (خمس قطع حلوى).

والآن لدينا رؤية أوضح عن كيفية تأثير التربية القاسية على التحصيل العلمي، فأن الفريق يأمل أن تؤدي لبرامج تدخّل أفضل وأن تشجع المعلمين على جعل المدارس أكثر تفاعلية على المدى القريب من التركيز على الصورة الأكبر للتركيز على التخرج يومًا ما والحصول على عمل.

تم نشر البحث في Child development.


ترجمة: رغد القطلبي
تدقيق: جعفر الجزيري
المصدر