الشيوعية والاشتراكية هي معايير شمولية تُشير إلى المدارس اليسارية في الفكر الاقتصادي؛ وكلتاهما تُعاكسان الرأسمالية. ألهمت هذه الإيديولوجيات حركات اجتماعية وسياسية متنوعة منذ القرن التاسع عشر، وتخضع عدة دول حاليًا لحكم أحزاب تنعت نفسها بأنها أحزاب شيوعية أو اشتراكية، ولكن سياسات تلك الأحزاب وأدبياتها تختلف عن بعضها البعض بشكل كبير. ولكن ما هو الفرق بين الشيوعية والاشتراكية ؟

تُحسب الشيوعية –على أنها إيديولوجية– على أقصى اليسار، إذ تُقدم تنازلات للسوق الرأسمالي والديمقراطية الانتخابية أقل مما تفعله معظم أشكال الاشتراكية. وتعتمد الشيوعية كنظام حكومي على التمركز في دولة الحزب الواحد والذي يمنع معظم أشكال المعارضة السياسية.

يجب ألّا يتداخل استخدام مصطلح الشيوعية الأول الذي يشير إلى النظرية، والآخر الذي يشير إلى الممارسات السياسية، فعلى سبيل المثال الحزب الشيوعي الحاكم في الصين له اتجاه صريح نحو السوق الرأسمالي ولم يعد يُعير انتباهًا للعقيدة الماوية والتي كان يعتبر أكبر مناصريها (على سبيل المثال؛ مقولة طريق البيرو المضيء يكمن في ذروتها) أن السلطات الصينية هي سلطة برجوازية معادية للثورية.

تُشير الاشتراكية إلى رقعة واسعة جدًا في الطيف السياسي في الممارسة والنظرية، إذ يُعد تاريخها الثقافي أكثر تنوعًا من الشيوعية؛ فقد خصص البيان الشيوعي المنشور عام 1848 -والذي كتبه كارل ماركس وفيردريك إنجلس- فصلًا كاملًا لانتقاد الأشكال الستة للاشتراكية الموجودة في ذلك الوقت، وقد اتخذ مناصرو هذا البيان كل موقف ليسار الوسط للبناء المثالي (أو أفضل ما يمكن تحقيقه) في الأنظمة الاقتصادية والسياسية.

يمكن أن يكون الاشتراكيون مناصرين أو معادين للسوق، وهم يعتبرون الهدف النهائي هو الثورة وإلغاء الطبقات الاجتماعية، أو قد يسعون إلى نتائج أكثر براغماتية؛ أي الرعاية الصحية الشاملة على سبيل المثال أو نظام تقاعدي عالمي.

وقد يترشح الاشتراكيون للانتخابات، ويشكلون تحالفات مع أحزاب غير اشتراكية، كما يفعلون في أوروبا، أو قد يتولون الحكم باعتبارهم سلطة حاكمة كما يفعل نظام هوغو تشافيز في فنزويلا.

التعريف و الفرق بين الشيوعية والاشتراكية

سنتبع تاريخ المصطلحين للتمييز الواضح ما بين الشيوعية والاشتراكية.

الشيوعية

تعود جذور الشيوعية إلى البيان الشيوعي والذي أنتج نظريةً تقول إن التاريخ هو صراع بين الطبقات الاقتصادية، والتي ستتواجه لا محالة من خلال السقوط المدوي للمجتمع الرأسمالي، كما حدث للمجتمع الإقطاعي وسقوطه المدوي بعد قيام الثورة الفرنسية، والتي عبدت الطريق لسيطرة البرجوازيين (البرجوازيون هم الطبقة التي تتحكم بوسائل الإنتاج الاقتصادي).

حاجج ماركس بقوله إنه بعد الثورة الشيوعية سيستحوذ العمال (البروليتاريا) على وسائل الإنتاج، وبعد فترة انتقالية ستختفي الحكومة وسيبني العمال مجتمعًا لا طبقات فيه واقتصادًا قائمًا على الملكية العامة.

وسيصل الإنتاج والاستهلاك إلى مرحلة توازن حسب الطاقة والحاجة، وسيختفي الدين والعائلة ومؤسسات التحكم الاجتماعي التي تُستخدم لاستعباد الطبقة العاملة، ستختفي جميعها بالطريقة التي ستختفي فيها الحكومة والملكية الخاصة.

ألهمت إيديولجيا ماركس الثورية حركات القرن العشرين التي قاتلت – ونجحت في بعض الأحيان– من أجل التحكم بالسلطة.

وأطاحت الثورة البلشفية –في عام 1917– بالقيصر الروسي وبعد حرب أهلية أسست الاتحاد السوفييتي (وهو إمبراطورية شيوعية اسمية انهارت عام 1991).

كان الاتحاد السوفيتي شيوعيًا بالاسم فقط؛ لأنه لم يصل إلى مجتمع بلا طبقات وبلا دولة ولم يكن يملك الشعب فيه وسائل الإنتاج بشكل جمعي خلال حكم الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي.

أقر الحزب الشيوعي الروسي – في العقود الأربعة الأولى من وجود الاتحاد السوفيتي– بكل صراحة أنه لم يُقِم مجتمعًا شيوعيًا.

كان الموقف الرسمي للحزب حتى عام 1961، أن الاتحاد السوفيتي يُحكم من خلال ديكتاتورية البروليتاريا؛ وهي مرحلة متقدمة على الطريق الحتمي للمرحلة الأخيرة للتطور البشري: «شيوعية حقيقية».

وأعلن الأمين العام للحزب نيكيتا خروتشوف عام 1961، أن الدولة السوفيتية بدأت بالاضمحلال وعليه ستستمر بالمقاومة لثلاثة عقود أخرى، وعندما انهار الاتحاد السوفيتي عام 1991 حلت محله دولة ديمقراطية رأسمالية بالاسم.

لم تحقق الدولة الشيوعية في القرن العشرين أو الواحد والعشرين اقتصاد ما بعد الندرة الذي وعد به ماركس في القرن التاسع عشر، في أغلب الأحيان كانت النتيجة هي الندرة الحادة؛ إذ مات عشرات الملايين من البشر نتيجةً للمجاعة والعنف السياسي بعد قيام جمهورية الصين الشعبية على سبيل المثال.

أنشأت الثورات الشيوعية الروسية والصينية –عوضًا عن إلغاء الطبقات الاقتصادية– طغمةً حاكمةً صغيرةً وفاحشة الثراء استفادت من علاقاتها مع الشركات التي تملكها الحكومة.

ما الفرق بين الشيوعية والاشتراكية الأحزاب اليسارية الشمولية سياسة الحزب الواحد النظريات الاقتصادية المعاكسة للرأسمالية الاتحاد السوفييتي

وتُعد كوبا ولاوس وكوريا الشمالية وفيتنام هي الدول الوحيدة المتبقية التي يحكمها نظام شيوعي (مع الاعتقاد بتحول الصين إلى نظام رأسمالي بحكم الواقع)، هذه الدول مجتمعةً لديها ناتج إجمالي محلي يعادل الناتج الإجمالي المحلي لولاية تينسي.

الاشتراكية

سبقت الاشتراكية البيان الشيوعي بعدة عقود، وصيغت النماذج الأولى للاشتراكية على يد المفكر هنري دو سان سيمون (1960-1825)، والذي كان معجبًا بأبو الرأسمالية آدم سميث؛ ولكن أتباعه طوروا مفهوم الاشتراكية الطوباوية وهم روبرت أوين (1771-1858) وشتارلز فورييه (1772-1832) وبيير ليرو (1797-1871) وبيير جوزيف برودون (1809-1865) والذي اشتهر بإعلانه أن «الملكية سرقة».

وضع هؤلاء المفكرون أفكارًا تقدمية مثل التوزيع المتساوي للثروة والحس بالتضامن بين الطبقة العاملة وشروط عمل أفضل والملكية العامة لمصادر الإنتاج مثل الأرض وأدوات الصناعة، ودعا بعضهم الدولة لأخذ دور مركزي في الإنتاج والتوزيع.

عاصر هؤلاء المفكرون أوائل الحركات العمالية مثل حركة الميثاقية Chartists، التي دعت إلى حق الاقتراع العام في بريطانيا خلال أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر.

وتأسس عدد من المجتمعات الاختبارية بناءً على أفكار اليوتوبيا الاشتراكية ولكنها لم تدم لفترة طويلة.

ظهرت الماركسية في هذا الوسط إذ دعاها إنجلز بـ (الاشتراكية العلمية) لتمييزها عن السلالات الإقطاعية والبرجوازية والألمانية المحافظة والمنتقدة للطوباوية التي ميزها البيان الشيوعي وانتقدها.

كانت الاشتراكية حزمةً من الإيديولوجيات المتنافسة في أيامها الأولى وبقيت على هذا الحال، وجزء من سبب بقائها هكذا كان بسبب أول مستشار لألمانيا الموحدة –أوتو فون بسمارك– الذي سرق زخم الاشتراكيين عندما طبق عددًا من سياستهم، ولم يكن بسمارك صديقًا للاشتراكيين إذ نعتهم بـ (أعداء الرايخ)، ولكنه أنشأ أول دولة رفاهية في الغرب ونفذ حق الاقتراع العام لتجنب الصدام مع الإيدولوجية اليسارية.

دعت حزمة من أقصى اليسار الاشتراكي منذ القرن التاسع عشر إلى تعديلات مجتمعية جذرية، لتصل إلى ثورة عمالية صريحة والتي من شأنها أن تعيد توزيع السلطة والثروة بنسب أكثر عدالة.

كانت سلالات من الأناركية (اللاسلطوية) حاضرةً في هذا الجناح الأكثر راديكالية من التقليد الاشتراكي الثقافي، ورأى العديد من الاشتراكيين -ربما نتيجةً لصفقة بسمارك- تغييرًا سياسيًا تدريجيًا ينحو باتجاه تحسين المجتمع.

اصطف هؤلاء الإصلاحيون –كما يدعوهم المتشددون– مع الحركات المسيحية في القرن العشرين، إذ سجلوا عدة انتصارات، مثل التشريعات التي تنظم سلامة بيئة العمل والحد الأدنى من الأجور وأنظمة التقاعد والتأمين الاجتماعي والرعاية الصحية الشاملة وعدة خدمات عامة أخرى والتي تموَّل عادةً من ضرائب عالية نسبيًا.

أصبحت الأحزاب الاشتراكية بعد الحروب العالمية قوةً مسيطرة في الغرب الأوروبي، جنبًا إلى جنب مع الشيوعية وكان للأشكال المختلفة من الاشتراكية أثرًا كبيرًا على الدول المتحررة حديثًا من الاستعمار في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، إذ صاغ القادة والمفكرون في هذه الدول الأفكار الاشتراكية بقالب محلي أو العكس بالعكس.

تركز الاشتراكية الإسلامية على الزكاة؛ وهي النسبة التي يعطيها المسلم المتدين من ثروته.

وفي هذه الأثناء اصطف الاشتراكيون في دول العالم الغنية مع الحركات الليبرالية، ويعتنق عدد من النسويين وقادة حركات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة أوجهًا من الاشتراكية.

كانت الاشتراكية حاضنة للحركات التي تُصنَّف على أنها من أقصى اليمين، واعتمد الفاشيون الأوروبيون في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي على الأفكار الاشتراكية إلا أنهم صاغوها بمعايير قومية؛ إذ كانت إعادة التوزيع الاقتصادي محصورةً على العمال الألمان أو الإيطاليين وبعدها إلى نموذج محدد وضيق منهم.

يمكن تمييز الأصداء الاشتراكية –في التنافس السياسي الحالي– بالنسبة للنقاد بسهولة على أنها يمينية أو يسارية.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: مازن سفّان

تدقيق: رند عصام

مراجعة: نغم رابي

المصدر