غيّرت نظرية ميكانيكا الكم الحياة اليومية منذ طرحها قبل قرن من الزمان، إلا أن آلية عملها لا تزال لغزًا، وينقسم الفيزيائيون بشدة حول حقيقة ما يحدث، وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة نيتشر. «اصمت واحسب!» مقولة شهيرة في فيزياء الكم تُجسّد إحباط العلماء الذين يكافحون لكشف إحدى أعظم مفارقات العالم.
وصفت المعادلات القائمة على ميكانيكا الكم على مدار القرن الماضي سلوك الأجسام متسقًا ودقيقًا، ومع ذلك لا أحد يعلم ما يحدث في الواقع الفيزيائي الكامن وراء هذه الرياضيات.
بدأت المشكلة مع مطلع القرن العشرين، عندما أدرك العلماء أن المبادئ الكلاسيكية للفيزياء لا تنطبق على الأشياء على مستوى الذرات، ومن المُحير أن الفوتونات والإلكترونات تتصرفان بوصفهما جسيمات وأمواج، وقد تكونان في مواقع مختلفة في آنٍ واحد، وأن يكون لديهما سرعات أو مستويات طاقة مختلفة.
طوّر الفيزيائي النمساوي إروين شرودنغر والألماني فيرنر هايزنبرغ عام 1925 مجموعة من الأدوات الرياضية المُعقدة التي تصف ميكانيكا الكم باستخدام الاحتمالات، إذ مكّنت هذه الدالة الموجية التنبؤ بنتائج قياسات الجسيم. أدت هذه المعادلات إلى تطوير كمّ هائل من التقنيات الحديثة متضمنةً الليزر، ومصابيح LED، وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، والترانزستورات المُستخدمة في أجهزة الكمبيوتر والهواتف.
اجتمع نخبة من علماء الفيزياء البارزين في العالم الشهر الماضي في جزيرة هيليغولاند الألمانية احتفالًا بالذكرى المئوية لميكانيكا الكم، حيث كتب هايزنبرغ معادلته الشهيرة. شارك أكثر من 1100 منهم في استطلاع أجرته مجلة نيتشر العلمية الرائدة. أظهرت النتائج وجود «انعدام واضح للإجماع بين علماء الفيزياء حول ما تقوله نظرية الكم عن الواقع».
أيد أكثر من ثلث المشاركين النظرية الأكثر قبولًا، المعروفة باسم تفسير كوبنهاغن. لكل شيء في العالم الكلاسيكي خصائص محددة -مثل الموضع أو السرعة- سواء رصدناها أم لا. هذا ليس هو الحال في عالم الكم، وفقًا لتفسير كوبنهاغن الذي طوره هايزنبرغ والفيزيائي الدنماركي نيلز بور في عشرينيات القرن الماضي.
تقول النظرية إنه فقط عندما يقيس مراقب جسمًا كميًا، فإنه يستقر على حالة محددة من بين الخيارات الممكنة، ويُوصف هذا بـ «انهيار» دالة الموجة إلى احتمال واحد. أشهر تصوير لهذه الفكرة هو قطة شرودنجر، التي تبقى حية وميتة في صندوق، حتى يختلس أحدهم النظر إلى الداخل.
قال الفيلسوف الفيزيائي البرازيلي ديسيو كراوس: «إن تفسير كوبنهاغن هو أبسط تفسير لدينا، أما البدائل فهي أعقد وتطرح مشكلات أخرى».
يؤيد كثير من الفيزيائيين أفكارًا أخرى. اختار 15% من المشاركين تفسير العوالم المتعددة، وهو إحدى النظريات العديدة في الفيزياء التي تقترح أننا نعيش في أكوان متعددة. يؤكد هذا التفسير أن دالة الموجة لا تنهار، بل تتفرع إلى أكوان بعدد من النتائج المحتملة. لذا عندما يقيس مراقب جسيمًا، فإنه يحصل على موقع عالمه، لكنه في جميع المواقع المحتملة الأخرى عبر أكوان موازية عديدة.
«يتطلب الأمر تعديلًا جذريًا في حدسنا تجاه العالم، ولكن بالنسبة لي، هذا ما يجب أن نتوقعه من نظرية أساسية للواقع».
انقسم خبراء الكم حول أسئلة كبيرة أخرى تواجه هذا المجال. هل يوجد حد فاصل بين العالم الكمي والعالم الكلاسيكي، حيث تتغير قوانين الفيزياء فجأةً؟ أجاب نحو نصف الفيزيائيين بنعم على هذا السؤال، في حين أجاب النصف الآخر بلا، وأعرب 25% عن ثقتهم بصحة التفسير الكمي الذي اختاروه، واعتقد 75% أنه سيُستبدل بنظرية أشمل.
اقرأ أيضًا:
باحثون يطورون تقنية جديدة لاستخراج معلومات دقيقة من الأنظمة الكمومية
أجهزة الحاسوب الكمومية قد تشكل خطرًا حقيقيًا على مستقبل التكنولوجيا
ترجمة: محمد الشرقاوي
تدقيق: أكرم محيي الدين