يمكننا تعريف السائل بأنه الشيء الذي يتخذ شكل ما يوضع فيه، أثبتت الدراسة الآن أنه – وفي ظروف معينة – ينطبق هذا التعريف على القطط أيضًا.

هذه الملاحظة التي قد تبدو متناقضة تضم صديقنا من عائلة السنّوريات انتشرت على الإنترنت منذ سنوات، لقد جعلني هذا السؤال أضحك عندما قرأته للمرة الأولى ومن ثم فكّرت في إعادة صياغة الأمر للوقوف على أهم الإشكاليات التي تواجهنا فيما يختص بعلم السوائل الذي يدرس تغيير شكل وتدفق السوائل.

وقد فازت دراستي عن القطط بجائزةIg NobelPrize في الفيزياء للعام 2017. وتقدم هذه الجائزة كل عام بواسطة منظمة Improbable Research وهي منظمة تعنى بالعلوم والفكاهة، من خلال تسليط الضوء على أبحاث علمية تثير ضحك المطلعين عليها للوهلة الأولى ومن ثم تجعلهم يعيدون التفكير في الأمر ولهذا يقام حفل خاص بالجائزة في جامعة هارفورد من كل عام.

ما هو السائل؟

تنبثق الحركة من مضمون هذا التعريف، فهي المادة القادرة على اتخاذ شكل القالب الموضوعة فيه وتحدث الحركة هنا وفق مدة معينة، ما يعرف في علم السوائل بـ زمن الاستقرار (relaxation time). وما يحدّد أن مادة ما هي سائلة أو ليست سائلة يستند بالضرورة إلى مدة مراقبتها سواء كانت هذه المدة أطول أو أقصر من زمن الاستقرار.

وإذا أخذنا القطط مثلًا، فالحقيقة هي أنها تستطيع أن تأخذ شكل القالب الموضوعة فيه إذا توفّر الزمن الكافي لذلك، وهكذا فإن القطط من السوائل إذا أعطيناها الوقت الكافي لتصبح كذلك.

وفي علم السوائل، لا تعتبر حالة المادة خاصية ثابتة، ولكن ما ينبغي قياسه هو زمن الاستقرار ما هي قيمته وما هي العوامل المؤثرة عليه. على سبيل المثال، هل يتغير زمن الاستقرار لدى القطط خلال عمرها؟

وهو ما يعرف في علم السوائل بـ تسييل القوام، هل يمكن أن يعتبر الوعاء أحد هذه العوامل المؤثرة؟ أو هل يتغير ذلك بتغير درجة ضغط القطط؟ أي تغير لزوجة السائل بتغير ضغط القطط, والمقصود هنا الضغط الميكانيكي وليس العاطفي.

رقم ديبورا (Deborah number) والتدفقات الجبلية

يتوقف تحديد حالة المادة على زمنين، زمن الاستقرار و زمن الاختبار وهو الزمن الذي مر منذ أن بدأت المادة بالتحرك داخل الوعاء، بحسب ما تبين لنا من دراسة القطط، فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون هذا الزمن الذي مر منذ أن خطى القط داخل الوعاء، وإذا كان ناتج قسمة زمن الاستقرار على زمن الاختبار أكبر من 1، فيمكن اعتبار المادة صلبة نوعًا ما، وأما إذا كان ناتج القسمة أقل من 1 فتعتبر المادة سائلًا.

وهذا ما سمّي برقم ديبورا – Deborah number،وهي كاهنة وقاضية يهودية ذكرت في الإنجيل حيث قالت أن الجبال (تتحرك) أمام الله وهو ما يمكن تفسيره بأنه خلال الأزمنة الجيولوجية تتحرك الجبال كالسوائل. أما على المدى الزمني القصير فنستطيع أن نرى الجبال الجليدية وهى تتدفق تدريجيًا.

حتى وإن كان زمن الاستقرار كبيرًا (أيام أو سنين)، يمكن اعتباره تصرف سوائل إذا كان رقم ديبورا ذو قيمة كبيرة بالمقارنة بـ 1. وعلى العكس من ذلك حتى لو كان زمن الاستقرار صغيرًا للغاية (ميللي ثانية) يمكن أن تتصرف المادة كالمواد الصلبة، إذا كانت قيمة رقم ديبورا كبيرةً نسبيًا، وهذا هو الحال عند ملاحظة بالون الماء عندما يتمدد. يعتبر رقم ديبورا قيمة لا وحدة لها، إذ أنه نسبة والنسبة لا يكون لها وحدة تميزها.

وفي العلوم بشكل عام، يوجد العديد من الأرقام التي تعبّر عن النسب ونستخدمها لتحديد حالة المادة أو النظام.

قياس سرعة عجين الكعك

فيما يختص بالسوائل هناك رقم آخر يشير إلى مدى اضطراب السائل أثناء التدفق، إذا ما كان تدفق السائل سيتسبب بدوامات أو سيتبع الخطوط العريضة للوعاء، وهنا يتسنى لنا القول أنه تدفق طبقي.

فإذا كان للسائل سرعة (س) وللوعاء حجم (ج) عمودي على التدفق، عندئذ يتم تحديد سرعة التدرج بـ (س)/(ج)، وبعكس العملية يصبح لدينا المدى الزمني. وبقسمة هذه القيمة على قيمة زمن الاستقرار نحصل على رقم جديد يطلق عليه اسم من اثنين:

  1. رقم رينولدز – Reynolds number في حالة السوائل التي يهيمن على حركتها القصور الذاتي مثل الماء
  2. رقم فايزنبرج – Weissenberg number في حالة المواد المرنة (مثل عجين الكعك).

فإذا كانت تلك الارقام كبيرة بالنسبة للرقم واحد، فسيكون في الأغلب التدفق مصحوبًا باضطرابات، وإذا كان أقل من الواحد فسيصبح في الأغلب تدفقًا طبقيًا.

وبطرح سؤال كهذا، حول ما إذا كانت القطط تعد من السوائل، تمكّنت من توضيح استخدامات هذه الأرقام في علم دراسة السوائل، وآمل أن هذا الأمر سيضحك الناس ومن ثمّ يجعلهم يفكّرون به بجديّة.


  • ترجمة: فادي سامح روماني

  • تدقيق: أسمى شعبان
  • المحرر: عامر السبيعي
  • المصدر