أشجار الغابة، أسماك النهر، ذباب الخيل في الحقول، حيوانات الليمور في الأدغال، أعواد القصب في المستنقعات، وديدان التربة؛ تتشكل كل هذه النباتات والحيوانات من وحدات بناء ندعوها الخلايا. وتتألف الكثير من الأجسام الحية مثل الأمثلة السابقة من عدد كبير من الخلايا تعمل بتناغم مع بعضها البعض، بينما تتكون الأشكال الأخرى من الحياة من خلية واحدة فقط، مثل العديد من أنواع البكتيريا والأوليات (البروتوزوا – Protozoa). وعادةً ما تكون هذه الخلية صغيرة جدًا لترى دون المجهر الضوئي، سواء كانت خلايا مستقلة أو جزءًا من كائن متعدد الخلايا.

تتشارك الخلايا العديد من الصفات العامة مع أنها قد تبدو مختلفة بشكل كبير، وفي الحقيقة فقد تأقلمت الخلايا عبر ملايين السنين مع مجموعة واسعة من البيئات والأدوار الوظيفية. وعلى سبيل المثال، تمتلك الخلايا العصبية استطالات طويلة ورقيقة يمكن أن يصل طولها لأمتار، وتعمل على نقل الإشارات بسرعة عالية.

وعلى نحو ملائم بشكل كبير، تحتوي الخلايا النباتية -والتي تأخذ شكل طوب القرميد- على طبقة خارجية صلبة تساعد على توفير الدعم البنائي الذي تحتاجه الأشجار والنباتات الأخرى. كما تتميز الخلايا العضلية الطويلة المدببة (ضيقة الأطراف) بامتدادات موضعية تسمح لها بتغيير طولها خلال تقلص واسترخاء عضلة الذراع.

ومع ذلك، وبقدر اختلاف هذه الخلايا، فهي جميعها تعتمد على نفس الاستراتيجيات الأساسية لإبقاء عناصر البيئة الخارجية في الخارج والسماح فقط للمواد الضرورية بالنفوذ للداخل. وتأذن للمواد الأخرى التي في الداخل بالخروج محافظة بذلك على صحتها وتضاعفها، وفي الحقيقة هذه الخصائص هي ما يجعل الخلية خلية حية.

تعريف الخلية

تعتبر الخلايا الوحدات الأساسية للحياة؛ لأنها تأتي جزئيًا في شكل وحدات متمايزة يمكن التعرف عليها بسهولة، وذلك لأن جميع الخلايا محاطة بهيكل يدعى غشاء الخلية؛ يشبه إلى حد بعيد حائط البيت ويعمل كحاجز واضح بين البيئات الداخلية والخارجية للخلية، ويشار أحيانًا لغشاء الخلية أيضًا بالغشاء البلازمي.

تستند أغشية الخلية إلى إطار من جزيئات دهنية تدعى الدهون الفسفورية (فسفوليبيدات‏) تمنع المواد المحبة للماء من دخول الخلية أو النفاذ منها. وترصَّع هذه الأغشية أيضًا ببروتينات تتولى العديد من المهام، منها العمل كبوابات لتحديد المواد التي يمكنها المرور عبر الغشاء، وتعمل بعض البروتينات الأخرى كواسمات تحدد الخلية كجزء من الكائن أو جسم غريب عنه.

وتعمل بروتينات أخرى كمشابك تربط الخلايا ببعضها كي تتمكن من العمل كمجموعة متكاملة. وتعمل بعض بروتينات الغشاء الأخرى كأجهزة إشارة تستقبل وترسل إشارات من الخلايا والبيئة المجاورة سواء كانت هذه الإشارات صديقة أو تحذيرية.

البروتينات الناقلة في غشاء الخلية

البروتينات الناقلة في غشاء الخلية

تكون البيئة الداخلية للخلية داخل هذا الغشاء مائية وتسمى سيتوبلازما، وهي مليئة بالآليات الخلوية والعناصر البنائية. تفوق نسب تركيز البروتينات داخل خليةٍ ما في الحقيقة تركيزها خارجها بكثير. سواء كان الوسط الخارجي مياه المحيط كما هو الحال في الطحلب وحيد الخلية، أو كان مصلًا دمويًا مثل خلية الدم الحمراء.

وعلى الرغم من أن الأغشية الخلوية تشكل حواجز طبيعية في البيئات المائية؛ يجب أن تنفق الخلية مع ذلك القليل من الطاقة للحفاظ على تركيزات عالية من المكونات داخل الخلية اللازمة لبقائها. وبالتالي قد تستهلك الخلايا 30% من طاقتها للحفاظ على تكوين السيتوبلازم.

مكونات الخلية الأخرى

كما ذكر سابقًا، سيتوبلازم الخلية هو موطن للكثير من العناصر الوظيفية والبنائية، وتوجد هذه العناصر في صيغة جزيئات وعضيات، تخيلها كأدوات وأجهزة وغرف داخلية للخلية.

تضم الأصناف الرئيسية للجزيئات العضوية داخل الخلية الأحماض النووية والبروتينات والكربوهيدرات والليبيدات، وكل هذه الجزيئات أساسية للوظائف الخلوية.

الأحماض النووية

الأحماض النووية جزيئات تحتوي على الشيفرة الوراثية للخلية وتساعد في التعبير عنها. يوجد نوعان رئيسيان للأحماض النووية هما: (الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين – DNA)، و(الحمض النووي الريبوزي – RNA).

يحتوي جزيء (الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين – DNA) على جميع المعلومات اللازمة لبناء الخلية والحفاظ عليها، أما (الحمض النووي الريبوزي – RNA) فله العديد من الأدوار المرتبطة بالتعبير عن المعلومات المخزنة في الـ (DNA).

البروتينات

بالطبع، ليست الأحماض النووية وحدها مسؤولة عن حفظ المادة الوراثية والتعبير عنها، فالخلايا أيضًا تستخدم البروتينات للمساعدة في تضاعف الجينوم وإنجاز التغييرات البنائية الواسعة (الصعبة) الكامنة وراء انقسام الخلية.

البروتينات هي النوع الثاني من الجزيئات العضوية داخل الخلية، تُصنع هذه الجزيئات من سلاسل لجزيئات أصغر تدعى الأحماض الأمينية، وتتولى هذه الجزيئات مجموعة من الوظائف في الخلية سواء تحفيزية أو بنيوية.

مثلًا، تحول البروتينات التي تدعى الإنزيمات الجزيئات الخلوية -سواء كانت بروتينات أو كربوهيدرات أو ليبيدات أو أحماض نووية- لأشكال أخرى قد تساعد الخلية على تلبية احتياجات الطاقة وبناء الهياكل الداعمة أو طرح النفايات الخلوية.

الكربوهيدرات

الكربوهيدرات أو النشويات والسكريات في الخلايا نوعٌ مهم آخر من الجزيئات العضوية. ومن هذه الجزيئات تُستخدم الكربوهيدرات البسيطة لاحتياجات الخلية العاجلة من الطاقة، أما الكربوهيدرات المعقدة فتعمل كمخازن طاقة داخل الخلية. توجد الكربوهيدرات المعقدة أيضًا على سطح الخلية حيث تلعب دورًا مهمًا في تمييز الخلية.

الدهون

وأخيرًا، الليبيدات أو الجزيئات الدهنية وهي مكونات أغشية الخلية، توجد في كل من الغشاء البلازمي والأغشية الخلوية الداخلية المتنوعة. وتشترك هذه الجزيئات في تخزين الطاقة بالإضافة لنقل الإشارات داخل الخلايا ومن مجرى الدم إلى داخل الخلايا.

مكونات الخلية الحية الخلايا

مكونات الخلية الحية

تتميز بعض الخلايا بترتيبات منتظمة من الجزيئات تدعى العضيات، وكغرف البيت؛ تكون هذه العضيات منفصلة عن بقية أجزاء الخلية الداخلية عن طريق الغشاء الخلوي الداخلي.

تحتوي هذه العضيات على أداة عالية التقنية ولازمة من أجل وظائف معينة داخل الخلية، ومثال على ذلك الحبيبات الخيطية والمشهورة بلقب (محطة توليد الطاقة)، وهي عضيات تحتفظ بالآلية المرتبطة بالتفاعلات الكيميائية المنتجة للطاقة وتحافظ عليها.

مقياس نسبي للجزيئات والبنى البيولوجية البكتيريا

مقياس نسبي للجزيئات والبنى البيولوجية

أنواع الخلايا المختلفة

يصنّف العلماء الخلايا بدلًا من تقسيمها حسب حجمها وشكلها عادةً وفقًا للمادة الوراثية التي تحتويها، فإذا كان (الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين – DNA) غير منفصل عن السيتوبلازم، تكون تلك الخلية بدائية النواة. وجميع بدائيات النواة المعروفة هي وحيدة الخلية مثل البكتيريا والعتائق (الأراكيا – Archaea).

وفي المقابل، تكون الخلية حقيقية النواة إذا كان (الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين – DNA) موجودًا في حجرته الخاصة المحاطة بغشاء والتي تدعى النواة. بعض حقيقيات النواة مثل الأمبيا مستقلة، كما توجد حقيقيات نواة أخرى كجزء من كائنات متعددة الخلايا. وعلى سبيل المثال، تتكون جميع النباتات والحيوانات من خلايا حقيقية النواة والبعض منها يحتوي على مليارات الخلايا حقيقية النواة.

الفروق بين الخلايا بدائية وحقيقية النوى

الفروق بين الخلايا بدائية وحقيقية النوى

كيف نشأت الخلايا؟

يفترض العلماء أن جميع الكائنات على الأرض اليوم نشأت من خلية واحدة وُجدت قبل 3.5-3.8 مليار سنة. وكانت هذه الخلية الأصلية على الأرجح عبارة عن حويصلة من الجزئيات العضوية الصغيرة ومادة شبيهة بالحمض النووي الريبوزيRNA، وهي مسؤولة عن الوظائف المعلوماتية والتحفيزية.

وتطورت جزيئات الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين الأكثر استقرارًا بمرور الزمن لتتولى وظيفة تخزين المعلومات، بينما تولت البروتينات -وهي ذات مجموعة من الهياكل أكثر من الأحماض النووية- الوظائف التحفيزية.

وكما ذكر في القسم السابق، فإن غياب أو حضور النواة وبالتأكيد وجود جميع العضيات المغلفة بغشاء هام كفاية ليكون صفة مميزة لتصنيف الخلايا إلى بدائيات وحقيقيات النواة. ويعتقد العلماء أن ظهور النواة المستقلة والعضيات الأخرى يمثل تقدمًا رئيسيًا في تطور الخلايا. لكن من أين جاءت هذه البنى؟

منذ أكثر من مليار سنة، التُهمت بعض الخلايا من قبل أجسام بالعة طفت في البيئات السائلة حيث تكونت. ثم -وبحسب بعض نظريات تطور الخلايا- ابتلعت واحدة من أوائل الخلايا حقيقية النواة خلية بدائية النوى وشكلتا معًا علاقة تكافلية. وخاصةً أن الخلية المبتلعة بدأت بالعمل كعضية داخل الخلية حقيقية النواة الأكبر التي ابتلعتها. وما تزال كل من الميتوكوندريا والبلاستيدات الخضراء الموجودة في الخلايا حقيقية النواة الحديثة تحافظ على جينوماتها الخاصة والتي يعتقد أنها نشأت بهذه الطريقة.

أصل المتقدرات والبلاستيدات الخضراء

أصل المتقدرات والبلاستيدات الخضراء

وبالطبع، فقد واصلت بدائيات النواة التطور أيضًا فتأقلمت أنواع مختلفة من البكتيريا والعتائق مع بيئات محددة. لا تنجو بدائيات النواة هذه فحسب، بل وتنمو دون أن تملك مادتها الوراثية في حجراتها.

على سبيل المثال، تعيش أنواع معينة من البكتيريا في فتحات حرارية على طول قاع المحيط، ويمكن لهذه الأنواع أن تتحمل درجات حرارة أعلى من أي كائن على الأرض.

الخلاصة

إن الخلايا هي أصغر القواسم المشتركة للحياة. وبعض الخلايا هي كائنات بذاتها، أما الأخرى فتشكل جزءًا من الكائنات كثيرة الخلايا. وتتشكل كل الخلايا من أصناف الجزيئات العضوية نفسها وهي الأحماض النووية والبروتينات والسكريات (كربوهيدرات) والدهون (الليبيدات).

يمكن أيضًا تصنيف الخلايا إلى قسمين رئيسين، وذلك حسب الأحداث التطورية القديمة، وهما: بدائيات النواة ذات الجينوم السيتوبلازمي (تكون المادة الوراثية للخلية موجودة في السيتوبلازم)، وحقيقيات النواة ذات الجينوم المغلف في النواة والعضيات المحاطة بغشاء.

وعلى الرغم من أن هذه الخلايا صغيرة، فإنها تطورت بأشكال وأحجام متنوعة. وتشكل هذه الخلايا مجتمعةً الأنسجة التي تشكل بدورها الأعضاء، والتي تشكل في النهاية كامل الكائنات.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: عدي بكسراوي
تدقيق: علي فرغلي

المصدر