ما هو سبب عدم فعالية أدوية السكتة الدماغيَّة؟


احتفل الأطباء المختصون بالسكتة الدماغيَّة قبل عشرين عامًا بوصول سلاح جديد وقوي وهو عقار «البلاسمينوجين النسيجي المنشط TPA» -المُخصَّص لإزالة التجلُّط. فقد اُعتُبِر هذا العقار مُنقذ للحياة وأثبت صحة ذلك بإنقاذه لحياة مئات الآلاف من المرضى منذ ذلك الوقت. كما كان «TPA» أول دواء ومازال الدواء الوحيد المُعتمد من قِبَل الإدارة الأمريكيَّة للغذاء والدواء لعلاج السكتات الدماغيَّة الناجمة عن جلطات تمنُّع تدفُّق الدم إلى الدماغ. ولكن كالعديد من الأعاجيب الطبيَّة، اتضح أنَّ لمنشط البلاسمينوجين النسيجي «TPA» قيود جادَّة وخطيرة. فيجب أن يدخل الدواء الجسم في غضون ثلاث ساعات من بدء ظهور الأعراض، ولا يستمر طويلًا في الجسم قبل أن يفقد فعاليته، ويمكن أن يُسبِّب نزيفًا مستمرًا، وغالبًا ما يفشل في تفتيت الجلطات الكبيرة.

وبالنسبة للعديد من الأميركيين الذين يتعرضون سنويًا للسكتة الدماغيَّة، والذين تصل أعدادهم إلى حوالي 800،000 شخص، وقد تكون هذه العيوب مميتة. فحوالي 130،000 منهم يموتون بسببه. وللأسف، لم تكن هناك بدائل جيدة لـ «TPA» منذ بداية ظهوره.

وقام الأطباء والعلماء مؤخرًا بالخروج من هذا المأزق السريري طويل الأمد بأدوات جديدة لتبديد هذه الأرقام المروِّعة. فقد تم ابتكار جهاز سلكي صغير يُدعى (المسترجع المدعّم- stent retriever) يمكنه أن يصل إلى الأوعية الدمويَّة المؤديَّة إلى الدماغ، فيقوم بسحب الجلطات الكبيرة. وقال (جيفري سايفر- Jeffrey Saver) مدير مركز السكتة الدماغيَّة في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: «لقد تم إثباته كأول علاج فعَّال للسكتة الدماغيَّة الحادة في جيل كامل». وقد حصل جهاز «stent retriever the» الذي وافقت عليه إدارة الأغذية والأدوية في عام 2012، على دعم كبير في هذا العام عندما ذكرت دوريَّة (ستروك-Stroke ) بيانات تُظهِر أنَّ عددًا أكبر من المرضى الذين عُولِجوا به استأنفوا حياتهم الطبيعيَّة أكثر من المرضى الذين تلقَّوا منشط البلاسمينوجين النسيجي «TPA». وقدَّمت الشركة المُصنِّعة للجهاز (ميدترونيك- Medtronic)، دعمًا لهذه الدراسات. وقد لاحظ عالم الأعصاب (بروس كامبل- Bruce Campbell) من مشفى ملبورن الملكي في أستراليا، والذي شارك في هذا التحليل، أنَّ السكتة الدماغيَّة تخضع لـ «عمليات نقد صارمة ومستقلة» للحيلولة دون الانحياز. كما ويعمل الباحثون أيضًا على تطوير طرق أفضل للكشف عن التجلطات، فضلًا عن تقنية مغناطيسيَّة تعمل على توجيه الـ «TPA» نحو موقع المشكلة. ويمكن لهذه الطريقة أن تُساعد في القضاء على عوائق خطيرة في أماكن أخرى في الجسم، بالإضافة إلى الدماغ.

جلطات كبيرة تؤدي إلى ورطة كبيرة

من بين كل سلبيات الـ «TPA»، الأكثر خطورة هو قصوره ضد الجلطات الكبيرة، والتي يمكن أن تُحدِث انسدادًا في الأوعية الدمويَّة الكبيرة في قاعدة الدماغ؛ والتي تُسبِّب حوالي (25-30)% من كل السكتات الدماغيَّة. وعلى الرغم من أنَّها تعمل بشكل جيد ضد الجلطات الصغيرة في الأوعية الضيقة، إلا أنَّ جرعة آمنة من هذا العقار— والذي يتم حقنه وريديًا— غالبًا لا تدوم طويلًا بما فيه الكفاية في مجرى الدم لتحلَّ الجلطات الكبيرة، كما أدَّت زيادة الجرعة إلى زيادة خطر حدوث النزف. وقال (توماس مالدونادو- Thomas Maldonado) أخصائي الجلطات في المركز الطبي «Langone» في جامعة نيويورك: «كل ما تحتاج أن تراه هو نزيف واحد في الدماغ بسبب الـTPA، لكي يجعلك تتوقف عندما تفكر في إعطاء هذا الدواء.

وهنا تكون ميزة جهاز «the stent retriever». وهو عبارة عن أنبوب ضيق يمكن ربطه من الشريان الفخذي المُتوضِّع في الساق حتى موقع الجلطة، ومن ثم يتم ضغط شبكة سلكيَّة في نهاية الجهاز، والتي تتوسَّع مثل الأكورديون، إلى داخل الخثرة. ويقوم محلاق الشبكة (جزء لولبي) بالحفاظ على الجلطة من التفكك في الدماغ —والذي قد يكون مميتًا— ويُساعد على فصلها عن جدران الأوعية الدمويَّة. ثم يتم سحب الجهاز من الجسم، ويتم سحب التجلُّط معها. «حاول الأطباء في السنوات الماضية استخدام جهاز ذو رأس لولبي، إلا أنَّهم وجدوا بأنَّه لم ينجح في إزالة التجلط).

كما ويوجد ميزة أخرى لجهاز «the stent retriever» تجعله أفضل من العقار وهي أنَّ النافذة الزمنيَّة المُمكنة لإعطاء الدواء بعد لحظة ظهور الأعراض تتضاعف في حال استخدام الجهاز — ست ساعات مقابل ثلاثة. وبيَّن تحليل السكتة الدماغيَّة أنَّ تدفق الدم في الأوعية التي انسدت بجلطة كبيرة تم استعادته بنجاح لدى 236 من أصل 306 مريضًا، أو 77% من الحالات، والتي تم علاجها بالجهاز. وفي حين أنَّ نسبة النجاح عند استخدام الـ «TPA» وحده كانت حوالي 37%.

ولكن مثل جميع التداخلات الجراحيَّة، فإنَّ جهاز «the stent retriever» يحمل معه خطر حدوث مضاعفات. والخطر الرئيسي هو النزيف، وهذا هو السبب في أنَّ المرضى الذين يُعانون من ارتفاع ضغط الدم والأوعية المتوترة التي ترافقه قد لا يتم ترشيحهم لهذا الإجراء. فقال سايفر: «هنالك أيضًا احتمال أن يقوم السلك الموجه أو جزء آخر من الجهاز بضرب الوعاء الدموي أثناء العملية».

ويضيف سايفر: «ومن المضاعفات الأقل شيوعًا، هو أن تنفصل قطعة من الجلطة أثناء عملية سحبها، وتفرَّ إلى شريان جديد وتُسبِّب سكتة دماغيَّة جديدة في منطقة مختلفة». ويحدث ذلك لدى حوالي (2-3)% من الحالات.

مساعدة من التصوير

إنَّ الضرر الذي تُسبِّبه جلطات الدم لا يقتصر على السكتات الدماغيَّة فقط. فكل عام يُصاب ما يُقارب 900000 شخص في الولايات المُتَّحدة بجلطات الدم في الساقين، ويُدعى هذا بالتخثر الوريدي العميق «DVT». وبصرف النظر عن الشعور الموضعي بالضيق والألم اللذان يُسبِّبهما هذا المرض، فيمكن للـ «DVT» أن ينتقل إلى الرئتين ويتحول إلى انسدادات رؤية غالبًا ما تكون مميتة، ويؤدي ذلك إلى وفاة ما يُقدَّر بنحو 100000 شخص سنويًا. ويتم التعامل مع هذين النوعين من الجلطات عادة مع مضادات التخثر الهيبارين (للحالات الحادة) والوارفارين (للمشاكل على المدى الطويل)، ويمكن حدوث التدخل الجراحي في الحالات الخطيرة. ووافقت إدارة الأغذية والأدوية على منشط البلاسمينوجين النسيجي للعلاج الحاد لجلطات الرئة في عام 2002؛ على الرغم من أنَّه يحمل المخاطر والمضاعفات المذكورة، إلا أنَّه يمكن أن يُقلِّل من حجم الجلطات، والذي لا تستطيع مضادات التخثر القيام به. كما ويلقى هذا العقار رواجًا كعلاج لبعض حالات تجلطات الساق.

والمعرفة الدقيقة لمواضع تشكُّل الجلطات تُساعد الأطباء على مطاردتها، فيمكن للموقع أن يؤثر على اختيار الأدوية أو العلاجات الأخرى. لكن وللأسف، أساليب التصوير الحالية تنطوي على قيود، فالتكنولوجيا الحالية كما يقول (بيتر كارافان- Peter Caravan) طبيب أشعة والمدير المشارك لمعهد الابتكار في مجال التصوير في مشفى ماساتشوستس العام، هي «جيدة جدًا إذا كان لنا أن نعرف أين نبحث». لكن لا يوجد حاليًا أي اختبار كامل للجسم يمكنه أن يُحدِّد موقع جلطات الدم في أي مكان قد تتشكَّل فيه. وتُعدُّ الموجات فوق الصوتيَّة الخيار الأول لإيجاد جلطة في الساقين، ويمكن للتصوير المقطعي «CT» بسهولة الكشف عن الانسداد الرئوي. كما يُعدُّ التصوير المقطعي «CT» الخيار الأول للمرضى الذين يصلون إلى المشفى وهم يُعانون من أعراض السكتة الدماغيَّة. «ولكن إذا كنا لا نعرف أين ننظر، فيجب علينا إخضاع المريض لمجموعة من الفحوصات». وهي عملية مُكلَّفة وتستغرق الكثير من الوقت مما سيؤخر العلاج.

وقام كارافان وفريقه لمعالجة هذه المشكلة باختراع أداة التصوير التي، عند حقنها في مجرى الدم، ترتبط إلى الفيبرين (الليفين)، وهو البروتين الشبه شبكي الذي يُشكِّل الجلطات، ويجعلها مرئيَّة للماسح الضوئي. ولهذه الطريقة إمكانية الاستعمال في جميع حالات الجلطات بما في ذلك تلك التي تُسبِّب السكتات الدماغيَّة. ويقول كارافان: «حوالي ثلث السكتات الدماغيَّة الإقفاريَّة هي من أصل غير معروف». ويُضيف: «قد تعتقد، في البداية، (ماذا في ذلك؟ لقد أصبت بالسكتة الدماغيَّة لماذا يُهمك من أين جاءت؟)، ولكن في الحقيقة تدور الأهمية حول منع حدوث السكتة الدماغيَّة الثانية. فأكبر تهديد لإصابتك بسكتة دماغيَّة هي إصابتك بواحدة سابقًا».

ولأن التحقيق التجريبي يرتبط بالليفين (و«يضيء» في التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET SCAN )، فإنَّه يمكن أن يُساعد على معرفة مدى خطورة الجلطة وهل هي: جلطات حديثة، وهي التي لديها كمية ليفين أكبر من الجلطات الأقدم، وهي أقل استقرارًا وأكثر عرضة للانتقال إلى الرئتين. كما ويمكنها أن تؤثر في الدماغ مُحدِثًة سكتة دماغيَّة. وعلاوة على ذلك، لكون منشط البلاسمينوجين النسيجي أكثر فعاليَّة ضد الجلطات الحديثة الغنية بالليفين أكثر مما هو عليه ضد الجلطات القديمة. فبذلك، يمكن لهذا الفحص أن يُساعد في تحديد أية جلطات يجب مهاجمتها بالعقار. وبعد سلسلة من التجارب على الحيوانات، بدأ الباحثون اختبارات السلامة للجهاز الجديد في مواضع بشريَّة سليمة في الربيع الماضي.

ويعتقد بعض الأطباء أنَّه يمكن لمنشط البلاسمينوجين النسيجي أن يعمل بشكل أسرع ويمنع السكتات الدماغيَّة بنجاح أكبر إذا كان بالإمكان إرشاد الدواء نحو مكان الجلطة بسرعة وكفاءة بدلًا من مجرد حقنه في مجرى الدم. ويقوم الباحثون في مشفى (الميتوديست- Methodist) في مدينة هيوستن بتجارب للوصول إلى طريقة لنقل الـ «TPA» إلى موقع الجلطة مع حمايته من دفاعات الجسم الطبيعيَّة والتي تحدُّ من فعاليَّة العقار. فهم يُجرون التجارب على جزيئات نانويَّة (متناهية في الصغر) من أكسيد الحديد الموسوم بالـ «TPA» والمموَّه حيويًا والمغلَّف ببروتين الألبومين الموجود بالأصل في الدم. فيقوم غلاف الألبومين بخداع دفاعات الجسم ويُعطي وقتًا إضافيًا لمنشط البلاسمينوجين النسيجي للعمل على التجلُّط؛ فيتمكَّن أكسيد الحديد من الرصد بالتصوير بالرنين المغناطيسي، والتوجيه عن بُعد للجسيمات النانويَّة بالمجالات المغناطيسيَّة الخارجيَّة والتسخين المغناطيسي في الموقع الهدف لتسريع عملية حل الجلطة. وبما أنَّ الـ «TPA» لا يتحلَّل أثناء نقله داخل أوكسيد الحديد إلى موقع التجلُّط، فيمكن للجرعة أن تكون صغيرة بالشكل المناسب لمنع خطر حدوث نزيف. وقد كانت النتائج مع مزارع الأنسجة البشريَّة والنماذج الحيوانيَّة واعدة، وهناك خطط لتجارب سريريَّة على البشر.

وبطبيعة الحال، فإنَّ إمكانية توقُّف تكوُّن جلطات الدم في المقام الأول هو الحل الأفضل. وهناك قائمة متزايدة من ظروف حدوث التخثر التي تُسبِّبها طفرات وراثيَّة، ويقوم الباحثون في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك فريق في N.Y.U. Langone، بتحليل الدور الذي تلعبه الجينات في تكوُّن الجلطات. ويقول مالدونادو: «هذه هي البصمة الوراثيَّة التي نبحث عنها». والهدف هو تطوير اختبار وراثي يمكنه أن يُظهِر فيما إذا كان الشخص مُعرَّضًا أكثر لخطر حدوث الجلطة وبالتالي تقديم العلاج الوقائي مثل مضاد التخثر.

ويمكن لهذا المنهج أن يُعيق تشكُّل الانسدادات مما يجعل العمل مع الأسلاك والمغانط أمرًا لا لزوم له.


إعداد: ديانا نعوس
تدقيق: هبة فارس

المصدر