لعلك سمعت بكتاب القط ذو القبعة، لكن من المحتمل أنك لا تعرف (آن، البعوضة المتعطشة للدماء) ناقلة الملاريا، وهي شخصية ابتكرها تيودور جيزيل (دكتور سوس)، وظهرت للمرة الأولى عام 1943 في كتيب موجه للجيوش الأمريكية في أثناء الحرب العالمية الثانية. نتناول في هذا المقال تاريخ نشوء مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها منذ بدئها بالسعي للسيطرة على الملاريا في مناطق الحرب وكبح انتقال العدوى في الولايات المتحدة الأمريكية.

بمرور الوقت، بدأ القراء يتعرفون على (آن، البعوضة المتعطشة للدماء)، نظرًا لانتشار الملاريا في الولايات الجنوبية. ازدادت حالات المرض المميتة في أثناء فترة الكساد الكبير، وبدأت بالانخفاض بداية الأربعينيات. فيما كانت الولايات المتحدة تستعد للحرب العالمية الثانية، كانت تعمل أيضًا على منع انتشار المرض بين صفوف جيوشها في معسكرات التدريب العسكري التي كان أكثرها في الولايات الجنوبية وأقاليم ما وراء البحار.

في عام 1942 أسست دائرة الصحة العامة مكتب مكافحة الملاريا في مناطق الحرب للتصدي للمرض. كان المقر الرئيسي في أتلانتا أول مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وافتُتِح عام 1946 بصفته المركز المختص بالأمراض السارية (وهو اليوم من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها). ربما ساعدت جهود مكتب مكافحة الملاريا المبذولة في إيقاف انتشار المرض في الولايات المتحدة في أوائل الخمسينيات، مع أن الباحثين المعاصرين تساءلوا عن دور التغيرات الديموغرافية والاجتماعية الاقتصادية في تراجع المرض.

لطالما كان المرض عاملًا رئيسيًا في حالات الوفاة في الحروب، وهذا واضح تاريخيًا. في أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، مات عشرات الآلاف من الجنود من أمراض مثل: التيفوئيد والتهاب الرئة والحصبة والملاريا. قدر الباحثون أن حالات الوفاة التي تسببت بها الأنفلونزا في الحرب العالمية الأولى أكثر من تلك التي سببها القتال.

كانت السيطرة على الأمراض من أهم اهتمامات الولايات المتحدة الأمريكية عند دخولها الحرب. إذ حشدت الولايات المتحدة جهودها لإنتاج جرعات البنسلين؛ لمنع الوفيات من الالتهابات البكتيرية. ومولت الولايات المتحدة بحثًا لإنتاج أول لقاح ضد الانفلونزا في العالم؛ تجنبًا لنوع من الأنفلونزا ظهر في الحرب العالمية الأولى. إضافة لذلك، طوّرت الولايات المتحدة برامجًا لمحاربة الملاريا بوصفه المرض الفتاك الذي تسببه طفيليات تنتشر بواسطة الذبابة الأنوفيلة.

يقول المؤرخ السابق في مؤسسة العلوم الوطنية وصاحب كتاب (الحرب والمرض: أبحاث الطب الحيوي حول الملاريا في القرن العشرين) ليو سلاتر: «لقد كانت هذه الجهود ناجعة نوعًا ما في أثناء الحرب… إذ كانت الحرب العالمية الثانية النزاع الأول الخطير الذي تكون فيه ضحايا القتال أعلى من ضحايا المرض».

كان كتيّب ثيودور سوي جيزل (آن، المتعطشة للدماء) جزءًا من استجابة الجيش الأمريكي للملاريا، إذ هدف الكتيب إلى تثقيف الجنود بالملاريا وكيفية تجنب البعوض باستخدام ناموسية السرير وطارد الحشرات. إضافة إلى جهود الجيش الأمريكي، افتتحت دائرة الصحة العامة مكتب السيطرة على الملاريا في مناطق الحرب، أصل مراكز السيطرة على الأمراض ومكافحتها.

افتُتح مكتب مكافحة الملاريا في مناطق الحرب عام 1942 في أتلانتا في ولاية جورجيا، ركز المكتب الجديد على تجفيف مناطق تكاثر البعوض وتدميرها برش المبيدات الحشرية، وتعريف الولايات ودوائر الصحة المحلية بتلك الطرق. نحو عام 1943 بدأ المكتب استخدام مبيد حشري جديد (DDT دي دي تي) أو ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان، واستُخدم في المنازل لإبقائها خالية من البعوض، في عام 1972 حُظر استخدامه لآثاره على البيئة على المدى البعيد.

اتساع تركيز المراكز بعد الحرب لتصبح مراكز السيطرة على الأمراض ومكافحتها

كان من المقرر أن يسد مكتب (مكافحة الملاريا في مناطق الحرب) أبوابه بنهاية الحرب العالمية الثانية، مثله مثل باقي مكاتب الحروب، لكن طبيباً اسمه جوزيف مونتين تدخل في ذلك وقرر توسعته ليصبح مركزًا يهتم بأمراض عديدة.

عمل الطبيب مونتين في مكتب خدمات الولاية ضمن دائرة الصحة العامة آنذاك. تقول جودي جانت مديرة متحف ديفيد سينسر (أو متحف مراكز السيطرة على الأمراض ومكافحتها CDC) إن مونتين فكر في أن: «اهتمام هيئة مياه مقاطعة مونرو لا يجب أن ينصب على الملاريا وحسب، لهذا في 1946 تحول المكتب إلى (مركز الأمراض السارية)».

استمرت جهود مراكز السيطرة على الأمراض ومكافحتها في عمل سابقاتها ضد الملاريا، وتعاملت مع أمراض أخرى مثل التيفوئيد والدودة الشصية. ابتداء من 1947، تابع البرنامج الوطني للقضاء على الملاريا التابع لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) عمله بالتعاون مع دوائر الصحة المحلية والحكومية لتدمير أماكن تكاثر البعوض برش المبيدات الحشرية.

توقف انتشار الملاريا في الولايات المتحدة

بحلول عام 1951، اعتبرت مراكز السيطرة على الأمراض ومكافحتها انتشار الملاريا منتهيا في الولايات المتحدة. مع ذلك لا يمكننا تحديد مدى تأثير مركز مكافحة الملاريا في مناطق الحرب ومراكز السيطرة على الأمراض ومكافحتها في عملية القضاء على الملاريا. تذكر المؤرخة الطبية مارجريت إلين همفرييس الدور الرئيسي للتحولات الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية في النصف الأول من القرن العشرين في تراجع الملاريا في الجنوب.

تقول همفريس في كتابها (الملاريا: الفقر والعرق والصحة العامة في الولايات المتحدة): «لقد ازدهرت الملاريا قرب الفقراء المعدمين الجائعين، ببيوتهم كثيرة الثغرات، قرب مناطق تكاثر بعوضة الأنفولية؛ أصيبوا بمرض لم يتمكنوا بأي شكل من الأشكال الوقاية منه أو علاجه».

ساهم توفير الدواء ومساكن أفضل في تراجع الملاريا في أمريكا، إضافة إلى هجرة الفقراء والطبقة العاملة من الأرياف التي كان خطر الإصابة بالملاريا فيها أعلى. لقد حسمت الهجرة تراجع الملاريا، حسب همفريس التي تتساءل قائلة: «من الصعب معرفة ما إذا كانت حملة رش مبيد الدي دي تي ستنفع دون الهجرات التي جرت».

لم يعد انتشار الملاريا أمرًا مقلقًا في الولايات المتحدة، لكن المرض يبقى تحديًا صحيًا خطيرًا في بعض أجزاء أمريكا وآسيا وإفريقيا. وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد الحالات في 2020 بنحو 241 مليون حالة وعدد وفيات قد يصل إلى 627 ألف.

اقرأ أيضًا:

ما الفرق بين الجائحة والوباء والفاشية

العزلة الإجبارية لمكافحة فيروس كورونا: صراع بين حقوق الإنسان والصحة العامة

ترجمة: رغد جيوسي

تدقيق: أميمة الغراري

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر