يوجد ارتباط قوي بين النمو الاقتصادي ورأس المال البشري، إذ يؤثر رأس المال البشري في النمو الاقتصادي ويساهم في تطور اقتصاد الدولة عبر زيادة مهارات مواطنيها ومعرفتهم.

يشير رأس المال البشري إلى المعرفة التي يمتلكها العمال وخبراتهم ومجموعة مهاراتهم. تصنع المهارات القيمة الاقتصادية، فكلما زادت المعرفة بين صفوف القوة العاملة زادت معها الإنتاجية.

يشمل مفهوم رأس المال البشري إدراك فكرة أن الناس ليسوا متساويين في المعرفة والمهارات التي يمتلكونها، وبالإمكان تحسين نوعية العمل من طريق الاستثمار في التعليم.

ما الذي يقود النمو الاقتصادي؟

يعني النمو الاقتصادي الزيادة في قدرة الاقتصاد على إنتاج السلع والخدمات مقارنةً بالفترات السابقة، ويحسب بقياس التغير في الناتج المحلي الإجمالي للدولة الذي يمثل إجمالي مخرجات الاقتصاد من السلع والخدمات.

على سبيل المثال، إذا بلغ معدل النمو السنوي لاقتصاد دولة ما 2.5% فهذا يعني أن الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدولة ازداد 2.5% مقارنة بالسنة السابقة.

ولمعرفة كيف يؤثر رأس المال البشري في النمو الاقتصادي علينا أولًا دراسة المحركين الأساسيين للنمو الاقتصادي.

الإنفاق الاستهلاكي

تشير التقديرات إلى أن المستهلكين مسؤولون عن أكثر من ثلثي النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة.

فعندما يحصل المستهلكون على فرص عمل أو زيادة في الرواتب، يميلون إلى شراء المزيد من الثياب والسيارات والمنازل والأدوات والأجهزة المنزلية والتكنولوجية.

يخلق هذا الإنفاق أثرًا مضاعفًا يؤدي إلى تحسن التوظيف في صناعات عديدة، مثل متاجر البيع بالتجزئة ومصانع الآليات ومتاجر الأجهزة التكنولوجية وبناء المنازل.

ويؤدي هذا الإنفاق أيضًا إلى زيادة في النمو الاقتصادي.

استثمارات الأعمال

تؤدي الزيادة في نمو الناتج المحلي الإجمالي الناجمة عن الإنفاق الاستهلاكي إلى تحسن ظروف عالم الأعمال.

فعند زيادة أرباحها، تتجه الشركات نحو زيادة استثماراتها والتوسع لتأمين النمو المستقبلي.

تتضمن استثمارات الأعمال شراء المعدات والتكنولوجيا الجديدة، وتسمى هذه الاستثمارات الاستثمارات الرأسمالية.

تتطلب الاستثمارات الرأسمالية تكاليف كبيرة، ومهمتها زيادة إنتاجية الشركة وأرباحها على المدى الطويل.

في الاقتصادات النامية، يرتفع أيضًا اقتراض الشركات من المصارف، وذلك بهدف زيادة الإنتاج للتوافق مع الطلب المرتفع من جانب المستهلكين. وعادةً ما تستخدم هذه القروض لتمويل تداولات كبيرة، مثل شراء المعامل والمعدات الصناعية.

تؤدي زيادة الإنتاج إلى زيادة أجور العمال وفرص العمل، بسبب زيادة حاجة الشركة للعمال لمواكبة ارتفاع طلب المستهلكين على منتجات الشركة. ومع سعي الشركات نحو توظيف المزيد من العمال لزيادة مبيعاتها، تُخلَق فرص عمل جديدة في شتى أنواع الوظائف.

في حال ازداد الضغط على سوق العمل مع توسع الاقتصاد، ستضطر الشركات إلى تدريب العمال على مجموعة المهارات المطلوبة بسبب افتقار السوق للعمال المهرة.

ستزيد إنتاجية الشركات بعد زيادة استثماراتها، وهكذا ينمو الناتج المحلي الإجمالي بفضل استثمارات الأعمال التي تعد عنصرًا أساسيًا للنمو الاقتصادي.

لا يقتصر دور الإنفاق الاستهلاكي واستثمارات الأعمال على زيادة النمو الاقتصادي فقط، إذ لهما دور بالغ الأهمية في تحديد مستوى تدريب العمال وتطويرهم.

رأس المال البشري والنمو الاقتصادي

توجد علاقة طردية بين رأس المال البشري والنمو الاقتصادي بسبب زيادة الاستثمار للإنتاجية.

تعد عملية تعليم قوة العمل استثمارًا، ولكن هذا الاستثمار ليس استثمارًا رأسماليًا في الآلات والمعدات، بل في رأس المال البشري.

دور الحكومة

للحكومة دور أساسي في تحسين مهارات سكان الدولة ومستويات تعليمهم، إذ تشارك بعض الحكومات في تطوير رأس المال البشري بتأمين التعليم العالي للمواطنين دون تكلفة.

تدرك هذه الحكومات أن المعرفة التي يكتسبها الناس من التعليم تساهم في تطوير الاقتصاد وتحفيز النمو الاقتصادي.

ولا شك أن أجور العمال تزداد مع تعليمهم ومهاراتهم، ما يزيد بدوره النمو الاقتصادي بزيادتهم للإنفاق الاستهلاكي.

دور القطاع الخاص

تستثمر الشركات أيضًا في رأس المال البشري بهدف زيادة الأرباح والإنتاجية، مثل تدريب شركة تكنولوجيا أحد موظفيها ليصبح مبرمجًا، سواء أكان هذا التدريب من المنزل أو في مكان العمل. وأيضًا قد تدفع الشركة جزءًا من رسوم التعليم العالي.

في حال بقاء الموظف في الشركة بعد انتهاء تدريبه فقد يطور أفكارًا ومنتجات جديدة للشركة، وقد يترك الموظف عمله في الشركة وينشئ عملًا مستقلًا بناءً على المعرفة التي اكتسبها. في الحالتين، سينتج عن الاستثمار في رأس المال البشري زيادة في النمو الاقتصادي.

الاستثمارات في رأس المال البشري ونمو التوظيف

يخلق الاستثمار في العمال ظروف عمل أفضل في الاقتصادات حول العالم.

في حال تحسن التوظيف، يرتفع الإنفاق الاستهلاكي، ما يؤدي إلى زيادة إيرادات الشركات وزيادة استثماراتها.

وبذلك نستنتج أن التوظيف مؤشر هام ومقياس يساعد على التنبؤ بمستوى نمو الناتج المحلي الإجمالي.

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية -OECD مجموعة تضم أكثر من 30 دولة، وتساهم في تطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية حول العالم ورسم أطرها.

تحلل هذه المنظمة دوريًا أثر مستويات التعليم في التوظيف وفي النمو الاقتصادي. في تقريرها السنوي عن التعليم الذي أصدرته عام 2020، عرضت كيفية عمل أنظمة التعليم ومستويات الإنفاق فيها ومن يستفيد منها ومن يشارك فيها. وتقيس هذه المنظمة أيضًا كيفية نمو التوظيف عند تعليم الرجال والنساء.

وجدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2020 أن معدل التوظيف بين حملة الشهادات الثانوية أو الأساسية بلغ 72% للرجال و45% للنساء، ضمن الفئة العمرية بين 25-34 سنة.

أما بين حملة الشهادة الجامعية، بلغ معدل التوظيف 89% للرجال و81% للنساء.

ومع أن الاستثمار في رأس المال البشري يولد النمو فإن هذا لا يعني بالضرورة أن فرص العمل متاحة أمام الخريجين الجدد. وأيضًا فإن للجغرافيا دور مهم عندما يتعلق الأمر بخلق فرص العمل الجديدة وحركة العمالة. ففي حال وجدت فرص العمل الجديدة في الجزء الشمالي من الدولة ولكن العمالة الماهرة في الجنوب، قد يُكبَح النمو بسبب تكلفة الانتقال أو عدم رغبة العمال به.

اقرأ أيضًا:

ما هو نموذج الأعمال؟

ما اقتصاد المعرفة؟

أهمية التخطيط الاستراتيجي وبعض مبادئه

ترجمة: كميت خطيب

تدقيق: غزل الكردي

المصدر