يسبب كوفيد-19، المرض التنفسي الناجم عن فيروس كورونا المستجد مجموعةً متنوعةً من الأعراض التي تختلف شدتها من شخص لآخر، ونذكر منها الأعراض التنفسية مثل السعال وضيق التنفس، إضافةً إلى فقدان حاستي الشم والتذوق. هل يمكن القول إن فقدان حاسة الشم أو التذوق من الأعراض المبكرة لكوفيد-19؟

يُحتمل أن تؤثر التهابات الجهاز التنفسي العلوي مثل نزلات البرد أو الإنفلونزا على حاستي الشم والتذوق، إذ تشير التقديرات إلى حدوث فقدان مؤقت في حاسة الشم لدى أكثر من 60% من مرضى نزلات البرد والتهابات الجيوب الأنفية.

يرتبط إحساسا التذوق والشم ببعضهما ارتباطًا وثيقًا لدى البشر عمومًا، وعليه قد يؤثر فقدان حاسة الشم على حاسة التذوق لديك، إذ نوهت الدراسات المعنية بترافق 95% من حالات فقدان التذوق مع حدوث انخفاض في حاسة الشم.

قد يحدث فقدان حاسة الشم فجأةً لدى المصابين بكوفيد-19، وغالبًا ما يجتمع مع فقدان حاسة التذوق، وتجدر الإشارة إلى احتمالية ظهور هذين العرضين دون ترافقهما مع سيلان الأنف أو انسداده لدى هؤلاء المرضى، الذين قد يتسموا بفقدان باكر لحاسة الشم أو التذوق. وقد عمدت مراجعة حديثة إلى تقييم ثماني دراسات شملت 11,054 مريضًا من مرضى كوفيد-19، ورجحت فقدان حاستي الشم والتذوق قبل ظهور أعراض كوفيد-19 الأخرى.

يُذكر أن فقدان حاسة الشم يُعدّ مؤشرًا محتملاً لإصابة خفيفة بكوفيد-19، إذ وجدت إحدى الدراسات في وقت سابق من الجائحة ترافق فقدان حاسة الشم بصورة أكبر مع المرضى خارج المستشفيات، أكثر من المرضى داخلها.

لماذا يفقد مريض كوفيد-19 حاستي الشم والتذوق - كوفيد-19، المرض التنفسي الناجم عن فيروس كورونا المستجد - أعراض الإصابة بالكورونا فقدان حاسة الشم أو التذوق

كيف يتسبب كوفيد-19 بفقدان حاسة الشم أو التذوق؟

ما تزال آلية فقدان حاستي الشم والتذوق لدى مرضى كوفيد-19 غير واضحة وضوحًا تامًا، لكن بعض النظريات قد طُرحت في الساحة العلمية.

يرتبط سارس-كوف-2، فيروس كورونا المسبب لكوفيد-19، ببروتين يحمل اسم الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (ACE2)، ويوجد على سطح الخلايا المضيفة المحتملة، وبنسب أكبر في الخلايا الموجودة في الأنف والفم.

تتحدث بعض النظريات عن قدرة الفيروس على غزو الخلايا العصبية المرتبطة بحاستي الشم والتذوق مباشرةً، لكن دراسةً حديثةً في دورية ساينس أدفانس أثارت بعض الشكوك حول هذه الفكرة.

فشل الباحثون في العثور على (ACE2) في الخلايا العصبية المسؤولة عن كشف الروائح، لكنهم وجدوا هذا الإنزيم في الخلايا التي تحيط بهذه الخلايا العصبية وتدعمها، وعليه قد تؤدي إصابة هذه الخلايا المحيطة إلى درجات متنوعة من الالتهاب أو الضرر الذي يضعف قدرتك على الشم.

أُجريت أبحاث قليلة حول آلية تأثير كوفيد-19 على التذوق خاصةً؛ نظرًا إلى ترافق فقدان حاسة الشم وفقدان التذوق في كثير من الأحيان، فمن المعتقد حاليًا أن المصابين بكوفيد-19 يعانون فقدان حاسة التذوق نتيجة لفقدان حاسة الشم.

ما مدى شيوع هذه الأعراض؟

يختلف معدل انتشار فقدان الشم والتذوق المترافق مع كوفيد-19 اختلافًا كبيرًا عبر الدراسات؛ تعمقت دراسة حديثة نُشرت في دورية مايو كلينك بروسيدنغز في موضوع شيوع فقدان حاسة الشم أو التذوق في سياق كوفيد-19، إذ راجع الباحثون نتائج 24 دراسة، شملت بيانات ما يزيد عن 8000 شخص تأكدت إصابتهم بكوفيد-19، ووجدوا ما يلي:

  •  تراوح معدل انتشار فقدان حاسة الشم المُبلغ عنه بين 3.2٪ و98.3٪، وعليه بلغ متوسط انتشار فقدان حاسة الشم نحو 41٪.
  •  تراوح معدل انتشار فقدان حاسة التذوق المُبلغ عنه بين 5.6٪ و62.7٪، وعليه بلغ متوسط انتشار فقدان التذوق نحو 38.2٪.
  •  ترافق تقدم العمر مع انخفاض معدل انتشار فقدان حاسة الشم أو التذوق.
  •  لم يلاحظ أي اختلاف في انتشار أي من الأعراض في الرجال نسبةً إلى النساء، لكن دراسات أخرى وجدت أن فقدان الشم أو التذوق يميل إلى الحدوث لدى النساء أكثر من الرجال.

كيف تختبر حاسة الشم والتذوق ؟

يمكن استخدام الأدوات المنزلية الشائعة لاختبار حاستي الشم والتذوق إن انتابك القلق من احتمال فقدانهما.

اختبار الشم والتذوق:

  •  اختبار الشم: ابحث عن شيء ذي رائحة قوية ومميزة، مثل حبوب البن أو القرفة أو الثوم الطازج، أو عناصر غير غذائية مثل بودرة الأطفال أو الشموع المعطرة.
  •  اختبار التذوق: استخدم عناصر غذائية ذات أطعمة مختلفة، مثل الشوكولاتة (الطعم الحلو) والحمضيات (الطعم الحامض) والقهوة (الطعم المر) والمعجنات (الطعم المالح).

إذا واجهت صعوبةً في التعرف على مذاق العناصر التي اخترتها أو روائحها، فيُحتمل فقدانك حاسة الشم أو التذوق.

من الجدير بالذكر أن التطور المفاجئ لهذه الأعراض قد يمثل مؤشرًا مبكرًا على الإصابة بكوفيد-19، وعليه يمكنك البحث عن موقع قريب منك لإجراء الاختبار وتأكيد إصابتك المحتملة أو نفيها.

ما مدة تأثر حاسة الشم أو التذوق لديك بفعل إصابتك بكوفيد-19؟

يبدو أن فقدان حاسة الشم أو التذوق بسبب كوفيد-19 يدوم لفترة أطول قليلًا مقارنةً مع حالات التهاب الجهاز التنفسي العلوي الأخرى؛ فعادةً ما يستمر فقدان هاتين الحاستين بسبب نزلة البرد لمدة 3-7 أيام.

أجرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) تقييمًا لفترة ظهور الأعراض لدى 274 بالغًا بدت عليهم أعراض خفيفة لكوفيد-19، إذ بلغ متوسط المدة المبلغ عنها لفقدان حاسة الشم أو التذوق 8 أيام.

دُعم التقرير السابق بدراسة أوروبية ذات نطاق أصغر، بيّنت ارتباط فقدان حاستي الشم والتذوق ارتباطًا وثيقًا، إذ بلغ متوسط مدة فقدانهما 8.9 يومًا، ويُذكر أيضًا اختفاء هذه الأعراض في غضون 28 يومًا لدى 98٪ من المرضى.

ما الأعراض الأخرى التي يجب أن تنتبه لها؟

إضافةً إلى فقدان حاسة الشم أو التذوق، توجد أعراض أخرى يجب الانتباه إليها في حال الاشتباه بالإصابة بكوفيد-19؛ من الأعراض الأكثر شيوعًا ما يلي:

  •  حمى
  •  سعال
  •  تعب
  •  ضيق التنفس
  •  قشعريرة
  •  أوجاع وآلام
  •  صداع
  •  التهاب الحلق
  •  سيلان الأنف أو انسداده
  •  أعراض هضمية، مثل الإسهال والغثيان والقياء

إذا اشتبهت بإصابتك بكوفيد-19، ابق في المنزل وحاول عزل نفسك عن الآخرين، ثم ناقش الأعراض عند التواصل مع الطبيب، الذي قد ينصحك أيضًا بإجراء الاختبار ويوجهك نحو كيفية الاعتناء بنفسك إذا جاءت نتيجة اختبار كوفيد-19 موجبة.

متى تطلب الحصول على رعاية طبية؟

يمكن علاج معظم الحالات الخفيفة من كوفيد-19 في المنزل، لكن بعضها قد يتطور ليصبح أكثر خطورة، خاصةً عند كبار السن والأفراد الذين يعانون بعض الأمراض المستبطنة، مثل:

  •  الداء السكري.
  •  البدانة.
  •  الداء الرئوي المُسدّ المزمن (COPD).
  •  مرض قلبي.

اطلب الرعاية الطبية الطارئة فورًا إذا واجهت ما يلي:

  •  صعوبة في التنفس.
  •  ألم صدري أو ضغط على الصدر لا يزول.
  •  زرقة الشفاه أو الوجه أو الأظافر.
  •  التخليط الذهني.
  •  صعوبة الاستيقاظ أو البقاء مستيقظًا.

ما العوامل الأخرى التي قد تفقدك حاسة التذوق أو الشم؟

توجد عوامل عدة إلى جانب كوفيد-19 قد تسبب فقدان حاسة الشم أو التذوق، نذكر منها:

  •  التدخين.
  •  التهابات الجهاز التنفسي العلوي الأخرى، مثل نزلات البرد والانفلونزا والتهابات الجيوب الأنفية.
  •  الحساسية (الأرجية).
  •  السلائل الأنفية.
  •  إصابة في الرأس.
  •  الحالات العصبية، مثل داء باركنسون والتصلب المتعدد والألزهايمر.
  •  الأدوية، مثل بعض أنواع أدوية ضغط الدم أو المضادات الحيوية أو مضادات الهيستامين.
  •  التغيرات الهرمونية بسبب بعض الحالات مثل قصور الغدة الدرقية أو متلازمة كوشينغ.
  •  عمليات جراحية على الفم أو الأنف أو الحلق مثل جراحة الجيوب الأنفية أو إزالة ضرس العقل.
  • العلاج الشعاعي المطبق في سرطانات الرأس أو الرقبة.
  •  أورام في الرأس والرقبة أو حولهما.
  •  التعرض لبعض أنواع المواد الكيميائية أو المذيبات.

الخلاصة

قد يترافق فقدان حاسة الشم أو التذوق مع كوفيد-19، وغالبًا ما يظهران معًا، لكنهما قد يحدثان أحيانًا بصورة منفصلة.

عند الحديث عن كوفيد-19، قد يكون فقدان حاسة التذوق أو الشم فجائيًا وباكرًا، وأحيانًا قبل ظهور بقية أعراضه، عكس التهابات الجهاز التنفسي العلوي الأخرى، ويُذكر أن فقدان حاسة الشم أو التذوق لا يرتبط دائمًا بسيلان الأنف أو انسداده.

يجد معظم الأشخاص الذين يعانون خسارةً في حاسة الشم أو التذوق بسبب كوفيد-19 أن هذه الأعراض تختفي في غضون أسابيع قليلة.

مع أن معظم حالات كوفيد-19 خفيفة الشدة، إلا أنها قد تتطور إلى مرض خطير، وعليه اطلب الرعاية الطبية الطارئة إذا عانيت صعوبةً في التنفس أو ألمًا في الصدر أو تخليطًا ذهنيًا.

اقرأ أيضًا:

ينقل الأطفال فيروس كورونا بصمت، فما أشيع الأعراض التي تكشف إصابتهم؟

كيف تتطور أعراض الإصابة بفيروس كورونا يومًا بعد يوم؟

ترجمة: حسام شبلي

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر