مع أن جائحة كوفيد-19 بدأت منذ عدة أشهر فقط، وصل أكثر من 30 لقاحًا مرشحًا لأن يكون فعالًا في الوقاية من فيروس كورونا إلى مرحلة التجارب على البشر. لكن تحتاج معظم اللقاحات سنواتٍ للوصول إلى هذه المرحلة.

لذا، كيف سنعرف: هل أول لقاح مُصادق عليه لكوفيد-19 آمنٌ وفعالٌ كفاية ليُستخدَم على نطاق واسع؟

أخبر الخبراء موقع Live Science أنه يجب أن تجتاز كل اللقاحات المرشحة لكوفيد-19 نفس أطوار التجارب السريرية قبل الحصول على مصادقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA، وذلك مثل أي لقاح آخر.

وأضافوا: «للوصول إلى مصادقة إدارة الغذاء والدواء FDA، تضم هذه التجارب آلاف المشاركين وتعمل تبعًا لبروتوكولات شاملة لتتبع التأثيرات الجانبية للقاح، لذا بإمكان العامة الوثوق أن اللقاحات المُصادق عليها آمنة».

أخبر علي سليم، وهو رئيس قسم العلوم الصيدلانية وأستاذ فيه في كلية الصيدلة في جامعة لوا، موقع Live Science في إيميل: «سيكون اللقاح الضعيف الذي يسبب تأثيرات جانبية دون تأمين الحماية ضد العدوى مشكلة».

وأضاف: «من المتوقع أن يفشل لقاح كهذا في تحقيق الشروط المطلوبة للفعالية والأمان بحسب توجيهات إدارة الغذاء والدواء FDA، لذا لن يُصادق عليه ويُعرض للبيع في السوق».

احتمالات إيجاد لقاح فعال جيدة: تجتاز اللقاحات المرشحة للأمراض المُعدية عملية مصادقة إدارة الغذاء والدواء FDA بمعدلات أعلى من الأنماط الأخرى من الأدوية.

وفقًا لدراسة نُشرَت عام 2019 في صحيفة Biostatistics، يُصادق على نحو ثلث اللقاحات المرشحة للأمراض المُعدية في النهاية، بينما يُصادق على أقل من 8% من أدوية السرطان.

قالت ماريا إلينا بوتازي، وهي نائبة عميد المدرسة الوطنية لجامعات بايلور في الطب الاستوائي: «للتأكد من أن لقاحًا ما سيكون آمنا على كل المتلقين سواء كانوا شبابًا أو كبارًا في السن أو أصحاء أو لديهم عوامل خطورة للإصابة الشديدة بكوفيد-19، يجب تمثيل كل هذه الفئات في التجارب السريرية».

وأضافت: «تؤكد التجارب النموذجية أيضًا إن كان اللقاح يعمل جيدًا في مجموعة دون أخرى، عندها سيُصادق على اللقاح لهذه المجموعة فقط».

لقاحات كوفيد-19 في مسار سريع للحصول على الموافقة.. كيف سنعلم أنها آمنة - أول لقاح مصادق عليه لكوفيد-19 - متى سيظهر لقاح الكورونا - التجارب السريرية

التجارب الصارمة على البشر

أصدرت إدارة الغذاء والدواء FDA في حزيران دليل توجيهاتها للمصادقة على لقاحات كوفيد-19.

وصفت الوكالة تقييمات السلامة الواجب على اللقاح أن يجتازها وأشارت إلى أنه ينبغي للّقاح أن يظهر فاعليته بنسبة 50% على الأقل في التجارب السريرية ، وهذا يعني أن الأشخاص الذين يأخذون اللقاح ستقل احتمالية إصابتهم بفيروس كورونا –بالظروف المثلى- إلى النصف مقارنة بالأشخاص غير الملقحين.

قال سليم: «هذا معيار شائع لاختبار لقاح الإنفلونزا من إدارة الغذاء والدواء FDA، وأظهر في الماضي أنه دلالة فعالة لتحديد فعالية اللقاح».

أخبرت الدكتورة سارة جورج وهي أستاذة مساعدة في الأمراض المُعدية والمناعة في جامعة سانت لويس، موقع Live Science في إيميل: «تؤمن فعالية 50% حمايةً أقل من حماية بعض اللقاحات الأخرى، لكن بفضل تقليل عبء الحالة الناتج عن هذا، ما تزال نسبة 50% مهمة».

وأضافت: «تذكر، كل حالة تمنعها من الإصابة تعني أيضًا أنك قطعت حلقة انتقال الفيروس، لذلك فإن نسبة القطع بـِ 50% هي نسبة مناسبة».

كلما كان عدد المصابين أقل أصبح الفيروس غير قادر على الانتشار في المجتمع بنفس السرعة، وبالالتزام بإجراءات الوقاية من المرض كالتباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة -الكمامات- تستطيع اللقاحات أن تقلل كثيرًا من فرصة نقل المصابين للفيروس.

تبعًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC، يستطيع العلماء بدء تقييم فاعلية اللقاح في الطور الثاني والثالث من التجارب السريرية وذلك بمراقبة كيفية استجابة الجسم للقاح.

في الحالة المثالية، يصنع الجهاز المناعي أجسامًا مضادة تستهدف فيروس سارس-كوف2 وتبطله، وبذلك يحمي الأشخاص الملقحين إذا تعرضوا يومًا للفيروس.

قد تبدأ تجارب الطور الثالث -التي تضم عشرات آلاف المتطوعين- بكشف الاختلافات في معدل العدوى بين الأشخاص الملقحين وغير الملقحين، ولكن تصبح هذه الاختلافات أوضح كلما كان عدد المتطوعين أكبر ودامت التجارب مدةً أطول.

نشر موقع Live Science سابقًا أن الدكتور أنتوني فاوسي وهو مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية قال في شهر نيسان: «قد يُصادق على لقاح كوفيد-19 الذي يحث على استجابة مناعية قوية في تجارب الطور الثاني للضرورة دون إكمال تجارب الطور الثالث».

ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC، تستمر تجارب الطور الثالث للقاحات عدة سنوات.

قال فاوسي: «من المحتمل أن يُصادق على لقاح فيروس كورونا للضرورة بوقت أقصر نظرًا إلى الوضع الراهن».

قد تُسرّع عملية التجريب عبر التجارب المشتركة، إذ تُجرَى عدة أطوار للتجربة معًا.

قالت بوتازي حول كون فكرة التجارب المجتمعة أو المكثفة تبدو خطيرة: «هذا لا يعني أنهم سيتخطون متابعة هؤلاء الأشخاص».

وأضافت: «وبشكل مهم، توجد استراتيجية واضحة تَلي الطور الثالث -موجهة من إدارة الغذاء والدواء- للمراقبة بعد التسويق»، التي تضم مراقبة الأشخاص الذين تلقوا لقاحًا قد صُرّح به لعدوى ما ومراقبة التأثيرات الجانبية التي قد لا تظهر في التجارب السريرية.

لكن تبقى الحقيقة تِبعًا لما أشار إليه سليم: «لا يمكن استخدام الاستجابة بالأجسام المضادة لوحدها في تحديد فعالية اللقاح وقدرته على منع العدوى»، ولا يمكن استخدامها أيضًا في تحديد قدرة اللقاح على تقليل شدة العدوى.

يمكن حساب هذه القياسات فقط عبر تجارب الطور الثالث الكبيرة المطوّلة والمراقبة بعد التسويق.

بمعنى آخر، تجاوز الطور الثالث كليًا سيكون خطيرًا.

اكتشاف التأثيرات الجانبية

وفقًا لإدارة الغذاء والدواء FDA، يتلقى المشاركون في تجارب الطور الأول جرعات مختلفة من اللقاح ويُراقَبون لتحديد التأثيرات الجانبية التي قد تظهر عليهم.

تتلوها تجارب الطور الثاني والثالث لمراقبة الآثار الجانبية المرتبطة باللقاح، بينما تركز أيضًا على آلية تفاعل اللقاح مع الجهاز المناعي.

من المتوقع أن تكشف تجارب الطور الثالث التأثيرات الجانبية الشديدة الأكثر شيوعًا للقاح فيروس كورونا، خاصة إذا كانت «تضم عشرات آلاف الأشخاص» بحسب ما قالته سارة جورج.

أضاف سليم: «ومع ذلك، ستبقى المراقبة بعد التسويق ضروريةً لتأكيد بقاء معدل التأثيرات الجانبية منخفضًا في المجموعات السكانية الأكبر».

مثال على ذلك، نشر موقع Live Science سابقًا: ظهرت الحُمى عند نحو 1% إلى 2% من الأشخاص الذين عانوا أعراض الإنفلونزا.

سيظهر هذا النمط من الأعراض الجانبية في التجارب السريرية ، لكن قد لا تظهر الأعراض الجانبية النادرة إلا بعد تصديق اللقاح.

على سبيل المثال، نشر موقع Live Science سابقًا أنه لم يُربَط بين لقاح الفيروس العَجَلِي (فيروس روتا) -الذي يحمي من مرض إسهالي شديد- والخلل المعوي المعروف باسم الانغِلاف -الذي ينزلق فيه جزء من الأمعاء إلى المناطق المجاورة- إلا بعد الموافقة على اللقاح.

ربطت دراسة أجريت عام 2014 هذا اللقاح لخمس عشرة حالة إضافية للانغلاف من مليون طفل ملقح، لكن لاحظ الخبراء أن فوائد اللقاح تجاوزت هذا الخطر الصغير.

يستطيع مطورو اللقاح مراقبة أثر جانبي واحد في التجارب السريرية ، يسمى التعزيز المُعتمد على الأجسام المضادة ADE وهي ظاهرة متناقضة تترك الجسم أكثر عرضة للعدوى بعد التلقيح، وذلك بحسب ما نشره موقع Live Science سابقًا.

قد يحدث التعزيز المعتمد على الأجسام المضادة عندما يولد الجسم القليل من الأجسام المضادة لقتل الفيروس، لكن هذه الأجسام المضادة القليلة ترتبط بالفيروس وتوصله للخلايا الهدف.

وفقًا لرأي نُشِر في السادس عشر من آذار في صحيفة Nature، أثارت اللقاحات المرشحة لفيروسات كورونا الحيوانية وسارس-كوف -الذي تسبب بانتشار المتلازمة التنفسية الشديدة الحادة في بداية الألفية- تأثيرات شبيهة للتعزيزات المعتمدة على الأجسام المضادة ADE في الحيوانات.

قد تظهر استجابات كهذه للقاح كوفيد-19 في الدراسات على الحيوانات، لكن ما يزال من الضروري مراقبتها في سياق التجارب على البشر، خاصةً في تجارب الطور الثالث الأكبر والأطول.

بما أن كلًا من تجارب الطورين الأول والثاني يستمران عدة أشهر، من المحتمل أن يصاب عدد قليل من المشاركين فيهما بكوفيد-19 خلال فترة الدراسة.

من الوراد أكثر أن تظهر أدلة وجود تعزيزات معتمدة على الأجسام المضادة ADE كلما كان عدد المشاركين المصابين بالفيروس أكبر، وهذا ما يُتوقَع من تجارب الطور الثالث.

قالت جورج: «نعرف وجود التعزيزات المعتمدة على الأجسام المضادة ADE إذا أصيب الأشخاص الذين أخذوا اللقاح في التجارب بكوفيد-19 بمعدلات أعلى مقارنة بالأشخاص الذين أخذوا الدواء الوهمي»، ما يعني أن الفيروس يعدي المجموعة الملقحة بنسبة أكبر.

وأضافت: «لن يتقدم أي لقاح مرتبط بالتعزيزات المعتمدة على الأجسام المضادة ADE إلى تجارب إضافية أو يحصل على تصديق إدارة الغذاء والصحة FDA».

وبحسب الرابطة الأميركية للكليات الطبية، إذا أثارت البيانات المجموعة في أي طور مخاوفًا مهمة حول السلامة أو الفعالية، قد تطلب إدارة الغذاء والدواء FDA مواصلة جولة أخرى من الدراسات أو توقف الدراسات تمامًا.

قالت جورج: «إذا ظهرت آثار التعزيزات المعتمدة على الأجسام المضادةADE، من المحتمل أن يستطيع مطورو اللقاح تحديد هوية أجزاء اللقاح التي تثير هذا التفاعل وإزالتها».

وأضافت: «لم تُحدَد هوية تلك البروتينات السطحية للفيروس التي تثير الجهاز المناعي ليستهدفها –أو المستضدات السطحية epitopes- في التجارب المتقدمة على الحيوانات أو البشر».

قد يحتاج تعديل اللقاح لهذه الدرجة دراسات إضافية للسلامة والفعالية أو قد يُبدأ من جديد بكامل عملية التصديق، وذلك تبعًا لتوجيهات إدارة الغذاء والدواء FDA.

اللقاح الأول لكوفيد-19 قد لا يكون اللقاح الأخير

ستخبرنا التجارب السريرية المُصَممة جيدًا إن كان لقاح كوفيد-19 آمنًا وفعالًا، لكنها غير قادرة على الإجابة عن سؤال هام:

ما المدة التي يحمي خلالها اللقاح الشخص من الفيروس؟

نشر موقع Live Science سابقًا: «تضاءلت المناعة ضد فيروسات كورونا الشائعة التي سببت أعراضًا مشابهة للزكام خلال نحو سنة إلى ثلاث سنوات».

وبصورة مشابهة، أظهرت دراسات سابقة حول السارس وفيروس كورونا المعروف باسم المتلازمة التنفسية للشرق الأوسط ميرس أن الأشخاص بقوا منيعين ضد فيروسات كورونا هذه لسنتين أو ثلاث سنوات على الأقل بعد العدوى الأولية.

ينبغي أن يحث لقاح كوفيد-19 على استجابة مناعية مشابهة ضد العدوى الطبيعية. بناءً على ذلك، قد تتضاءل المناعة المكتسبة من اللقاح خلال الوقت.

قالت بوتازي: «نحن لا نعلم كم ستستمر تلك الحماية، وعلى الأرجح سنحتاج إلى النظر إلى صياغات أخرى لنتطور في تلك الوجهة» بعد تصديق اللقاح الأولي.

وأضافت: «لهذا السبب من المحتمل أن نحصل على أجيال أولى وثانية وثالثة من اللقاحات».

إضافةً إلى حاجة المطورين إلى تصميم لقاحات تؤمن مناعة طويلة الأمد، قد يحتاجون إلى تصميم صياغات مختلفة للأشخاص الذين يتمتعون بخصائص سكانية مختلفة.

قالت جورج: على سبيل المثال «يجب علينا مستقبلًا إنجاز دراسات منفصلة على الأطفال فور حصولنا على لقاح واحد مُصَدَق للبالغين».

وقالت بوتازي: «أنت بالفعل قد رأيت ذلك في لقاح الإنفلونزا مثلًا»، الذي يأتي بعدة صياغات مصممة للشباب وكبار السن.

ووفقًا لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، يستطيع كبار السن (أكبر من 65 عامًا) اختيار تلقي حقن الإنفلونزا عالية الجرعة أو المُدعَّمة التي تحتوي مكونات مُضافة لزيادة استجابتهم المناعية.

أضافت بوتازي: «عندما يحصل لقاح كوفيد-19 على التصديق، سيكون من المهم الإبلاغ عن درجة الوقاية التي يُعتقَد أن اللقاح يقدمها بوضوح، والإشارة إلى المجموعة التي ستستفيد من تلقيه بالصورة الأفضل».

قالت جورج: «قد تضع إدارة الغذاء والدواء FDA عتبات مختلفة للسلامة، ويجب أن يجتازها اللقاح ليُصَدَق من أجل المجموعات ذات الخصائص السكانية الأخرى».

وأضافت: «ستعتمد هذه العتبات على التأثيرات الجانبية التي تظهر في التجارب السريرية ، وإذا كانت مخاطر هذه التأثيرات أكبر من فوائدها على مجموعة معينة».

على سبيل المثال، يبلغ معدل وفيات أطفال الولايات المتحدة بكوفيد-19 نحو 0.03% وذلك بحسب تقرير من الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال وجمعية مشفى الأطفال.

بينما قُدّر معدل وفيات كبار السن -أكبر من 65 عامًا- بنسبة 5.6% في تقرير نُشِر على OSF preprint server.

بالمقارنة بينهما، قد لا يكون استخدام اللقاح الذي يسبب تأثيراتٍ جانبية نادرة من قبل الأطفال مقبولًا، إذ إن درجة خطورة إصابتهم بعدوى حادة والموت من الفيروس منخفضة، لكن من المقبول استخدامه من قبل كبار السن الذين يعانون مضاعفات أسوأ من العدوى ذاتها.

قالت بوتازي: «بينما قد لا يعمل اللقاح الأول لكوفيد-19 عند الجميع، أو قد يقدم مناعة جزئية فقط، أنا أظن أنها بداية جيدة».

بالمختصر، سيمنع اللقاح متوسط الفعالية إصابة مجموعة من الناس بكوفيد-19، وبذلك سيبطئ الانتقال الفيروسي في المجتمع الأوسع نتيجة للحد من عدد الإصابات المحتملة.

وأضافت: «من المحتمل أن يعاني الأشخاص الملقحون الذين ما زالوا مصابين بكوفيد-19 مرضًا أقل شدة من الأشخاص غير الملقحين، ما يقلل العبء على نظام الرعاية الصحية ويقلل معدل الوفيات عمومًا».

وأضافت أيضًا: «وبما أن التأثيرات طويلة الأمد للعدوى ما زالت مجهولة، قد يحمي اللقاح أيضًا الأشخاص من مضاعفات صحية مستقبلية».

قال سليم: «يبقى الوصول إلى لقاح فعال ضد سارس-كوف2 فرصتنا الأكبر لجعل كوفيد-19 تحت السيطرة ولتعود الحياة إلى صورتها الطبيعية».

اقرأ أيضًا:

آخر الأخبار حول تطوير لقاح فيروس كورونا

متى سيصبح لقاح فيروس كورونا متاحًا

ما هو لقاح شركة مودرنا ضد كوفيد-19؟ وكيف يعمل؟

ترجمة: رؤى علي ديب

تدقيق: آية فحماوي

التصنيف: طب وصحة

المصدر