بالنسبة لملايين الأشخاص حول العالم، تُعدّ مضادات الاكتئاب من الأدوية المهمّة.

وبمجرد أن تؤدّي تلك الأدوية عملها داخل أجسامنا، فإنّ آثارها الكيميائية الحيوية لا تتوقّف هنا.

يحاول باحثان من جامعة بورتسموث Portsmouth زيادة التوعية بالمخاطر التي تُحدِثها تلك الأدوية بعد أن تُطرَح في البيئة، على أمل العثور على طرق لتقليل تلك المخاطر.

يقول عالم الأحياء البحرية أليكس فورد Alex Ford من معهد علم الأحياء البحرية في بورتسموث: «إنّ الأدوية المضادة للاكتئاب ومضادات القلق تتواجد في كلّ مكان، في مياه الصرف الصحي والمياه السطحية والمياه الجوفية ومياه الشرب والتربة وتتراكم في أنسجة الحيوانات البرية».

تتزايد الأدلة التي تثبت أنّ مضاداتِ الاكتئاب ومستقلباتِها تؤثّران سلبًا على الحياة البحرية.

وهناك أدلّة على أنّ هذه المواد لا تحتاج لتراكيز عالية حتّى تظهر تأثيراتها.

تشير الدراسات المخبرية إلى تغيّرات في كيفية تكاثر ونمو ومعدّل نضوج بعض المخلوقات، بالإضافة إلى تأثّر الاستقلاب والمناعة والعادات الغذائية وطريقة الحركة واللون والسلوك.

قبل عدّة سنوات، أظهر الباحث تأثير مستويات منخفضة من مثبّطات عود التقاط السيروتونين الانتقائية SSRI مثل فلوكستين-Floxitin – المركّب الرئيسيّ في دواء بروزاك-Prozac المضاد للاكتئاب – على سلوك مخلوق جَمْبَرِيّ الأمفيبود-Amphipod Shrimp، إذ تسبّبت في ترك هذه المخلوقات مواقعَها الآمنة في كثير من الأحيان، ما جعلها أكثر عرضةً لخطر الافتراس.

يدعو أليكس فورد وهيلينا هيريرا Helena Herrera، الخبيرة في علم الأدوية الأخلاقي Ethical Pharmacology، إلى إجراء المزيد من الأبحاث حول مخاطر وفوائد الأدوية النفسية على البيئة وصحة الإنسان.

إنّ العلاجات المعدِّلة للمزاج «غير الدوائية» تساعد العديد من الأشخاص على التعامل مع المراحل المزمنة من الاكتئاب والقلق، ولكنّ ما يثير القلق هو أن عددًا متزايدًا من الناس يتحوّلون إلى المعالجة بالأدوية، وهذا يؤدي لزيادة مستويات الأدوية النفسية في البيئة.

وجدت دراسة نشرت في عام 2016 زيادة بنسبة 26% في استخدام مضادات الاكتئاب بين الأطفال والمراهقين في الولايات المتّحدة بين عامي 2005 و2012.

وقد شهدت المملكة المتّحدة زيادةً بنسبة 54% خلال نفس الفترة.

واحدٌ تقريبًا من بين كلّ عشرة أشخاص في العالم الغربي يأخذ دوراتٍ علاجيةً طويلة الأمد من مضادات الاكتئاب، وبالتالي فإنّ هذا الاتّجاه التصاعدي في استخدام هذه الأدوية قد يؤدي إلى حدوث كارثة بيئية.

ودون اتّخاذ تدابيرَ مناسبةٍ لإزالة هذه المواد الكيميائية من النفايات، يجب أن نُقيِّم حاجتنا لاستخدام هذه الأدوية، هل فعلًا نحتاج جميعًا إلى هذا العلاج، أم ينبغي علينا أن نشجّع بدائلَ علاجيةً باسم الحفاظ على سلامة النظم البيئية البحرية؟

إنّ استخدام البدائل العلاجية أو الحدّ من استخدام هذه الأدوية لن يكون حلًّا مناسبًا للجميع، ولكنّه كجزء من نهج متعدّد الجوانب يمكن أن يساعد في الحدّ من تزايد تراكيز «نفايات الأدوية النفسية».

في عدة أماكن من العالم بدأت برامج التخلّص من هذه الأدوية بجمع الأدوية غير المستخدمة من المرضى.

إنّ زيادة التوعية تُحدث فرقًا كبيرًا في هذا المجال.

ويمكن للشركات الدوائية نفسها أن تساهم في حلّ المشكلة عبر تحمّلها لمسؤولية التخلص من «نفايات الأدوية النفسية» بعد تسليمها للمريض.

يمكن لخدمات إدارة النفايات في المملكة المتّحدة أن تُحدِّث بنيتها التحتية لتقليل مستويات الإستروجين الاصطناعي في مياه الصرف الصحي، إذ أنّ هذه المواد غير مشمولة حاليًّا بأنظمة إدارة مياه الصرف الصحي، والطرق التحليلية للكشف عنها تصبح متاحةً شيئًا فشيئًا.

من الواضح أنّ التحرّك مطلوب، ويمكننا جميعًا أن نشارك في هذا التحرّك.

إنّ الحصول على وصفة طبية من مضادات الاكتئاب هي خطوة مهمّة بالنسبة لكثير من الناس الذين يعانون من تغيّرات كبيرة في الحياة.

وللأسف، هذا يعني أنّ الحياة المائية تحصل بدورها على تلك الوصفة أيضًا.


  • ترجمة: أحمد علي.
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر