يقول علماء النفس إنّ استراتجيات التعامل المتطوّرة في مرحلة الطفولة هي السبب الذي يجعل الأشخاص عرضةً للأخبار المزيّفة عندما يكونون راشدين.

ما الذي يجعل الأخبار المزيفة جذّابة جدًّا؟

نظرًا لآخر التطوّرات السياسية في العالم الغربي، حازت ظاهرة الأخبار المزيّفة على الكثير من الاهتمام.

أجرى باحثون من معهد ماساتشوستس MIT في كامبردج دراسةً حلّلتِ المعلومات على موقع تويتر لمعرفة ما الذي يحظى بإقبالٍ أكثر: هل هو الخبر الحقيقي أم المزيف؟.

وفحص الباحثون أيضًا 126 ألف منشور من الأخبار المُتنازَع عليها التي غرّدها ثلاثة ملايين مستخدم خلال فترة من الزمن، ووجدوا أنّ الأخبار المزيّفة تصل لأشخاصٍ أكثر، وتنتشر أسرع من الأخبار الدقيقة.

وما يتّسم بالأهميّة هو أنّ هيمنة الأخبار المزيّفة قد تجعل الناس غير واثقين بوكالات الأنباء، وقد صرّح العديد منهم أنّهم لا يعرفون كيف يميّزون الصواب من الخطأ.

ونُشِر في وقتٍ سابقٍ من هذا العام أنّه يوجد 7 أشخاص من كلّ 10 يخشَون من أنّ الأخبار المزيّفة تُستخدَم «كسلاحٍ»، وإنّ ما يزيد عن 60% من المُستجوَبين لا يستطيعون التفريق بثقةٍ بين الأخبار المزيّفة والحقيقية.

ما هو السبب الأوّل الذي يجعل الأشخاص عرضةً للأخبار المزيّفة؟ هل من استراتيجيات معيّنة يمكننا إيجادها لحماية أنفسنا من هذه الأخبار؟

إنّ الأبحاث الحديثة المُقدَّمة في المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية لعلم النفس المُقام في سان فرانسيسكو تفسّر الآليات المسؤولة عن جاذبيّة الأخبار المزيّفة.

وقد نُشِرت النتائج أيضًا في مجلة Science.

المخّ جاهز لتلقّي الأخبار المزيفة

أشار الأستاذ الدكتور مارك وايتمور Mark Whitmore – البروفيسور المساعد في نظم الإدارة والمعلومات في جامعة كينت بأيوايوي – في مؤتمر الجمعية الأمريكية لعلم النفس لهذا العام إلى ما يُدعى بالانحياز التأكيدي-Confirmation Bias، وهو السبب الرئيس وراء الانجذاب للأخبار المزيفة.

يشير هذا المصطلح إلى ميل الأشخاص لقبول المعلومات التي تؤكِّد معتقداتِهم السابقة ولتجاهل المعلومات التي تتعارض مع تلك المعتقدات.

ويشرح وايتمور: «الشيء المحوريّ هنا هو الحاجة للمخّ لاستقبال المعلومات المؤكِّدة التي تتّفق مع وجهات نظر الأفراد ومعتقداتهم.

في الحقيقة، قد يقول أحدهم إنّ المخّ مستعدٌّ لقبول أو رفض أو عدم تذكّر المعلومات أو تحريفها وذلك على أساس كونها مؤكّدةً للقناعات أو مهدّدة لها».

وتشرح الدكتورة إيف وايتمور Eve Whitmore – عالمة النفس التنموي في رابطة علم النفس الغربي في Stow,OH – أنّ هذا الانحياز يتكوّن في عمر مبكّر، كما هو حال الطفل الذي يتعلّم التمييز بين الخيال والواقع.

وفي أثناء هذا الوقت الحرج، يحفِّز الأهل أبناءَهم لتكوين المعتقدات لأنّ الألعاب يمكن أن تساعدهم في التعامل مع الواقع وتقبّل قواعده.

وبذلك فإنّ الجانب السلبي هنا هو أنّ الأطفال قد يتعلّمون أنّ الخيال يصبح مقبولًا في بعض الأحيان.

يقول الباحثون إنّ الأطفال أثناء نموّهم وبلوغهم فترة المراهقة يطوّرون مهاراتِهم الفكرية النقدية الخاصّة بهم، ويبدؤون بطرح الأسئلة على أهاليهم وعلى الأشخاص المحيطين.

ولكنّ ذلك يؤدّي غالبًا إلى قلقٍ وصراعات غير مناسبةٍ لمستواهم النفسي.

من هنا تأتي العقلانيات المنحازة.

يطوّر الناس آلياتِ التعامل مثل الانحياز التأكيدي لتجنّب الصراعات والقلق.

وبالرغم من أنّ المعتقدات الخاطئة قد تسبّب صراعاتٍ، فإنّ المراهقين يتعلّمون تعقُّل وتقبُّل الباطل بدلًا من ذلك.

يمكن للمزاح أن يحمي من الأخبار المزيّفة

إحدى طرق تقليل الانجذاب للأخبار المزيفة هي تخفيض حدة القلق الذي يجعل الانحياز التأكيديّ طريقة سهلةً.

يقول مارك وايتمور: «إنّ الفكاهة هي خطّة دفاع إيجابية.

أي أنّ مشاهدة الكوميديا أو السخرية السياسية في آخر الليل مع عدم تعديل أو تغيير المصدر المسبِّب للضغط قد يقلّل من مستوى الضغط والقلق المرتبط بهذا».

«وهناك شيءٌ أخر هو التسامي، أي تحويل مشاعرك السلبية لشيء إيجابي، مثل الترشّح لمنصب أو حلّ اعتراض أو التطوّع في قضية اجتماعية».

ويضيف أيضًا أنّ بذل الجهد الواعي لسماع وجهات النظر الأخرى يمكن أن يساعد في تعديل الآراء وجعلها أقلّ تطرّفًا.

«إنّ تطوير درجة أكبر من الشكّ عند الأطفال، من خلال تشجيعهم للسؤال عن السبب وطرح الأسئلة، يُقلّل الانحياز».


  • ترجمة: رانيا عرفات علي.
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر