يتشكل الألماس في الطبيعة في أعماق الأرض ويستغرق تكوُّنه مليارات السنين، ويحتاج إلى بيئات ذات ضغط شديد الارتفاع ودرجات حرارة تتجاوز 1000 درجة سلسيوس. لكن فريقًا من العلماء استطاع أخيرًا صنع نوعين مختلفين من الألماس بدرجة حرارة الغرفة وفي غضون دقائق، وهي المرة الوحيدة التي تنجح فيها عملية صناعة الألماس من دون درجات حرارة مرتفعة.

نُشرِت نتائج هذه التجربة في مجلة Small.

أكثر من شكل واحد للألماس:

ترتبط ذرات الكربون مع بعضها بعدة طرق لتُشكِّل مواد مختلفة منها الغرافيت الأسود الخفيف والألماس الشفاف القاسي.

توجد العديد من الأشكال المعروفة للكربون والمشابهة في ترابطها لترابط الغرافيت، ومنها الغرافين وهو من أقل المواد المُكتَشفة ثخانة، لكن هل تعلم أنه يوجد أكثر من نوع من المواد ذات التكوين الكربوني التي يشبه ترابط ذراتها ترابط ذرات الألماس؟

في ذرات الألماس العادية، تكون ذرات الكربون مرتبة على شكل هيكل مكعب بلوري، لكن يمكن ترتيب ذرات الكربون على شكل هيكل سداسي بلوري أيضًا.

يسمى هذا النوع من الألماس «ألماس لونسداليت» نسبة إلى عالمة البلوريات وزميلة الجمعية الملكية كاثلين لونسدال، التي درست بنية الكربون باستخدام الأشعة السينية.

يوجد اهتمام متزايد بألماس لونسداليت، الذي يُتَوقَّع أن يكون أكثر صلابة من الألماس العادي بنحو 58 % ليكون بذلك أكثر المواد الطبيعية صلابة.

اكتُشِف ألماس لونسداليت أول مرة في الطبيعة في موقع فوهة نيزك كانيون ديابلو في أريزونا. واستطاع العلماء بعد ذلك إنتاج كميات ضئيلة منه بتسخين الغرافيت وضغطه، إما باستخدام المتفجرات أو مكبس عالي الضغط.

لكن بحثًا أخيرًا أظهر إمكانية إنتاج كل من الألماس العادي واللونسداليت في المختبر بدرجة حرارة الغرفة باستخدام ضغط مرتفع فقط.

لأول مرة، العلماء يصنعون الألماس في المختبر من دون حرارة - تصنيع الماس مخبريًا - صنع نوعين مختلفين من الألماس بدرجة حرارة الغرفة وفي غضون دقائق

الطرق المختلفة لصناعة الألماس:

ترجع صناعة الألماس مخبريًا إلى عام 1954، عندما ابتكر «تريسي هول» من شركة جنرال إلكتريك طريقة تحاكي الظروف الطبيعية داخل قشرة الأرض، مع إضافة محفزات معدنية لتسريع عملية تشكل الألماس.

واستطاع إنتاج ألماس بدرجات حرارة وضغط مرتفعتين، وكان الألماس الناتج يشبه الألماس الموجود في الطبيعة لكنه كان أصغر حجمًا وأقل نقاء. ولا يزال هذا النوع من الألماس يُصنَّع لأغراض تجارية.

الطريقة الأخرى المنتشرة لتصنيع الألماس هي طريقة الغاز الكيميائي، التي تستخدم ألماسة صغيرة لتكون بمثابة «بذرة» تنمو منها ألماسات أكبر، تحتاج هذه الطريقة إلى درجات حرارة تبلغ نحو 800 درجة سلسيوس. ومع أنها تستغرق وقتًا طويلًا فالألماسات الناتجة تكون أكبر حجمًا وخالية تقريبًا من العيوب.

توحي لنا الطبيعية بطرق أخرى أيضًا لتشكيل الألماس، مثل عمليات الاصطدام العنيفة للنيازك بالأرض، وعمليات الاصطدام فائقة السرعة للكويكبات داخل نظامنا الشمسي التي ينتج عنها ما يُطلَق عليه اسم «الألماس الفضائي».

وقد حاول العلماء فهم الطريقة التي يتشكل بها الألماس الفضائي فهمًا دقيقًا، وتوجد بعض الأدلة التي تشير إلى أنه بالإضافة إلى الضغط المرتفع ودرجات الحرارة العالية، قد تؤدي عوامل الانزلاق -التي تُعرَف أيضًا باسم قوى القص-دورًا مهمًا في تحفيز تكوِّن الألماس.

يُدفَع الجسم المتأثر بقوى القص باتجاه واحد من الأعلى وبالاتجاه المعاكس من الأسفل. كأن ندفع بمجموعة من أوراق اللعب من الأعلى نحو جهة اليسار ومن الأسفل نحو جهة اليمين، سيؤدي هذا إلى إجبار المجموعة على الانزلاق لتتناثر أوراق اللعب، ولهذا السبب سميت قوى القص بقوى الانزلاق.

صناعة الألماس في درجة حرارة الغرفة:

صمم فريق العمل تجربة عُرِّضت فيها رقاقة صغيرة من الكربون المشابه للغرافيت لكل من قوى القص والضغط المرتفع لتحفيز تكوِّن الألماس. وعلى عكس عمليات تكوين الألماس الأخرى، لم تُعرَّض الرقاقة لدرجات حرارة مرتفعة في أثناء ضغطها.

اعتمد العلماء في التجربة على مجهر الكتروني متطور -يُستَخدم عادة لالتقاط صور عالية الدقة- فنتج عن التجربة عينة احتوت على الألماس العادي وألماس اللونسداليت. كان تشكيل الذرات الناتج فريدًا من نوعه ولم يُشاهَد سابقًا، واحتوى على «نهر» من الألماس أصغر بنحو 200 مرة من شعرة رأس الإنسان، محاطًا ب«بحر» من اللونسداليت.

كانت التركيبة الناتجة شبيهة بنطاقات القص التي شوهدت في مواد أخرى، حيث يُطبَّق جهد شديد ومُركَّز على منطقة ضيقة من المادة، ويعني هذا أن قوى القص كان لها دور مهم في تكوين ذرات الألماس في درجة حرارة الغرفة.

استخدامات التقنية الجديدة:

تفتح إمكانية صناعة الألماس في درجة حرارة الغرفة وفي غضون دقائق قليلة، تفتح المجالات لإمكانية استخدامه في صناعات متعددة. خاصة أن صنع اللونسداليت -الأقسى كثيرًا من الألماس العادي- بهذه الطريقة يعَدُّ خبرًا جيدًا للقائمين على الصناعات التي تحتاج إلى مواد شديدة القساوة، فالألماس على سبيل المثال يُستَخدَم في تغطية أجزاء رؤوس الحفر والشفرات في الأدوات الثقيلة لإطالة عمرها ومدة استخدامها.

يكمن التحدي التالي بالنسبة للعلماء في تقليل الضغط اللازم لتشكيل الألماس، في التجربة الأخيرة بلغت أقل درجة ضغط تشكَّل فيها الألماس في درجة حرارة الغرفة 80 جيجا باسكال، ويعادل هذا وقوف 640 فيلًا إفريقيًا فوق فردة حذاء باليه واحدة!

لو توصَّلنا إلى طريقة لصنع الألماس العادي وألماس اللونسداليت في درجات ضغط أكثر انخفاضًا، لاستطعنا أن نصنع كميات أكبر وأرخص من الألماس بوقت أسرع.

اقرأ أيضًا:

ما هو الألماس ؟ وكيف يتكون الألماس في الطبيعة؟

صخرة مرصعة بالألماس تسبح خارج الأرض تثير حيرة المراقبين

ترجمة: فادي جبارة

تدقيق: بهاء قاسم

مراجعة: وئام سليمان

المصدر