اكتشفت عربة كوريوسيتي التابعة لوكالة ناسا أكبر الجزيئات العضوية -المحتوية على الكربون- على سطح المريخ، وهي الأكبر على الإطلاق على سطح الكوكب الأحمر. يُعد هذا الاكتشاف أحد أهم النتائج في البحث عن أدلة على وجود حياة سابقة على المريخ، لأن الجزيئات الكربونية المكتشفة -الطويلة والمعقدة نسبيًا- تؤدي دورًا أساسيًا في العمليات البيولوجية على الأرض.

قد تكون هذه الجزيئات في الواقع بقايا لأحماض دهنية وحسب، وهي مركبات توجد مثلًا في الأغشية التي تحيط بالخلايا الحية. ويعتقد العلماء أنه إذا كانت هذه الحياة قد نشأت فعلًا على المريخ في أي وقت مضى، فمن المرجح أنها كانت على شكل كائنات ميكروبية.

نظرًا إلى صغر حجم الميكروبات، فمن الصعب الجزم بأي دليل محتمل على وجود حياة على المريخ. يتطلب التحقق من ذلك وجود أدوات علمية أكثر تطورًا، لكنها كبيرة جدًا لا يمكن وضعها على متن مركبة جوالة.

اكتشفت كوريوسيتي جزيئات عضوية تتألف من سلاسل طويلة من ذرات الكربون، ترتبط معًا بسلاسل طويلة، وترتبط بها عناصر أخرى مثل الهيدروجين والأكسجين. وتعود هذه الجزيئات إلى صخرة كامبرلاند القديمة -يبلغ عمرها 3.7 مليار سنة- فيما يُعتقد أنه قاع بحيرة جافة داخل فوهة غيل على المريخ. واستخدم العلماء جهاز تحليل العينات على المريخ (Sam) المدمج في العربة لتحقيق هذا الاكتشاف.

في الواقع ومنذ وقت طويل، كان العلماء يبحثون بكد عن أدلة على وجود الأحماض الأمينية، إذ تُعد اللبنات الأساسية للبروتينات ومن ثم الحياة كما نعرفها. لكن هذا الاكتشاف غير المتوقع يُعد مثيرًا جدًا أيضًا، وقد نُشر البحث في دورية وقائع أكاديميات العلوم الوطنية.

تتضمن الجزيئات المكتشفة «ديكان» الذي يحتوي على 10 ذرات كربون و22 ذرة هيدروجين، و«دوديكان» الذي يحتوي على 12 ذرة كربون و26 ذرة هيدروجين. تُعرف هذه الجزيئات بالألكانات، وهي جزء من فئة المركبات الكيميائية المعروفة بالهيدروكربونات.

في مارس 2025 قدم العلماء أدلة على وجود معالم في صخرة جُمعت عينات منها في مكان آخر على المريخ باستخدام عربة بيرسيفيرانس. تلك المعالم -المسماة بالبقع النمرية وحبوب الخشخاش- قد تكون ناتجة من نشاط حياة ميكروبية في الماضي البعيد.

إنها فترة مثيرة تفتح لنا حقبة ثورية في البحث عن الحياة على كوكب المريخ، وقدم العلماء هذه النتائج في مؤتمر، لكنها لما تُنشر بعد في دورية موثوقة.

تتعاون ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية في مهمة إرجاع عينات المريخ، وهي تبعث الأمل في أن عينات الصخور التي جمعتها بيرسيفيرانس وخزنتها قد تُعاد إلى الأرض لدراستها في المختبرات، وأخيرًا، قد تؤكد الأدوات القوية المتوفرة على الأرض فرضية وجود دليل واضح على وجود حياة سابقة على المريخ.

عام 2023، انتقدت لجنة مراجعة مستقلة الزيادة المهولة في ميزانية مهمة إرجاع عينات المريخ، وقد دفع ذلك الوكالات إلى إعادة التفكير في كيفية تنفيذ المهمة، وهم الآن يدرسون خيارين معدلين.

هل هي علامات على الحياة؟

اكتُشفت كامبرلاند في منطقة من فوهة غيل تُسمى خليج يلونايف، تحتوي هذه المنطقة على تكوينات صخرية تبدو مشابهة لتلك التي تتكون عند تراكم الرواسب في قاع بحيرة.

من أهم الأهداف العلمية لعربة كوريوسيتي دراسة احتمالية أن تكون الظروف في الماضي على المريخ مناسبة لتطور الحياة، ولهذا يُعد قاع البحيرة القديمة المكان المثالي للبحث عن أدلة.

يعتقد الباحثون أن جزيئات الألكان ربما كانت سابقًا مكونات لجزيئات أحماض دهنية أعقد. على الأرض، تُعد الأحماض الدهنية مكونات للدهون والزيوت ينتجها النشاط البيولوجي في عمليات تساعد على تكوين الأغشية الخلوية مثلًا.

الوجود المقترح للأحماض الدهنية في عينة الصخور كان موضوعًا للبحث منذ عدة سنوات، لكن الورقة البحثية الجديدة تفصل الأدلة بالكامل.

الأحماض الدهنية هي جزيئات هيدروكربونية طويلة خطية تحتوي على مجموعة الكربوكسيل (COOH) في أحد الأطراف ومجموعة الميثيل (CH3) في الطرف الآخر، مكونة سلسلةً من ذرات الكربون والهيدروجين.

يتكون جزيء الدهون من مكونين رئيسيين: الجليسرول والأحماض الدهنية. الجليسرول هو جزيء كحولي يحتوي على ثلاث ذرات كربون، وخمس ذرات هيدروجين، وثلاث مجموعات هيدروكسيل.

قد تحتوي الأحماض الدهنية على 4 – 36 ذرة كربون، لكن معظمها يحتوي على 12 – 18 ذرة، وأطول سلاسل الكربون الموجودة في منطقة كمبرلاند تحتوي على 12 ذرة فقط.

توفر الجزيئات العضوية المحفوظة في الصخور المريخية القديمة سجلًا حاسمًا لإمكانية الحياة في الماضي على سطح المريخ، وقد تكون بصمات كيميائية للحياة.

حلل جهاز سام العينة من كمبرلاند عدة مرات باستخدام تقنيات تجريبية مختلفة، وقد أظهرت أدلة على وجود معادن الطين، إضافةً إلى أولى الجزيئات العضوية -الأصغر والأبسط- التي عُثر عليها على سطح المريخ عام 2015.

شملت هذه الاكتشافات عدة فئات من المركبات العضوية المحتوية على الكلور والكبريت في صخور الرسوبيات بحفرة جيل، مع هياكل كيميائية تحتوي على ما يصل إلى ست ذرات كربون. الاكتشاف الجديد يضاعف عدد ذرات الكربون الموجودة في جزيء واحد على سطح المريخ.

جزيئات الألكان مهمة في البحث عن بصمات الحياة على المريخ، لكن كيفية تكوينها تظل غير واضحة. قد تكون ناتجة أيضًا من آليات جيولوجية أو كيميائية أخرى لا تتضمن الأحماض الدهنية أو الحياة، ما يُعرف بالمصادر غير الحيوية.

لكن وجودها سليمة اليوم في عينات تعرضت لبيئة قاسية طوال ملايين السنين تمنح علماء الأحياء الفلكية الأمل في أن أدلة على وجود حياة قديمة ربما ما تزال قابلة للاكتشاف حتى اليوم.

قد تحتوي العينة على جزيئات عضوية ذات سلاسل أطول، وقد تحتوي أيضًا على جزيئات أعقد تشير إلى وجود حياة، بدلًا من العمليات الجيولوجية.

للأسف، جهاز «سام» غير قادر على اكتشاف تلك الجزيئات، لذا فإن الخطوة التالية هي نقل صخور التربة المريخية إلى مختبرات أقدر على التحليل هنا على الأرض. ويسعى مشروع عودة عينات المريخ لجلب العينات التي جمعتها بيرسيفيرانس على المريخ. لكن كل ما يحتاج إليه اليوم هو التمويل.

اقرأ أيضًا:

صخرة غريبة على سطح المريخ قد تحمل آثارًا لعلامات الحياة القديمة

اكتشاف أدلة على وجود محيط قديم على المريخ

ترجمة: أمير المريمي

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر