لا تستطيع الإقلاع عن شرب الكحول؟ إليك السبب وأضرار ذلك على صحتك


نسمع عن الكثير من الأشخاص الذين لا يستطيعون إكمال أسبوع أو حتى يوم واحد بدون أن يشربوا الكحول ( قد تكون منهم عزيزي القارئ )، فما الذي يحدث في دماغنا ليجعله ضعيف أمام إغراء هذا الشراب؟ وكيف يحدث الإدمان؟

حدّد العلماء في بحث مشترك قامت به جامعتَي ينكوينج Linköping University في السويد وجامعة ميامي Miami University في الولايات المتحدة الآليّة الجزيئيّة في الدماغ التي يحدث بسببها الإدمان على الكحول.

قام فريق البحث بقيادة الدكتور ماركوس هيليج Markus Heilig بتحديد أنزيم ينخفض إنتاجه في الفصّ الجبهي من الدماغ عندما يتطوّر شرب الكحول إلى حالة من الإدمان.

يقول ماركوس هيليج Markus Heilig وهو أستاذ في الطّب النّفسي ورئيس مركز علم الأعصاب الاجتماعي والعاطفي SCAN في جامعة ينكوينج: «لقد عملنا جاهدين على اكتشاف ذلك، دُرس أنزيم PRDM2 سابقًا في أبحاث حول السرطان، لكننا لم نكن نعرف بوجود دور له داخل الدماغ ».

وقد قام فريق البحث بربط أبحاثه بأبحاث أخرى لحالات الإدمان وبأبحاث أجريت مؤخّرًا على الدماغ.
من المعروف لدى العلماء منذ فترة طويلة أن الإدمان على الكحول يضعف من وظيفة الفص الجبهي ولكن آليّة ذلك كانت مجهولة تمامًا.
إنّ حدوث خلل في وظائف الفصّ الجبهي سيجعل من الصّعب على الشخص التحكّم بانفعالاته، مثلًا الشخص السليم القادر على التحكّم بانفعالاته لو مر في يوم حار بجانب بار وفكر بشرب البيرة سيقنع نفسه بأنّه لن يستطيع الشرب الآن لأنّ عليه العودة إلى العمل، أمّا المدمن على الكحول لن يكون لديه هذه القوة، ولن يستطيع السيطرة على انفعالاته بشكل كافٍ ليمنع نفسه عن الشرب، سيبرّر لنفسه مثلًا بأنّه يوم حار وأنّه يشعر بالعطش.

يقول الدكتور هيليج :Heilig «يتحكّم أنزيم PRDM2 بتعبير جينات متعدّدة عن عملها، هذه الجينات تُعتبر ضروريّة لإطلاق إشارات فعّالة بين الخلايا العصبية، فعندما يقلّ إنتاج الأنزيم ستكون إشارات الخلايا العصبية غير فعّالة بدرجة كافية لمنع الشخص من الانجرار وراء شرب الكحول».

العديد من الأبحاث التي أجريت لسنوات عدّة تقف وراء هذا الاكتشاف، فهناك دور أساسيّ قام به الدكتور إستل باربير Dr Estelle Barbier وهو زميل مابعد الدكتوراه في مركز SCAN، فقد أظهر أنّ الإدمان على الكحول يقود إلى إنتاج أقل لأنزيم PRDM2 في الدماغ، بالتالي ستضطرب السيطرة على الانفعالات عند حيوانات المختبر، مما سيدفعها إلى الاستمرار في استهلاك الكحول حتى لو لم تكن بغية جلب السعادة لهم، فقد كانوا يسارعون إلى استهلاكها حتى عند شعورهم بالإجهاد.

في خطوة أخرى للتأكّد من النتائج التي وصلوا إليها، قام العلماء بإيقاف تصنيع أنزيم PRDM2 في الفص الجبهي لجرذان غير مدمنة، وحصل ما توقعوه، فقد أبدت الجرذان سلوك مماثل لسلوك الجرذان المدمنة بعدم القدرة على التحكم بانفعالاتهم.

حسنًا، بالنسبة إلى الإدمان على الكحول لايسعنا القول إلّا أنّ الوقاية خير من العلاج، فجميعنا نعلم أنّ الإدمان على الكحول أمر ضار بالصحة بشكل كبير، وقد يسبّب مشاكل صحيّة تصل إلى مرحلة غير قابلة للعلاج، كتشحّم الكبد، وتشمّعه، وحتى سرطان الكبد، حيث أنّه من المعروف أنّ الكحول عامل خطر رئيسيّ لحدوث سرطان الكبد، وبحسب رأي الدكتورة جيني كونور Jenniee Connor من جامعة أوتاغو في نيوزيلندا، فالكحول عامل خطر أساسي في ستة أنواع أخرى من السرطان، هي سرطانات الحلق ( البلعوم الفموي ) والحنجرة والبلعوم والكولون والمستقيم والثّدي.

وتبيّن أيضًا أنّه قد لا يتوقف الأمر عند هذه السرطانات السبعة فقط.

في الواقع لم يكتشف العلماء بعد الآلية الحقيقية التي تجعل من الكحول عامل خطر كبير لكل هذه السرطانات.
تبين الدكتورة كونور Connor بأنّ حدوث السرطان غالبًا يتبع منحني (جرعة-استجابة)، بما معناه أنّه كلما ازداد استهلاك الكحول من قبل الشخص ازداد احتمال حدوث السرطان.

وبحسب كونور Connor فالارتباط الأكبر الذي وجدَته كان بين الكحول وسرطان الفم، وقالت بأن 50 غرام من الكحول يوميًا يزيد من خطر حدوث سرطان الفم سبعة أضعاف.

وجاء في مجلة تلغراف أن النساء اللواتي يشربن 5 وحدات من الكحول ( ما مقداره 70 غرام من الكحول ) يزداد خطر إصابتهن بسرطان الثدي بنسبة 40% ( قدّر المعهد الوطني لمراقبة شرب الكحول والإدمان بأنّ وحدة الكحول تساوي تقريبًا 14 غرام منه ).

وفقًا لمسؤولي الصّحة في المملكة المتحدة، لايوجد هناك مستوى معين يكون عنده شرب الكحول غير ضار.
كما ذكرنا سابقًا فالآليّة التي تسبب السرطان عند شاربي الكحول لازالت غير واضحة بعد، لكن الفرضية الأكثر شيوعًا هي تأثير الإيتانول بشكل مباشر على الحمض النووي DNA مؤدّيًا لحدوث طفرات وراثية تقود لحدوث السرطان.

حسنًا إنها لاتزال فرضية، وقد تكون خاطئة، فلسنوات طويلة اعتقد العلماء أن القهوة عامل خطر للسرطان، ولكن تبين في النهاية أن السبب ليس القهوة إنما المشروبات الساخنة للغاية التي تحرق الحلق مسببة طفرات في الخلايا ورافعة بذلك خطر حدوث السرطان.

لكن بالطبع يختلف الكحول عن القهوة بالكثير من الأشياء، فشرب الكحول أمر غير صحي أبدًا والإدمان عليه أمر بالغ الخطورة.
يقول الأستاذ هيليج :Heilig «رأينا أنّ نقص في جزيء واحد في الدماغ أدى إلى خصائص هامّة أدت لحدوث الإدمان، لقد فهمنا ما الذي يحدث داخل دماغ المدمنين، ونأمل بإيجاد العلاجات الفعالة في المستقبل، ولكن بالطبع سيكون من الأفضل التخلّص من الإدمان على الكحول بدلًا من معالجته».


إعداد: ولاء سليمان
تدقيق: سارة عمّار
المصدر