يزداد يومًا بعد يوم استعمال الروبوتات والرجال الآليين والذكاء الاصطناعي لإنجاز مهام كان البشر يؤدونها. يساعد إنجاز الروبوتات لمهمات أولية مثل توزيع الأدوية على مختلف الطوابق في المستشفيات على تخفيف العبء عن الطاقم الطبي. ويستمر الحال على هذا المنوال إذا ما استمر فهمنا لمهام الروبوتات على أنها مهام إدراكية وحسب. ولكن، بمجرد أن نشعر أن تلك الروبوتات أصبحت شبيهة جداً بالبشر، ينتابنا شعورٌ بالغرابة والخوف، وحديثًا اكتشف العلماء السبب وراء ذلك.

الوادي الغريب (1) The Uncanny Valley:

تسبب نسخات البشر التي تشبهنا كثيرًا مشاعر مرعبة وغريبة، وهي حالة يسميها العلماء «الوادي الغريب». يرتاح البشر للرجال الآليين والروبوتات التي تكون ملامحها بشرية أكثر من آلية ولكن لحد معين فقط، إذ يختبر الكثيرون مشاعر غير مريحة عندما يرون روبوتات تبدو كأنها حية. وبحسب الدراسة الجديدة التي أجراها فريق من علماء النفس في جامعة إيموري فإن مشاعر الارتياح لرؤية الروبوتات قد تتحول إلى نفور كلما أصبح الروبوت الذي أمامنا أكثر شبهًا بالبشر.

عندما نرى وجهًا في كوب قهوتنا الصباحية أو صورةً ما في غيمة عابرة لا نشعر بالرعب، ولا حتى عندما نعطي أسماء لأمور غير حية كسيارتنا مثلًا. هذه الملحوظة دفعت بالباحث وانغ شنشنغ إلى افتراض وجود عامل آخر عدا التجسيم يتحكم بردود أفعالنا عندما نرى الرجل الآلي.

بعد أن وُضِع مصطلح «الوادي الغريب»، وُضِعت فرضية جديدة اسمها «المُدرك العقلي» تقترح أننا عندما نرى روبوتًا بملامح بشرية، فإننا نتعامل معها أوتوماتيكيًا وكأنها تمتلك عقلًا. وبحسب هذه النظرية، يسبب إحساسنا أن آلةً ما تمتلك عقلًا شعوراً بالنفور والاستغراب. ولكن وحد شنشنغ في دراسته أن العكس هو الصحيح. ليس إعطاؤنا عقلًا للرجل الآلي هو ما يسبب حالة «الوادي الغريب»، بل الخطوة الثانية التي تأتي بعد ذلك وهي تجريدنا إياها من إحساسنا بإنسانيتها وهي حالة تتولد نتيجة إحساسنا بأنها لا تمتلك عقلًا. وبهذا، وبدلًا من أن تكون هذه الحالة النفسية المتولدة لدينا إثر رؤية الروبوتات عملية بسيطة ذات خطوة واحدة، هي عملية ديناميكية.

لماذا تخيفنا الروبوتات الشبيهة بالبشر - استعمال الروبوتات والرجال الآليين والذكاء الاصطناعي لإنجاز مهام كان البشر يؤدونها - الروبوتات ذات الملامح البشرية

الدراسة الجديدة:

لدراسة الأدوار المحتملة لكل من نظرية «إدراك العقل» و«التجريد من الصفات البشرية» في ظاهرة «الوادي الغريب»، أجرى الباحثون دراسات ركّزت على البعد الزمني في العملية. عُرِض على المشتركين 3 أنواع من الصور: وجوه بشرية ووجوه لروبوتات ذات ملامح آلية ووجوه لروبوتات ذات ملامح بشرية. طُلِب من المشتركين بعدها تقييم «الحيوية» في تلك الصور. تلاعب الباحثون بطريقة منهجية بالمدة الزمنية للتعرض للصور في أثناء تقييم المشتركين لـ«الحيوية» في الصور أمامهم.

نُشِرت نتائج الدراسة في مجلة «Perception» وأظهرت أن إحساسنا بالحياة في الروبوتات يقل كثيرًا مع الوقت عند رؤيتنا لصور الروبوتات ذات الملامح البشرية وليس لصور الروبوتات ذات الملامح الآلية أو صور الوجوه البشرية. في أثناء رؤيتنا لصور وجوه الروبوتات ذات الملامح البشرية ، يقل إحساسنا بالحياة فيها بعد مرور مدة زمنية بين 100 و500 ملي ثانية. تنسجم هذه النتائج مع نتائج دراسة أخرى أثبتت أن البشر يبدؤون بالتمييز بين الوجوه الآلية والوجوه البشرية بعد مرور 400 ملي ثانية لتعرضهم لها.

في مجموعة دراسات أُخرى، تلاعب الباحثون بفترة التعرض للصور وبكمية التفاصيل في الصور المعروضة أمامهم والتي تراوحت بين رسومات للملامح وصور مغبشة تمامًا. أظهرت النتائج أن غياب التفاصيل عن الصور المعروضة لوجوه الرجال الآليين قلّل من الإحساس بالحيوية في تلك الصور ورافقه انخفاض في الإحساس بالاستغراب.

يقول وانغ: «العملية كلها معقدة ولكنها تحصل بسرعة رمشة عين. تثبت نتائج دراستنا أن البشر يشعرون خلال أجزاء من الثانية الأولى بصفات بشرية عند الرجال الآليين لتعود وتختفي خلال الثواني اللاحقة وهذا عند انتباهنا لاختلافها عنا. هذا الانخفاض في شعورنا بأن للرجال الآليين صفاتًا بشريةً هو ما يسبب ظاهرة الوادي الغريب».

بحسب وانغ، لهذه النتائج آثار في تصميم الروبوتات وفي فهمنا لعملية إدراك البشر لبعضهم. يشرح وانغ قائلًا: «يزداد دخول الروبوتات في المجال الاجتماعي يومًا بعد يوم سواء في المجال التعليمي أو الطبي، ولهذا من المهم أن نفهم العمليات الإدراكية البشرية للروبوتات من ناحية هندسية أو من ناحية علم النفس».

بحسب الباحثين، قد يساعد هذا البحث على كشف العمليات التي تدخل في ظاهرة «عمى الوعي» أي انعدام القدرة على التمييز بين البشر والآلات وهي ظاهرة موجودة في حالات التوحد الحادة والاضطرابات الذهنية، وإسقاط خصائص وصفات بشرية على أشياء غير حية هو أمر شائع؛ يقول وانغ: «نُسقِط أحيانًا صفات بشرية على الأشياء والآلات في محاولةٍ لفهمها مثل قططنا أو حاسوبنا».

هامش:

(1) الوادي الغريب: يشير مفهوم الوادي الغريب إلى أن الكائن الذي يشبه البشر الفعليين بشكل غير تام، يثير مشاعر غريبة مألوفة من الغضب والاشمئزاز عند المراقبين. يشير «الوادي» إلى انحدار ألفة المراقب الإنساني للنسخة المماثلة.

اقرأ أيضًا:

علماء يصنعون أول روبوتات حية في العالم

حين تسرق الروبوتات وظائفنا، من سيكون أكبر الخاسرين؟

ترجمة: زهراء حدرج

تدقيق: عون حدّاد

المصدر