يستكشف بحث جديد الحدود الغريبة لتأثير الدواء الوهمي (بلاسيبو)، وقد أظهر أمرًا غامضًا آخر، إذ تتمتع الأدوية الوهمية بالقدرة على الحد من العلامات العصبية للضيق العاطفي، حتى في الحالات التي يعلم فيها الناس بالفعل أنهم يتناولون أدوية وهمية فقط، لا عقارًا نشطًا.

يزعم الباحثون أن تلك النتيجة تُعد أول برهان من نوعه على علاج وهمي «غير خادع» يؤدي إلى تغيرات بيولوجية-نفسية حقيقية قابلة للقياس، لا مجرد فوائد ذاتية أو نتائج سلوكية. لكن ما هو الدواء الوهمي غير الخادع؟ في البحوث التقليدية التي تشمل الدواء الوهمي، لا يعرف الناس الذين يُعطَون الدواء الوهمي في التجارب أنهم يتناولون مادة غير فعالة.

يؤدي اعتقادهم الخاطئ أنهم أخذوا مادة نشطة من نوع ما مثل الأدوية الكيميائية إلى تأثير الدواء الوهمي، نوع من استجابة «العقل المهيمن على المادة» التي يبدو أنها تحفز فوائد فيزيولوجية، حتى في الحالات التي ليس من المفترض أن تحصل فيها.

لكن هل من الخطأ أن نخدع الناس ليعتقدوا أنهم يحصلون على أدوية حقيقية في حين أن ذلك لا يحدث؟ أدى هذا المأزق الأخلاقي إلى جهود بحثية جديدة تستخدم أدوية وهمية غير خادعة، فعندما يجري الباحثون تجارب تشمل أدوية وهمية غير خادعة، يُعلَم المشاركون بوضوح أنهم يحصلون على دواء وهمي، لكنهم يعرفون أيضًا أن الأدوية الوهمية تؤدي في بعض الظروف إلى نتائج فيزيولوجية مفيدة، حتى في غياب الأدوية الفعلية.

يبدو أن معرفة الناس واعتقادهم أن الأدوية الوهمية قد تفيدهم، قد يكون كافيًا لإحداث تأثير الدواء الوهمي، دون خرق أي قواعد أخلاقية. يقول الباحثون إننا قد نتمكن من استغلال هذه الظاهرة المدهشة نوعًا ما في العلاج الصحي الفعلي.

الدواء الوهمي يخفف من الضيق العاطفي حتى إن كنت تعلم أنك تتناول دواءً وهميًا - ما هو البلاسيبو - كيف يؤثر الدواء الوهمي على الجسم

قال كبير الباحثين، عالم النفس داروين غيفارا من جامعة ولاية ميشيغان: «ماذا لو تناول شخص حبة سكر عديمة الآثار الجانبية مرتين في اليوم، بعد أن شاهد مقطع فيديو أقنعه بأثر الدواء الوهمي، واختبر إجهادًا أقل نتيجةً لذلك؟ نتائجنا تثير هذه الاحتمالية».

أجرى غيفارا وفريقه تجارب شاهد فيها الناس سلسلة صور موجهة، مُصممة لإحداث استجابة عاطفية سلبية.

قيل لنصف المجموعة المُعشاة إنهم سيحصلون على علاج وهمي، رذاذ أنفي يحتوي على محلول ملحي ولا يحتوي على مكونات نشطة. وأُخبروا أن الدواء الوهمي قد يكون مؤثرًا، حتى في حالات إعطاء أدوية وهمية غير خادعة. إضافةً إلى ذلك، قيل لهم إن الرذاذ الأنفي -مع أنه دواء وهمي- يساعد على تخفيف ردود الفعل العاطفية السلبية للصور المحزنة، إذا اعتقدوا أنه قادر على ذلك بالفعل، وكانت تلك هي مجموعة الدواء الوهمي غير الخادع.

أما المجموعة الأخرى -مجموعة الضبط- فلم يُخبَر المشاركون فيها بأي شيء عن الأدوية الوهمية أو تأثيرها، بل قيل لهم ببساطة إن الرذاذ الملحي يُستخدم لتحسين وضوح القراءات الفيزيولوجية في التجربة.

أُجريت تجربتان، وكانتا متماثلتين عمومًا، باستثناء أن التجربة الأولى -التي شملت 62 شخصًا- أبلغ المشاركون فيها عن شعورهم بعد استخدام الرذاذ الملحي ومشاهدة الصور، أما في التجربة الثانية -التي شملت 198 شخصًا- فقد روقب النشاط الدماغي للمشاركين باستعمال تخطيط الدماغ الكهربي في أثناء مشاهدة الصور.

في التجربة الأولى، أظهرت النتائج أن المشاركين الذين تناولوا الدواء الوهمي أبلغوا عن مستويات أقل من الإجهاد النفسي مقارنةً بمجموعة الضبط. وفي التجربة الثانية التي شملت تخطيط كهرباء الدماغ، ظهر أن للدواء الوهمي غير الخادع تأثير أيضًا، إذ رُصد انخفاض ملحوظ في المؤشر الحيوي العصبي للإجهاد العاطفي، الذي يشير إلى التأثير الإيجابي المتأخر في سعة الموجات الدماغية.

يقول الباحثون إن نتيجة التجربة الثانية جديرة بالملاحظة، ففي حين أظهرت دراسات أخرى الفوائد المُبلَغ عنها ذاتيًّا للأدوية الوهمية غير الخادعة، وبحثت إحدى الدراسات في النتائج السلوكية الموضوعية، لم تُحدّد علامات حيوية عصبية فعلية لانخفاض الإجهاد العاطفي بسببها من قبل.

ويقول الباحثون أيضًا: «إن هذه النتيجة تثبت مبدئيًّا أن أثر الأدوية الوهمية غير الخادعة ليس نتيجة لتحيّز الاستجابة فقط، بل يمثل تأثيرات نفسية وبيولوجية حقيقية، على الأقل في مجال الضائقة العاطفية».

نحتاج إلى إجراء المزيد من البحوث قبل أن يتمكن علماء النفس من تحويل هذه النتائج إلى علاجات عملية مأمونة ومؤكدة، يمكن إعطاؤها للمرضى، وذلك قد يحدث يومًا ما.

قال المؤلف المشارك، طبيب النفس جيسون موزر: «صُنعت الحبوب الوهمية غير الخادعة لنتمكن من استخدامها في الممارسة العملية الروتينية، لذا فبدلًا من وصف مجموعة من الأدوية لمساعدة مريض ما، يمكننا أن نعطيه أدوية وهمية، ونخبره أنها قد تساعده، وغالبًا ستفعل إذا صدق ذلك».

اقرأ أيضًا:

دراسة توضح: للدواء الوهمي تأثيرات مخدرة على البعض!

وهم الدواء او الغفل (placebo): ما هو، كيف يعمل ولماذا يخدعنا؟

ترجمة: رنيم عمار خياط

تدقيق: علي البيش

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر