كما هو معروف فإن الرِّياضيّات غارقة بالمشاكل المستعصية والصعبة، ولكن هل يمكن لهوسك بالرِّياضيّات أن يجعلك غنيًا؟
نحن لا نتحدث هنا عن جائزة نوبل في الرِّياضيّات، كونها غير موجودة أصلًا والسبب في ذلك يعود إلى أن ألفريد نوبل لم يعتقد أن الرِّياضيّات علم تطبيقي، وهناك إشاعة أخرى تدَّعي خيانة عشيقة نوبل له مع رياضي شهير، مما أدى إلى إقصاء الرِّياضيّات من جائزة نوبل.

على أيَّة حال، لا تقلق، إذا كنت من محبي الرِّياضيّات فيمكنك الوصول إلى الشهرة والمال دون المرور بنوبل ومغامراته العاطفيَّة، وذلك بحصولك على جائزة الألفيَّة إذ يكفي حلك لإحدى سبعة مسائل غير محلولة وشهيرة في الرِّياضيّات، التي أعلن عنها معهد (Clay) للرياضيات في ماساتشوستس، الذي يعتبر مؤسسة غير ربحيَّة خاصة متخصصة بالبحوث الرِّياضيَّة والذي تحدى المجتمع الرياضي في عام 2000 لحل هذه المسائل ورصد جائزة قدرها مليون دولار أميركي لمن يحل أي واحدةٍ منها، وقد حُلت إحداهن بالفعل.

 

 

اُعلن عن جائزة مسائل الألفيَّة في الخطاب الشهير الذي ألقاه ديفيد هيلبرت في المؤتمر الدولي لعلماء الرِّياضيّات في باريس في عام 1900.

وقد طرح هيلبرت 23 مسألة غير محلولة على عدد لا يحصى من علماء الرِّياضيّات، وتوصلوا إلى حلِّ بعض هذه المسائل وطوروا أفكار بحوث جديدة، إلا أنًّ حل بعض تلك المسائل لايزال مجهولًا بالطبع، أشهرها فرضيَّة ريمان، وهي إحدى المسائل السبعة لجائزة الألفيَّة.
تغطي المسائل مجموعة متنوعة من المواضيع، من علوم الكمبيوتر النظريَّة والفيزياء، وصولًا إلى المجالات الرياضيَّة البحتة مثل نظريَّة الأعداد والهندسة الجبريَّة والطوبولوجيا.
وللفوز بهذه الجائزة عليك إما إثبات المسألة أو إيجاد مثال مضاد لنفيها، وعلى الحل المقدم أن يصمد أمام تدقيقٍ شديدٍ من قبل جميع الرياضيين في العالم لمدة عامين على الأقل!
لنبدأ مع أول مسألة:
المسألة P مقابل NP – غير محلولة:
تتعلق هذه المسألة بمدى سهولة حل المسائل.

وتسعى لإثبات أنه أيًا كانت اللغة المقبولة بخوارزميَّة غير حتميَّة في تعقيد زمني من الرتبة O(n^2) فيمكن حلها بخوارزميَّة أخرى حتميَّة بتعقيد زمني من الرتبة O(n^2) أيضًا.
ولقبول مسألة ما يجب التعبير عنها في نموذج قياسي، الذي تمثله آلة تورينغ التي أوجدها العالم تورينغ عام 1936.

 

 

وكمثال على هذه المسألة:
لنفترض أنك تقوم بتنظيم سكن أربعمئة طالب جامعي.

في مكان محدود لمئة طالب فقط الذين سيحصلون على أماكن في الغرف ولتعقيد الأمور، فقد قدَّم لك العميد قائمة بأزواج من الطلاب غير المتوافقين، وطلب منك عدم مشاركتهم نفس الغرفة في القائمة النهائية التي ستقدمها إليه.
من السهل التحقق فيما إذا كان خيار معين من مئة طالب اقترحها زميلك صحيحًا (أي أنه لا يوجد زوج في قائمة زميلك من القائمة التي قدمها لك العميد). لكن الواقع يقول أن العدد الإجمالي للطرق الممكنة لاختيار مئة طالب من الـ400 المتقدمين أكبر من عدد الذرات في الكون المعروف وبالتالي لا يمكن حتى لأي حضارة في المستقبل أن تبني حواسيب فائقة قادرة على حل المسألة بتجريب كل الاحتمالات الممكنة.

أي فحص كل مجموعة ممكنة مؤلفة من 100 طالب.
فإحدى مسائل علوم الكمبيوتر هو تحديد فيما إذا كانت هنالك أسئلة يمكن الإجابة عليها بسرعة وتتطلب وقتًا طويلًا جدًا لحلها، يمكن التحقق منها عن طريق أي إجراء مباشر!
صاغ كل من ستيفن كوك (Stephen Cook) وليونيد ليفين (Leonid Levin) المسألة بشكلٍ مستقلٍ في عام 1971.
حدسيَّة هودج (The Hodge Conjecture) – غير محلولة:
تقع هذه الحدسيَّة بين عدة حقول في الرِّياضيّات وهي الطوبولوجيا والهندسة الإقليدية -وهي هندسة الأشكال التي تدرَّس في المدارس والتي وضعها إقليدس- والجبر والتحليل.
إذ اكتشف علماء الرِّياضيّات في القرن العشرين طرقًا قوية للتحقق من أشكال الأشياء المعقدة.

تكمن الفكرة الأساسية في مدى تقريب شكل معين عن طريق جمع أجزاء هندسية بسيطة وزيادة البعد.

وقد أصبحت هذه التقنية مفيدة جدًا لأنها عُممت على طرقٍ مختلفةٍ، مما أدى في نهاية المطاف إلى إيجاد أدواتٍ قويةٍ مكنَّت علماء الرِّياضيّات من تحقيق تقدم كبير في فهرسة مجموعة متنوعة من الأشياء التي صادفوها.

 

 

ويمكن القول تقريبًا أن بعض الأشياء التي تُبنى من خلال التحليل (بالطرق التَّفاضلية) يمكن في الواقع بنائها من خلال أساليب جبرية.
أما الجواب على هذه الحدسيَّة يحدد كيف يمكن لطوبولوجيا مجموعة حلول لمعادلات جبرية، تعريفها بالمزيد من المعادلات الجبرية.

ومن المعروف أن حدسيَّة هودج تحدث في حالات خاصة، على سبيل المثال، عندما يكون بعد مجموعة الحلول أقل من أربعة. وفي البعد الرابع هي غير معروفة.
حدسيَّة بوانكاريه (The Poincarë Conjecture) – محلولة:
وتربط حدسيَّة بوانكاريه التي نشرها العالم الفرنسي هنري بوانكاريه في ورقة بحثيَّة تعود للعام 1904 بين الطوبولوجيا والهندسة وتتعلق بالأشياء وكيف تأخذ شكلها في الفضاء، وتتعلق فكرتها الأساسية بالكرة!
الكرة ثنائية الأبعاد هي الدائرة، أما لتمثيل الكرة ثلاثية الأبعاد (2-Sphare) نحن بحاجة إلى سطح ثنائي الأبعاد لتمثل سطحها، وفي الفضاء رباعي الأبعاد، ولنمثل كرة رباعية الأبعاد (3-Sphare) سنحتاج إلى سطح ثلاثي الأبعاد.

لفهم الفكرة علينا العودة لعصر الإغريق فقد عرفوا كروية الأرض من خلال الرِّياضيّات بينما تأكدنا نحن من ذلك من خلال صور ناسا.

فمن خلال الرِّياضيّات يمكننا إلقاء نظرة خارجية على العالم الذي نعيش فيه من دون الخروج منه.
واستنادًا لما سبق فهل يمكننا التنبؤ بشكل الكون من خلال الرِّياضيّات دون الخطو خارج الكون لإلقاء نظرة عليه؟
قد يكون الكون ضمن كرة أو حلقة أو انبوب ما، أما ما جاءت به حدسيَّة بوانكاريه يمكن التعبير عنه بالمثال التالي:
إذا حملت مركبة فضائية حبلًا ما ليتبع الأثر الذي قطعته المركبة وطافت في أرجاء الكون ثم عادت إلى بداية الحبل، عندها لن نستطيع تقريب الطرفين، فيما لو كان الكون ضمن شكل آخر غير الكرة.

 

 

كان من المعروف صحة النتيجة في الأبعاد الأكبرمن أو تساوي خمسة منذ عام 1960 بفضل الرياضي ستيفن سمال.

أما في الأبعاد الرباعية فقد استعصى إثباتها على العلماء حتى عام 1982 إذ جاء الإثبات على يد الرياضي مايكل فرايدمان.

لكن حالة (3-sphare) وبشكل أعم (3-maniflod) هي الأكثر صعوبة كما أوضح هاملتون فقد بقيت غير محلولة بانتظار الرياضي غريغوري بيرلمان الذي حلَّ الحدسيَّة في 3 أوراق بحثيَّة نُشِرت في عامي 2002 و2003 في مجلة (arXiv) العلميَّة وتجاوز بحث بيرلمان مراحل المراجعة من قبل فرق من علماء الرِّياضيّات في 2006، والطريف في الموضوع أن بيرلمان وهو الرياضي الأول والوحيد الذي حلَّ إحدى مسائل الألفية، رفض الجائزة الماديَّة والميدالية ومعها كل الجوائز الأخرى قائلًا أنه ليس بأعظم من العالم هاملتون الذي اقترح استخدام تدفق ريكي (Ricci flow) في الحل.
فرضيَّة ريمان (The Riemann Hypothesis) – غير محلولة:
بعض الأرقام تتميز بأنه لا يمكن التعبير عنها كناتج ضرب عددين، على سبيل المثال الأعداد واحد وثلاثة وخمسة وسبعة وتسمى هذه الأعداد بالأعداد الأولية، وتلعب دورًا هامًا في الرِّياضيّات وتطبيقاتها.

وكما قد اتضح أن توزيع هذه الأعداد الأولية بين الأرقام الطبيعية لا يتبع أي نمطٍ منتظٍم.

إلا أن عالم الرِّياضيّات الألماني ريمان لاحظ أن تواتر الأعداد الأولية يرتبط ارتباطًا وثيقًا جدًا بسلوك الدالة:

ζ (s) = 1 + 1 / 2s + 1 / 3s + 1 / 4s + …

وتسمى “دالة ريمان زيتا”.

وتؤكد فرضيَّة ريمان أن جميع الحلول المثيرة للاهتمام من المعادلة

ζ (s) = 0

تتموضع على خط مستقيم عمودي معين، وحتى الآن فقد تحقق الرياضيون من ذلك للحصول على أول 10,000,000,000,000 حل أما إيجاد دليل قاطع على صحة فرضية ريمان حول كل الحلول لا يزال أمرًا مثيرًا للاهتمام ويسلط الضوء على العديد من الأسرار المتعلقة بتوزيع الأعداد الأولية.

نظريَّة يانغ ومياز (Yang-Mills existence and Mass gap) – غير محلولة:
لا بد وأن يكون هناك نصيبٌ لفيزياء الكم من جوائز الألفية فمنذ ما يقرب على نصف قرنٍ، قدَّم يانغ وميلز إطارًا جديدًا لوصف الجسيمات باستخدام هيكليَّة معتمدة في الهندسة.
تعتبر نظريَّة يانغ وميلز الكموميَّة الأساس لمعظم نظريات الجسيمات الأولية، وقد اختبرت تنبؤاتها في العديد من المختبرات، ولكن لا يزال أساسها الرِّياضي غير واضحٍ.

تعتمد نظريَّة يانغ ميلز على خاصية ميكانيكيَّة كموميَّة غير واضحة المعالم تسمى فجوة الكتلة (mass gap) تفترض أن الجسيمات الكموميَّة لها كتل إيجابيَّة، على الرغم من أن الموجات الكلاسيكية تسير بسرعة الضوء.
وقد اكتشفت هذه الخاصيَّة من قبل الفيزيائيين بالتجارب وأكِّدت بالمحاكاة الحاسوبيَّة، لكنها لا تزال غامضةً من الناحية النظريَّة.

وسيتطلب التَّقدم في نظريَّة يانغ ميلز وفجوة الكتلة إدخال أفكارٍ جديدةٍ أساسيةٍ في الفيزياء والرِّياضيّات.

معادلات نافي وستوكس الخاصة بميكانيك السوائل (The well-posedness of the Navier-Stokes equations) – غير محلولة:
تكمن أهمية معادلات نافير-ستوكس كونها تصف العديد من الظواهر الفيزيائيَّة ذات الأهمية العلميَّة والهندسيَّة.

ويمكن استخدامها للتنبؤ بالطقس وتيارات المحيطات وتدفق المياه في الأنابيب وتدفق الهواء حول أجنحة الطائرات.

ويعتقد علماء الرِّياضيّات والفيزيائيون أنه يمكن العثور على تفسير لذلك والتنبؤ بكل من الريح والاضطراب من خلال فهم الحلول المقدمة في معادلات نافير-ستوكس.

وعلى الرغم من أن هذه المعادلات قد كتبت في القرن التاسع عشر، إلا أن فهمنا لها لا يزال محدودًا.

 

 

ويكمن التحدي في إحراز تقدم كبير نحو النظريَّة الرِّياضيَّة التي ستكشف الأسرار الخفية في معادلات نافير-ستوكس.
حدسيَّة بيرخ وسوينارتون_ديير حول المنحنيات الإهليجيَّة (The Birch and Swinnerton-Dyer Conjecture) – غير محلولة:
لطالما سحرت المسائل التي تصف كل الحلول على شكل معادلات جبرية علماء الرِّياضيّات، مثل المعادلة:

x^2 + y^2 = z^2

وقد أعطى إقليدس الحل الكامل لهذه المعادلة، ولكن مع تصاعد تعقيد المعادلات يصبح هذا الأمر أكثر صعوبة.

وفي الواقع، فقد أظهر ماتياسيفيتش في عام 1970 أن مسألة هيلبرت العاشرة غير قابلة للحل، أي أنه لا توجد طريقة عامة لتحديد متى يكون لهذه المعادلات حل.

ولكن في حالات خاصة يمكن للمرء أن يأمل قول شيئ ما عندما تكون الحلول هي نقاط من (abelian variety)، ويؤكد بيرتش وسوينرتون-ديير في الحدسيَّة أن حجم مجموعة من النقاط يرتبط بسلوك الدَّالة زيتا بالقرب من النقطة s = 1.

وأنه إذا كانت قيمة الدالة زيتا معدومة عندما s=0، فهناك عدد لا حصر له من النقاط (الحلول)، والعكس بالعكس، إذا كانت قيمة الدالة زيتا لا تساوي الصفر عندما تكون s =1 فليس هناك سوى عدد محدود من هذه النقاط.
هل تشعر بالتحدي؟ إذا أردت الحصول على معلوماتٍ إضافيَّةٍ بإمكانك مراجعة موقع معهد كلاي وستجد هناك أيضًا قواعد المسابقة وكتاب رائع يسمى مسائل الألفيَّة (The Millennium Problems) للرياضي كيث ديفلين (Keith Devlin) الذي يدخل في تفاصيل المسائل ومختلف فرق الرياضيين الذين يعملون على حلِّها اليوم حول العالم.


إعداد: دعاء عساف
تدقيق: عبدالله الصباغ
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث
المصدر الرابع
المصدر الخامس
المصدر السادس
المصدر السابع
المصدر الثامن
المصدر التاسع