كيف تعمل أجسامنا – البصر


في هذا المقال من سلسلتنا التعريفية بوظائف الجسم سنتطرق إلى آلية عمل العينين, والطريقة التي نبصر بها الأشياء.
قبل أن نبدأ علينا أن نتطرق إلى الشيء الذي يحرَض المستقبلات الحسية الموجودة فى العين. حسناً، إنه الضوء.

Screenshot (5)

ما هو الضوء؟

الضوء هو أشعة إلكترومغانطيسية تنتقل عبر أمواج، ومثل أي موجة صوتية أو اهتزازية أو غيرها، فهي تتحدد بتواتر وشدة، ولكن في الضوء التواتر هو درجة اللون والشدّة هي سطوع الضوء. فتواتر موجة اللون الأحمر تختلف عن مثيلتها في الأزرق، وكذلك سطوع الضوء يغير من الرسالة التي ستصل لأدمغتنا.

ومجال الطيف الضوئي كبير جدًّا، ويتدرّج من أشعة غاما القصيرة إلى الأشعة السينية ثم وصولًا إلى الأشعة الراديوية. علماً أن أعيننا لها قدرة محدودة تمكنها فقط من رؤية مجال صغير من كل هذا الطيف، وهو ما نسميه بمجال الطيف الضوئي المرئي.

إذًاً ما دور العين؟ وكيف تعمل؟

تحوي العين على مستقبلات ضوئية تقوم بتحويل الطاقة الضوئية إلى سيالات عصبية تنتقل عبر الأعصاب إلى دماغك ليقوم بتفسيرها. حسناً كيف يحدث ذلك؟ دعنا نلقي نظرة سريعة على تشريح العين.
لا بد أنك لاحظت المكونات التشريحية الظاهرة للعين، الحاجبان اللذان يمنعان العرق من السيلان إلى العين والأجفان والرموش بوظيفتهم الدفاعية أيضًا، وكذلك الغدة الدمعية والكيس الدمعي التي تفرز الدمع لحماية وتعقيم كرة العين.

Screenshot (6)

تأخذ كرة العين شكل كروي إلى حد ما، بقطر 2,5 سنتيمتر تقريبًا

تتكون كرة العين من بنى جدارية تتغير بنيتها في القطب الأمامي للعين لتؤدي وظيفة محددة، بالإضافة إلى أوساط شفافة يمر خلالها الضوء.

البنى الجدارية:

1- الصلبة (Sclera): طبقة ثخينة من نسيج ضام ليفي متين وبيضاء اللون، تعمل على حماية العين من الخارج، وتتسمّك في قطبها الخلفي في مكان خروج العصب البصري. وتشكل في القطب الأمامي القزحية التي تحيط بالحدقة.

تعمل القزحية على التحكم بكمية الضوء الداخلة إلى كرة العين، فهي تتكون من ألياف عضلية دائرية وشعاعية تعمل بآلية انعكاسية من الجهاز العصبي الودي ونظير الودي على آلية التحكم هذه.

2- المشيمية (Choroid): طبقة وعائية تحوي على شعيرات دموية غزيرة تؤمن التغذية الجيّدة للشبكية

3- الشبكية (Retina): تلتصق بكامل الوجه الداخلي للمشيمية وتعد الطبقة الحساسة للضوء، وتتكون من طبقتين؛ الأولى: خارجية صباغية، والأخرى: داخلية عصبية حسيّة وفي هذه المنطقة تحديدًا توجد الخلايا الحساسة للضوء والتي تدعى العصي Rods)) والمخاريط (Cones) وتتشابك مع خلايا عصبية أخرى تجتمع مع بعضها لتشكل العصب البصري الذي ينقل الإشارة للدماغ.

الأوساط الشفّافة:

1- القرنية: الطبقة الأولى الشفافة التي يعبرها الضوء، وهى خالية من الأوعية الدموية مما يجعلها شفافة بالكامل.
2- الغرفة الأمامية: الطبقة الثانية وتحوي على خلط مائي (سائل شفاف يفرز من الأوعية الدموية والشبكات الشعرية المحيطة).

3- العدسة: وهي عدسة محدبة تختلف عن العدسات الأخرى بقدرتها على زيادة تحدّبها الشيء البالغ الأهمية في عملية المطابقة التي سنتطرق لها فيما بعد.

4- الغرفة الخلفية: الوسط الشفاف الأخير والتي تحوي خلط زجاجي وتعطي للعين شكلها الكروي المعروف.

حسنًا، كيف نرى الأشياء بواسطة كل ذلك؟

جميعنا نعرف بأننا نرى الأجسام بسبب انعكاس الضوء عليها، وارتداد تلك الأشعة الضوئية لتدخل إلى أعيننا، ففي حال انعدام الضوء فإننا لا نرى شيئاً.

تنطلق أشعة ضوئية بشكل مستقيم من الأجسام المختلفة إلى أعيننا، لتدخل عبر القرنية الشفافة التي تكسر هذا الضوء بنسبة معينة بسبب الاختلاف الكبير بين قرينة انكسار الضوء في الهواء ومثيلتها في القرنية، بعد ذلك تعبر الأشعة الخلط المائي، ومن ثم العدسة والخلط الزجاجي، لتسقط على الشبكية لكن بشكل مقلوب (حيث يكون الخيال على الشبكية مقلوب وأصغر من الحقيقي، ويعود ذلك للانكسارات التي تعرضت لها الأشعة الضوئية عند مرورها بالأوساط الشفافة المختلفة).

مهلًا، العدسة ليست مجرد وسط شفاف يعبره الضوء!

تتميّز العدسة بقدرتها على التحدّب، فهي مرنة جدًا وليست كالعدسات الصناعية، ميزة تحدبها هذه تفيد في آلية المطابقة وهي الآلية التي تستخدمها العين لضمان سقوط الخيال على الشبكية، فتزيد أو تنقص العدسة من تحدبها بالشكل الذي يؤمّن السقوط الأمثل للخيال على الشبكية.

لنكمل:

الآن لدينا خيال ساقط على الشبكية، عرّفنا سابقًا الشبكية بأنها تحوي على الخلايا الحساسة للضوء، وهي العصي والمخاريط، التي تتفعّل بآلية كيميائية عند سقوط الضوء عليها، لتشكّل بعدها سيالة عصبية تنتقل في خلايا الشبكية الأخرى، العقدية خاصةً، ومن ثم عبر العصب البصري إلى القشر المخي المسؤول عن الإدراك والحس البصري ليفسّر هذه السيالة ونفهمها بصورة صحيحة ومناسبة وغير مقلوبة.

لكن لماذا العصي والمخاريط ولمَ هذا التنوع؟

تمايزت الخلايا العصبية وتكيّفت لأداء وظيفة محددة، فكلاً من العصي والمخاريط تتحسس للضوء، لكن ليست بنفس الطريقة وليس لكل الأشعة الضوئية.
فالعصي تدرك الضوء الخافت في الظروف الضوئية الليلية، وهي غير مميزة للألوان فهي تدرك التدرج اللوني من الأبيض إلى الأسود فقط، وهي أيضًا سريعة التنبيه.
أما المخاريط فهي تدرك الضوء الساطع في الظروف الضوئية النهارية، وهي مميزة للألوان بمختلف أمواج أشعتها، ولكنها بطيئة التنبيه.


إعداد: مصطفى بجود
تدقيق : شريف منصور

المصدر:
GUYTON AND HALL Textbook of Medical Physiology, Thirteenth Edition
John E. Hall, PhD
Arthur C. Guyton Professor and Chair
Department of Physiology and Biophysics
Director, Mississippi Center for Obesity Research
University of Mississippi Medical Center
Jackson, Mississippi