لا شك أن ابتكار لقاح لمرض ألزهايمر أمرٌ رائع ويبدو أقرب للخيال منه إلى الواقع، ولكننا في الحقيقة أقرب كثيرًا إلى هذا الهدف مما قد نعتقد. فإضافةً إلى توفير خيار علاجي جديد ومبتكر لمرض معروف بصعوبة علاجه؛ قد يفتح التطعيم الباب أمام أكثر الأهداف صعوبة (الوقاية من المرض). لقد تعمقنا في أحدث العلوم وتحدثنا إلى خبير في هذا المجال للاطلاع على المعلومات الداخلية حول اتجاه هذا البحث بهدف الإجابة عن السؤال المهم: «ما مدى قربنا من لقاح لمرض ألزهايمر؟».

لماذا اللقاحات؟

يوجد أنواع عديدة من الخرف ولكن مرض ألزهايمر هو الأكثر شيوعًا. ويعد مصدر قلق كبير ومتزايد باستمرار للصحة العامة. تُصنف المعاهد الوطنية للصحة حاليًا مرض ألزهايمر باعتباره المسبب الرئيسي السابع للوفاة في الولايات المتحدة.

يعمل العلماء لاكتشاف أسباب مرض ألزهايمر تمامًا وكيفية تطوره في الدماغ قبل أن تبدأ أعراضه (مثل فقدان الذاكرة) في الظهور. إنه مرض معقد، لذا فمن غير المرجح أن يُطوّر علاج واحد يناسب جميع المرضى.

تظهر سمات مميزة رئيسية لمرض ألزهايمر في أدمغة المرضى؛ وهي عبارة عن نوعين من تكتلات البروتين أميلويد بيتا وتاو. يُكوّن أميلويد بيتا لويحاتٍ تتراكم بين الخلايا العصبية، بينما تتجمع جزيئات تاو معًا في تشابكات داخل الخلايا العصبية نفسها.

توجد بعض العلاجات الدوائية المعتمدة حاليًا، التي قد تساعد في علاج الأعراض المعرفية لمرض ألزهايمر، على الأقل مؤقتًا. تتمثل أحد الجوانب المهمة لرعاية شخص مصاب بمرض ألزهايمر في رعاية صحته العاطفية والجسدية لأطول فترة ممكنة. فمن الشائع أن يعاني مرضى الخرف مشكلات النوم والقلق والأعراض السلوكية التي يُصعب إدارتها، لذا إن إيجاد استراتيجيات -مثل محاولة تخفيف التوتر قدر الإمكان- هي المفتاح للوقاية من المرض.

كان هناك الكثير من الضجة مؤخرًا حول فئة جديدة من الأدوية وهي الأجسام المضادة وحيدة النسيلة. احتل دواء أدوكانوماب (Aducanumab) عناوين الصحف في عام 2021 عندما أصبح أول دواء جديد معتمد للاستخدام في مرض ألزهايمر لمدة 18 عامًا. منذ ذلك الحين، أظهرت التجارب المبكرة لدوائين هما ليكانيماب (lecanemab) ودونانيماب (donanemab) نتائج واعدة. ومع ذلك، هناك بعض الجوانب السلبية الملحوظة للأجسام المضادة وحيدة النسيلة التي تجعلها غير مناسبة للجميع. مثلًا: تتطلب جرعات متعددة ومنتظمة للعمل بفعالية. أيضًا، هناك خطر حدوث تأثيرات غير مرغوبة أو غير مقصودة.

تستهدف الأدوية الثلاثة السابقة بروتين أميلويد بيتا. وكان أحد أهم الآثار الجانبية غير المرغوبة هي تشوهات التصوير المرتبطة بالأميلويد (ARIA)، أو نوعان مختلفان يسببان إما تورمًا أو نزيفًا صغيرًا في الدماغ. نادرًا، قد تؤدي إلى الوفاة لذلك يجب على مطوري الأدوية توخي الحذر الشديد بشأن هذا التأثير.

للتطعيم ضد مرض ألزهايمر نهج مختلف، إذ يجب تكرار الجرعات على مدار حياة الشخص أو على نحوٍ أقل قليلًا. قد يكون للتطعيم عالي الانتقائية تأثيرات قليلة غير مرغوبة، ولكن في الوقت نفسه له خطر حدوث مضاعفات أقل.

كيف يعمل اللقاح؟

التطعيم الفعال

سنركز على مناهج التطعيم الفعالة، وهو مجال يحدث فيه الكثير من الأبحاث المثيرة. إحدى المنظمات الرائدة في هذا المجال هي فاكسينيتي (Vaxxinity) ومقرها فلوريدا، التي تعمل حاليًا على تطوير واختبار العديد من الأدوية المرشحة للتطعيم لمرض ألزهايمر، إضافةً إلى الأمراض العصبية التنكسية الأخرى.

بالنسبة لمرضى ألزهايمر، ركزت فاكسينيتي على اللقاحات التي باستطاعتها إبطال فعالية البروتينات السامة التي تتراكم في الدماغ، وخاصةً بروتين بيتا أميلويد وتاو. مع تقدم التشخيص، يكمن الأمل في إمكانية إعطاء هذه اللقاحات في مراحل مبكرة جدًا، وعلاج المرض قبل تقدمه بصورة كبيرة أو حتى منع تلف الخلايا العصبية تمامًا.

آلية عمل لقاحات مرض ألزهايمر ليست مفهومًا جديدًا، ولكن تحسين تقنيات اللقاح كان ضروريًا للتغلب على التحمل المناعي بطريقة آمنة.

من بين اللقاحات العصبية المرشحة حاليًا في خطط فاكسينيتي والتي تشمل العلاجات التي تستهدف الصداع النصفي ومرض باركنسون؛ يعد لقاح UB-311 لمرض ألزهايمر هو الأكثر تقدمًا. إذ اجتاز المرحلة الأولى والمرحلة 2a السريرية.

يستهدف UB-311 بروتين أميلويد بيتا بصورة خاصة، وذلك لتجنب مخاطر التأثيرات غير المرغوبة التي نعلم أنها مرتبطة بعلاجات تعديل الأميلويد. فقد أظهرت التجارب حتى الآن أن UB-311 لديه ملف تعريف أمان ملائم.

قال دودارت، نائب الرئيس الأول للأبحاث في فاكسينيتي: «أظهرت التجارب السريرية حتى الآن أن UB-311 يمكن تحمله جيدًا لدى مرضى ألزهايمر في المراحل الخفيفة إلى المعتدلة، مع ملف أمان مشابه للعلاج الوهمي ولا توجد حالات من تشوهات التصوير ذات الصلة بالأميلويد، أو الوذمة، أو ARIA-E، في المرحلة 2a».

بعد هذه النتائج المبكرة الواعدة، يستمر تطوير UB-311. وفي الوقت نفسه، هناك مرشح آخر يسمى VXX-301 هو أيضًا في مراحل الاختبار قبل السريرية، وهي أول فترة للتجربة قبل أن يصبح الدواء جاهزًا للتجربة على البشر. يختلف VXX-301 قليلاً من حيث أنه يستهدف بروتين تاو. حتى الآن، تُشير الدلائل إلى أن UB-311 يحتمل أن يكون أكثر فعاليةً من استهداف تاو للأجسام المضادة وحيدة النسيلة التي ما تزال ضمن التجارب السريرية.

تعتقد فاكسينيتي أن هناك بعض المزايا الهائلة لنهج التطعيم الفعال مقارنةً بالعلاجات الدوائية الأخرى، حتى قد تكون أفضل من الأدوية البيولوجية مثل الأجسام المضادة وحيدة النسيلة.

أوضح دودارت: «إن إنتاج أدوية المضادة وحيدة النسيلة لتلبية احتياجات سكان العالم سيكون أمرًا صعبًا لأن صنعه مكلف للغاية، ويتطلب جزيئات حيوية كبيرة، وغالبًا ما يتعين إدارته في مراكز رعاية صحية متخصصة، ما يجعل من الصعب وصوله إلى أعداد كبيرة من الناس خاصةً عندما يجب إعطاء الحقن الوريدي كل بضعة أسابيع. قد يكون التطعيم الفعال ميزة في علاج مرض ألزهايمر لأن اللقاحات قد تكون أكثر أمانًا وأقل تكلفة من ناحية الحجم على الأقل وأسهل في الإدارة وأكثر قابلية ليكون في متناول أيدي الجميع».

أظهرت حملات التطعيم ضد فيروس كورونا كيفية تطعيم أعداد هائلة من الناس في فترة زمنية قصيرة. أضاف دودارت: «لا تستطيع تقنية الأجسام المضادة أحادية النسيلة ببساطة الوصول إلى هذه الأعداد الهائلة من الأشخاص، وهو أمر بالغ الأهمية نظرًا لوباء الخرف الوشيك الذي نواجهه».

أيضًا، شرح دودارت: «مناهج التطعيم الفعال مناسبة بصورة خاصة لمن يتبعون العلاج الوقائي ضد مرض ألزهايمر. نحن نعلم أنه يحصل في دماغ مرضى ألزهايمر تنكس عصبي لسنوات قبل أن يُشخص المرض، لذلك كلما كان العلاج مبكرًا، كانت النتيجة أفضل. قد توفر اللقاحات التي تُعطى قبل حدوث عملية التنكس العصبي، أي قبل التشخيص الفعلي بفترة طويلة، أفضل فرصة للقضاء على مرض ألزهايمر».

لقاح BCG

أيضًا، هناك خيط آخر مثير للاهتمام لهذه الحكاية وسيكون من التقصير منا إذا لم نذكره.

في أجزاء كثيرة من العالم، كان الناس يتلقون لقاح BCG عندما كانوا أطفالًا أو مراهقين، وقد ما يزال معظمهم يحملون الندبة!. يشير مصطلح BCG إلى عصية كالميت غيران، وهو لقاح طُوّر لمكافحة السل. في المملكة المتحدة، لم يعد يُمنح روتينيًا، ولكنه كان يُمنح للأطفال في المدرسة على مدى عقود. إنه لقاح آمن للغاية، ورائع في منع المضاعفات الأكثر خطورة لمرض السل، مع أن تأثيره في انتشار العدوى محدود جدًا.

لوحظ أن لقاح BCG له تأثيرات عديدة لحماية صحة الأطفال أكثر من مجرد حمايتهم من مرض معدي واحد. ابتكر العالمان بيتر آبي وكريستين بين -اللذان درسا تأثير لقاح BCG ولقاحات أخرى في السبعينيات- مصطلح «التأثيرات غير المحددة».

مؤخرًا، درس مجموعة من الباحثين التأثير الوقائي المحتمل للقاح ضد مرض ألزهايمر.

أظهرت النتائج التي أُبلغ عنها في مايو 2023 في شبكة JAMA المفتوحة، أن العلاج بلقاح BCG كان مرتبطًا بانخفاض خطر الإصابة بمرض ألزهايمر والخرف المرتبط به بنحو 20%، خاصةً لدى الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 70 عامًا وما فوق.

قال المؤلف الأول للدراسة، مارك واينبرغ: «كانت النتائج واعدة للغاية. إذا اكتُشف أن BCG يُقلل بطريقة مباشرة من مخاطر الإصابة بمرض ألزهايمر، فسيكون هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به للكشف عن الآلية الدقيقة».

ما زلنا في بداية البحث، ولكن قد يكون لهذا اللقاح القديم بعض الأسرار الجديدة لمشاركتها معنا.

إن البحث في الآليات والعلاجات المحتملة لمرض ألزهايمر مستمرٌ منذ عقود، ولكن لم نشهد سوى مؤخرًا المراحل السريرية من بعض هذه الأهداف. أيضًا، لدينا المزيد من الأدوات التحليلية الآن لتقييم أنواع مختلفة من البروتينات التي قد تكون متورطة في مرض ألزهايمر، إضافةً إلى المؤشرات الحيوية لحالة المرض وتطوره، والتي قد تفتح الباب لمزيد من الخيارات الطبية في المستقبل.

إذن ما مدى قربنا من الحصول على لقاح لمرض ألزهايمر؟

نحن أقرب من أي وقت مضى، والأمر لم يعد محض آمال، إذ إن هذا البحث يحدث ويتقدم في الوقت الحالي. ودودارت لا يتزعزع في تفاؤله ويقول: «أعتقد أنه في غضون سنوات ستكون هناك استراتيجية تطعيم معتمدة لمرض ألزهايمر».

إن الكلام المذكور سابقًا لا يعني أن هناك بديلًا عن الاستشارة الطبية المتخصصة أو التشخيص أو العلاج. يجب طلب مشورة مقدمي الرعاية الصحية المؤهلين وسؤالهم بشأن حالاتهم الطبية الفردية.

اقرأ أيضًا:

ما العلاقة بين الإصابة بمرض السكري وألزهايمر؟

ما علاقة الاكتئاب بمرض ألزهايمر؟

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: أسعد الأسعد

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر