أظهرت الأبحاث، وأثبتت تجارب الحياة العملية، فعالية الأدوية الوهمية في علاج الأمراض الجسمانية والنفسية.

هل حدث وأحسست بالاسترخاء عند مشاهدة صديقك ينعم بمساج، إذا كانت إجابتك نعم فأنت ممن يسخر دماغهم قدراته ليريحهم باستعمال ما يسمى بتأثير الدواء الوهمي، ومع أن أدمغة الأكثرية لا تتقن هذه الخدعة فإن تدريبها ممكن.

بدأ استعمال مصطلح الدواء الوهمي –بلاسيبو- في القرن الثامن عشر، ويعني الأدوية التي لا تحوي مادة فعالة.

ركزت الدراسات الطبية حديثًا على الأدوية الوهمية، بإعطاء عينة من المرضى العلاج المحتوي على المادة الفعالة، وإعطاء عينة أخرى دواءً وهميًا. تبيّن نتائج هذه الدراسات فعالية بعض الأدوية ومدى تأثيرها، وأظهرت أيضًا أن استعمال الأدوية الوهمية في بعض الحالات يؤدي إلى التحسُّن السريري.

يعرّف العلماء تأثيرات الدواء الوهمي بأنها النتائج الإيجابية التي لا يمكن شرحها علميًا بالرجوع إلى آلية تأثير العلاج. اقترحت الأبحاث أن التوقعات الإيجابية، والدعم الذي يتلقاه المريض، والعناية الطبية المحيطة، كلها عوامل تؤدي إلى نتائج مُرضية عند استعمال الدواء الوهمي. مثلًا، شعور الراحة الذي يعقب استعمال هذه الأدوية عند مرضى الاكتئاب، والألم، والإرهاق، والحساسية، ومتلازمة الأمعاء الهيوجة، والتهاب المفاصل التنكسي، وداء باركنسون.

رغم فعالية الأدوية الوهمية فإن الجدل حول استخدامها ما زال قائمًا، ونادرًا ما تجد هذه الأدوية مكانًا لها في وصفات الأطباء الروتينية، ومع هذا ينصح الخبراء باستعمال الأدوية الوهمية في الممارسات الطبية استنادًا إلى الأدلة الجديدة عن فعالية العلاج اللا دوائي، ومراعاةً لرغبة غالبية المرضى.

تنظم إدارة الغذاء والدواء عملية طرح الأدوية الملائمة للاستهلاك في الأسواق، ولضمان حصول المرضى على أفضل أنواع الأدوية، تؤكد المنظمة أهمية إخضاع جميع الأدوية لتجارب منضبطة معشاة لإثبات فعاليتها العلاجية مقارنةً بالأدوية الوهمية.

أثبتت الدراسات أن بعض أنواع الأدوية لا تمتاز عن الأدوية الوهمية بشيء. يزعم بعض الباحثين ومطوري الأدوية أن الأدوية الوهمية قد تخفي الفوائد العلاجية للأدوية الحقيقية، ما يدفع مصنّعي الأدوية لإقصاء الأدوية الوهمية حتى تجتاز أدويتهم اختبارات إدارة الغذاء والدواء.

منذ شكلت الأدوية الوهمية خطرًا على شركات الأدوية، حرصت هذه الشركات على توزيع منشورات هادفة على المرضى المتلقين للأدوية الوهمية محاولةً إثنائهم عن الإبلاغ عن فوائدها.

ازدادت حالات الاكتئاب عالميًا بعد جائحة كورونا، وأصبح 1 من كل 3 بالغين في الولايات المتحدة يعاني الاكتئاب، مقابل 1 من كل 12 قبل الجائحة. أدى هذا الارتفاع الحاد في الحالات إلى صرف أدوية لعلاج الاكتئاب بقيمة 26.25 مليار دولار أميركي عام 2020.

فسر عالم النفس إيرفنغ كيرش آلية عمل مضادات الاكتئاب بأنها مشابهة لآلية عمل الدواء الوهمي في جعل المرضى يؤمنون بالمنفعة التي سيحصلون عليها بعد تناول الأدوية، ولا يقتصر هذا التأثير على مضادات الاكتئاب.

يركز العديد من الأطباء في علاجهم المرضى على تحسين الحالة العامة للمريض. كشفت دراسة طبية حديثة أن 1 فقط من كل 10 أدوية يطابق المعايير السليمة لتقييم الدواء، ما يعني أن المريض قد يتحسن عند تلقيه دواءً لا يختلف تأثيره العلاجي كثيرًا عن الدواء الوهمي.

يعتمد الدواء الوهمي على القوى الذهنية ومدى قدرة الفرد على تسخيرها. مثلًا، عندما يطلب مريض يعاني الصداع التوتري استشارة طبيب يثق به، فإنه يتوقع أن يصف له الدواء الشافي، فيسترخي المريض ويتخلص من التوتر الذي سبب له الصداع. يوضح ذلك مبدأ عمل الأدوية الوهمية.

مثلًا، لنفترض أن طبيبًا أعطى مريضًا دواءً باهظ الثمن يحمل اسم علامة تجارية معروفة، ليأخذه المريض عدة مرات في اليوم. أظهرت الدراسات أن العوامل السابقة مجتمعة كافية لتحسين حالة المريض، وإن لم يكن العلاج فعالًا في الواقع، فهي توحي له أنه يتعاطى العلاج الشافي.

ساد اعتقاد أن بعض أجهزة الجسم تكون خارجة عن السيطرة، لكننا نتمكن من إعادة توجيهها للاستفادة من قدراتها، وهو ما يسعى الدواء الوهمي لتحقيقه، فينشط أنظمة الجسم والعقل المسؤولة عن الشفاء والتعافي من الأمراض، مثل استعمال رهبان التبت تقنيات التأمل لرفع حرارة الجسم.

راقب طبيب القلب هربرت بنسن أولئك الرهبان، وآخرين يستطيعون التحكم في عمليات الجسم اللا إرادية، ما أدى إلى تطور مجال «طب الجسم والعقل».

تزداد حالة بعض المرضى سوءًا بسبب التغيرات التلقائية التي تحدث داخل الجسم عند الشدة والجهد، ومن هذا المنطلق يمكن الدواء الوهمي -بطريقة قابلة للتفسير علميًا- أن يخفف بعض الأعراض، وذلك بتقليل التوتر والإجهاد.

تعمل الأدوية الوهمية على خلق توقعات ومنعكسات شرطية لدى المريض، مثل تجربة بافلوف للانعكاس الشرطي.

استعمل بافلوف رنين جرس، يتلوه مباشرةً تقديم قطعة من اللحم لكلب فيسيل لعابه، مع تكرار التجربة السابقة أصبح لعاب الكلب يسيل فور سماع صوت الجرس، حتّى دون حصوله على قطعة اللحم. اعتمادًا على المبدأ ذاته، يمكن جعل المرضى يتناولون جرعات أقل من المسكنات الأفيونية لتخفيف الألم بعد جراحات العمود الفقري.

تظهر العديد من دراسات تصوير الدماغ تغيرات في الدماغ استجابةً للاستخدام الناجح للأدوية الوهمية في تسكين الألم. يدعونا ذلك للتفاؤل إذ إننا بأمس الحاجة لوسائل فعالة للسيطرة على الألم نتيجة تفشي استخدام المسكنات الأفيونية. أيضًا ثمة أدلة على أن من يستجيبون للأدوية الوهمية يظهرون نشاطًا متزايدًا في مناطق الدماغ المسؤولة عن إطلاق المسكنات الأفيونية الطبيعية.

تشير الدراسات الحالية إلى استمرار تأثير العلاج الخالي من المواد الفعالة على الدماغ، وإحداثه تحسّنًا سريريًا واضحًا، رغم معرفة الناس أن العلاج الذي يتلقونه هو دواء وهمي.

تزداد الأدلة التي تقر بفعالية الأدوية الوهمية يومًا بعد يوم، إضافةً إلى ذلك فهي لا تسبب آثارًا جانبية، ورخيصة الثمن، ولا تسبب الإدمان، وهي أمل المريض بالشفاء عند عدم وجود عقار كيميائي فعال، إذ تسخر قدرات الشخص الخاصة على الشفاء بواسطة مسارات متعددة، منها المسارات التي يدرسها علم المناعة العصبية النفسية، أي العلاقات بين الهرمونات والجهاز العصبي والجهاز المناعي.

تتضح قدرة الدواء الوهمي في تعزيز العلاج الطبي التقليدي بالنظر إليه نوعًا من منح الأمل بالشفاء وتعزيز التوقعات الإيجابية، بتوظيف التفاعلات النفسية الاجتماعية لهذا الهدف.

أثبتت الأدوية الوهمية فعالية كافية لتُقر الجمعية الطبية الأميركية بأن استعمالها أخلاقي لمساعدة المرضى على الشفاء، سواء وحدها أو إلى جانب الأدوية الأخرى، بعد موافقة المريض على استعمالها.

يستخدم الأطباء الأدوية الوهمية بمهارة ودقة أعلى من استخدامها في الدراسات البحثية، فاستنادًا إلى دراسة عام 2013، اعترف 97% من الأطباء أنهم استخدموا أحد أشكال الأدوية الوهمية خلال حياتهم المهنية. قد يكون العلاج الوهمي بسيطًا جدًّا ويعتمد على إيمان المريض بأنّ طبيبه سيصف له العلاج الشافي، وإن لم يكن للعلاج أي فعالية حقيقية.

توجد حاليًا جمعية عالمية مختصة بالأدوية الوهمية، تضمن بيانها الأساسي طريقة استعمال هذه الأدوية في الطب، والتوصيات حول كيفية طرح الموضوع مع المرضى، فربما شعر المرضى سابقًا بنوع من الحرج لأنهم لاقوا تحسنًا بعد استعمال الأدوية الوهمية، إذ قد يفترضون أنّ الوعكة الصحية التي عانوا منها غير حقيقية، لكن مع تزايد الأدلة على فعالية الدواء الوهمي، وتقبله في ميادين الطب، يمكننا وضع تصورات عن الوقت الذي سيفخر فيه الأطباء والمرضى بقدرتهم على استغلال فوائد العلاج الوهمي وتسخيرها.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف منطقة في الدماغ تستجيب للعلاج الوهمي « تاثير البلاسيبو » !

الدواء الوهمي يخفف من الضيق العاطفي حتى إن كنت تعلم أنك تتناول دواءً وهميًا!

ترجمة: لجين بري

تدقيق: أحمد فواز

المصدر