يدرك علماء الأرض حقيقة معروفة، وهي أن كوكبنا يتعرض بشكل دوري لتغيرات كبيرة في مناخه. فقد شهد كوكبنا على مدار 200 مليون سنة ماضية أربع فترات جيولوجية رئيسة (الترياسي، والجوارسي، والطباشيري، والحديث) وعصر جليدي واحد (the Pliocene-Quaternary glaciation)، وكلٌّ من هذه العصور لديه تأثير إضافي على النبات و المناخ و الحياة الحيوانية، بالإضافة لذلك تؤثر على مسيرة تطور الأجناس والأنواع.

لعقود، أدرك علماء طبقات الأرض أن هذه التغييرات لها علاقة بالتحولات التدريجية بمدار الأرض الذي يُسببه كلٌّ من كوكب المشتري والزهرة، والتي تتكرر بشكل منتظم كل 405000. ولم يُكتشف ذلك إلّا مؤخرًا عندما اكتشف فريق من الجيولوجيين وعلماء الأرض الدليل الأول على هذه التغيرات (الرواسب وعينات الصخور التي تزودنا بسجل جيولوجي عن كيفية وزمان تشكُّل هذه التغيُّرات).

الدراسة التي تصف نتائجهم تحمل العنوان التالي
“Empirical evidence for stability of the 405-kiloyear Jupiter–Venus eccentricity cycle over hundreds of millions of years”. والتي ظهرت مؤخرًا في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية، وقاد الدراسة دنيس بنت – Dennis V. Bent.

 البروفيسور "دنيس بنت" مع قطعة من صخرة طولها 1700 قدم أخذت من غابة بيتريفيد في المتنزه الوطني في أيرزونا.

البروفيسور “دنيس بنت” مع قطعة من صخرة طولها 1700 قدم أخذت من غابة بيتريفيد في المتنزه الوطني في أيرزونا.

منذ قرن تقريبًا، فُهمت فكرة أن الأرض تتعرض لتغيرات دورية متكررة في مناخها (تتعلق بالتغيرات في مدار الأرض)، تتألف هذه التغيرات من دورات ميلانكوفيتش -Milankovitch Cycles، والتي تتكون من دورة مدتها 100000 سنة من لا مركزية مدار الأرض، ودورة مدتها 41000 سنة يميل فيها محور الأرض بالنسبة لمستواه المداري، ودورة مدتها 21000 سنة ناتجة عن تغيرات في محور الكوكب.

ومن أجل دراستهم وأبحاثهم، حصل البروفيسور دنيس وزملاؤه على عينات من رواسب من حوض Newark، وهي بحيرة تعود إلى ما قبل التاريخ وامتدت في معظم أرجاء نيوجرسي. بالإضافة إلى التغيرات والتقلبات منذ 405000 عام والناتجة عن تأثير الجاذبية لكوكبي المشتري والزهرة، فإن هذه التغيرات تسبب تغيرًا في كمية الطاقة الشمسية التي تصل لأجزاء من كوكبنا، والذي بدوره يؤثر على مناخ الأرض. استنادًا إلى سجلات الحفريات، يتبين أن هذه الدورات كان لها تأثير كبير في الحياة على الأرض ومن المحتمل أن يكون لها تأثير على مسار تطور الأنواع والأجناس.

ما هو الشكل المستقبلي لمدار الأرض حول الشمس المجال المغناطيسي للأرض مدار الكوكب حول الشمس الحياة المناخ محور الكوكب تطور الأجناس والأنواع

يبلغ طول هذه الصخرة حوالي 518 متر، وقطرها 6.35 سم. ضمن حدود الصخور القديمة في غابة المتنزه الوطني في أريزونا، حدد العلماء علامات على وجود اختلاف منتظم في مدار الأرض الذي يؤثر على المناخ

بعد ذلك ربط الفريق الانعكاسات في المجال المغناطيسي للأرض (حيث يتبدل القطب الشمالي والجنوبي إلى رواسب تحوي أو لا على الزركون -معدن يحوي يورانيوم يسمح بالتأريخ الإشعاعي-)، بالإضافة لدورات المناخ في السجل الجيولوجي.

وكما أظهرت النتائج إلى أن الدورة كانت ثابتة لمئات الملايين من السنين وما زالت نشطة حتى الآن، وأوضح البروفيسور دنيس بأن هذا يُشكل أول دليل على أن الميكانيكا الفلكية لعبت دورًا تاريخيًا في التحولات الطبيعية في مناخ الأرض.

القارة العظمى بانجيا-Pangaea خلال العصر البرمي (250-300 مليون سنة مضت)

القارة العظمى بانجيا-Pangaea خلال العصر البرمي (250-300 مليون سنة مضت)

لم يستطع العلماء الحصول على تواريخ دقيقة لتغير أو لانعكاس الحقل المغناطيسي للأرض لمدة 30 مليون عام من العصر الترياسي (ما بين 201.3-237 مليون سنة مضت)، وكانت هذه الفترة مصيرية لتطور الحياة البرية؛ فقد تقسمت فيها قارة Pangaea وظهرت الديناصورات والثدييات للمرة الأولى.

أدى هذا التفكك لتشكل المحيط الأطلسي؛ ابتعدت القارات عن بعضها البعض وتزامنت مع انقراض جماعي بنهاية هذه الفترة والتي أثرت على الديناصورات.

بوجود الدليل الجديد سيتمكن الجيولوجيون وعلماء الحفريات وعلماء الأرض من تطوير جداول زمنية دقيقة وتصنيف الأدلة الأحفورية المؤرخة بهذه الفترة بدقة، الأمر الذي سيُظهر الاختلافات والتشابهات على مناطق واسعة.

من المؤكد أن هذا البحث والقدرة على إنشاء جداول زمنية جيولوجية ومناخية دقيقة تعود لأكثر من 200 مليون سنة ستكون لها نتائج صارمة وقوية. فلن تستفيد منها في دراسات المناخ وحسب، وإنما سنتمكن من فهم كيفية تطور الحياة والنظام الشمسي، الأمر الذي سيمكننا أيضًا من فهم كيفية ظهور الحياة في أنظمة النجوم الأخرى.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: يزن باسل دبجن

تدقيق: براءة ذويب

المصدر