يطالَب رائد الفضاء عند زيارة محطة الفضاء الدولية بأن يجري بعض الإصلاحات للهيكل الخارجي. يبدأ رائد الفضاء سيره الفضائي بعد جمع الأدوات المطلوبة، يرتدي بذلته الفضائية ويجتاز غرفة الضغط. تتمثل مهمته في إحكام غلق بعض البراغي الموجودة على هيكل المحطة الفضائية، التي تمثل خطرًا محتملًا يهدد سلامة الطاقم. بعد إجراء إصلاح شامل وناجح، يسترخي رائد الفضاء ويزيل مفتاح الربط عن آخر برغي. لسوء الحظ، يسبب ارتخاء قبضته عن المفتاح انزلاقه من يده ليسبح في الفضاء. هكذا يصبح المفتاح قطعةً من المخلفات الفضائية، قطعة حطام تدور حول الأرض بسرعة 17 ألف كيلومتر في الساعة!

ينتج البشر كميةً لا تصدق من القمامة على الأرض. في الولايات المتحدة وحدها، يتخلص كل شخص وسطيًا من نحو كيلوغرامين من النفايات يوميًا. ينتج البلد بأكمله 250 مليون طن من القمامة كل عام. ولأن لدينا قضايانا الخاصة المطروحة على أرض الواقع، المتمثلة في الفضلات ومدافن القمامة المليئة، فقد لا نفكر كثيرًا في المخلفات الفضائية، إذ يقتصر تفكيرنا على عدد قليل من المحطات الفضائية والأقمار الصناعية في المدار. تعتقد وكالة ناسا بوجود ملايين الأجسام متفاوتة الأحجام، تدور حول الأرض في سحابة عملاقة من المخلفات الفضائية.

ما المخلفات الفضائية؟

بدأ مصطلح المخلفات الفضائية بالظهور منتصف القرن العشرين، بالتزامن مع بداية سباق الفضاء. عندما أطلق الاتحاد السوفيتي سبوتنيك-1، أول قمر صناعي في التاريخ يذهب إلى المدار حول الأرض، في 4 أكتوبر 1957، بدأ العالم يظهر الاهتمام. مع أن القمر الصناعي كان صغيرًا بمعايير اليوم –يوازي تقريبًا حجم كرة الشاطئ- سبّب سبوتنيك قدرًا كبيرًا من الخوف بين الدول، خاصةً الولايات المتحدة. فإلى جانب إشعال سباق الفضاء، أقلق الإطلاق العديد من الأمريكيين بسبب ارتباطه بسباق التسلح النووي. إذا كان السوفيت قادرين على وضع قمر صناعي في الفضاء، فيمكنهم أيضًا ربطه بقنبلة نووية تبلغ هدفها في غضون ساعات.

ولما كان هذا الحدث قد فاجأ الجميع، شرعت العديد من الدول تخصص الموارد لتمويل برامج الفضاء، ودفع الحدث الكونغرس لإنشاء الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء، ناسا.

في العصر الحالي، أطلقت الحكومات وشركات الهاتف والتلفزيون ونظم تحديد المواقع، مئات الأقمار الصناعية سنويًا منذ بداية سباق الفضاء. تمثل الأقمار الصناعية، إلى جانب الصواريخ والأجسام الأخرى المرسلة إلى الفضاء، غالبية النفايات الفضائية. يصنف مكتب برنامج الحطام المداري الفضائي التابع لناسا هذه الأنواع من الأجسام أمثلةً للمخلفات الفضائية:

المركبات الفضائية المهجورة:

عندما تتعطل السفن الفضائية أو أجزاء منها، فإنها تُترك لتسبح في الفضاء إلى أجل غير مسمى. عادةً ما يكون استرجاع هذه الأجسام مكلفًا جدًا، لذلك تُترك لتدور حول الأرض حتى تسقط أو تصطدم بمخلفات فضائية أخرى.

أجزاء مركبات الإطلاق:

تتكون المكوكات الفضائية الحديثة من مجموعة صواريخ عديدة متراكبة بعضها فوق بعض. عند إطلاق المكوك، تستخدم عادةً أكثر من دفعة صاروخية ليبلغ الارتفاع الكافي في الفضاء، وتُطلَق هذه الصواريخ على مراحل. تسمى الأجزاء النهائية «العليا» لأنها تقع قرب قمة المكوك، ولأنها تُطلق متأخرًا جدًا. أي جزء ينفصل عن المركبة الفضائية يظل محتجزًا يدور في مدار الأرض. تُعد الأجزاء العليا من مركبات الإطلاق من أكبر أنواع المخلفات الفضائية.

نفايات محركات الصواريخ الصلبة:

تستخدم بعض المكوكات الفضائية وقود الصواريخ الصلب للدفع. بعد الإطلاق، يتخلف بعض الوقود ويطفو حول الحاوية. يشكل هذا خطرًا كبيرًا عند حدوث الاصطدامات، إذ ينشأ انفجار يخلق المزيد من المخلفات الفضائية.

شرائح الطلاء الصغيرة:

قد يكون ذلك صعب التصديق، إلا أن ملايين القطع الصغيرة من الطلاء تطفو حول مدار الأرض. عادةً ينشأ من الحرارة أو التصادمات رقائق من طلاء المركبات الفضائية، تتحول إلى مخلفات فضائية.

مخاطر المخلفات الفضائية

تهدد المخلفات الفضائية التي تسافر بسرعة عالية بخلق المزيد من الحطام بسبب الاصطدام بأجسام أخرى.

رصدت شبكة المراقبة الفضائية في الولايات المتحدة، أكثر من 13 ألف جسم من صنع الإنسان يدور حول الأرض، بقطر أكبر من 10 سنتيمترات. هذا العدد في تزايد إذ كان 9000 جسم فقط سنة 2000. تقدر المنظمة وجود ملايين الأجسام الأصغر تطفو حول الأرض، تزن مجتمعةً نحو 5,500 طن. إذن هل تمثل كل هذه المخلفات الفضائية مشكلة للمحطات الفضائية، أو للناس على الأرض؟

الكثير من هذه الأجسام يدور حول الأرض بسرعات تزيد على 35 ألف كيلومتر في الساعة. أي شيء يسافر بهذه السرعة العالية قد يُحدث قدرًا كبيرًا من الضرر لمركبة فضائية إذا تلقت ضربةً مباشرة. بوسع الطلاء الصغير المسافر بهذه السرعة إحداث ثقب بقطر 6 مليمترات في نافذة محطة فضائية.

نظرًا إلى وجود الكثير من الأجسام المحلقة حول الأرض، تزايدت المخاوف بسبب إمكانية حدوث تصادم بين الحطام ينتج المزيد من الشظايا. حتى لو لم نرسل أي مركبة إلى الفضاء بعد الآن، ستظل كمية الحطام في الفضاء ثابتة حتى عام 2055. بل ستزداد الأمور سوءًا، لأن المخلفات الفضائية تتصادم ما يخلق المزيد منها. من حالات التصادم المسجلة حديثًا، ما حدث في 17 يناير 2005، عندما اصطدمت قطعة من حطام صاروخ صيني بصاروخ أمريكي مهمل منذ 31 عامًا. خلف التصادم أربع قطع من الحطام، ويخشى المراقبون أن تخلق هذه القطع مع الوقت سلسلةً لا تنتهي من المخلفات الفضائية.

أكثر المخلفات الفضائية تسبح على ارتفاع بين 885 و1000 كيلومتر تقريبًا، وهذا خبر جيد لرواد الفضاء، إذ تحلق محطة الفضاء الدولية في مدار على ارتفاع 400 كيلومتر فقط، في حين تحلق المكوكات الفضائية على ارتفاع 600 كيلومتر. وتعمل البرامج الفضائية على تصميم صواريخ تحد من كمية الحطام الذي ينشأ في أثناء الإطلاق.

هل ثمة احتمال أن تسقط المخلفات الفضائية على الأرض؟ كل ما يدور في مدار الأرض سيُسحب في النهاية إلى أسفل بفعل الجاذبية. يتوقف الأمر هنا على مدى ارتفاع الجسم وسرعته. سيتأخر سقوط الجسم كلما زاد ارتفاعه، وكلما زادت سرعة دورانه حول الأرض. قد تبقى بعض هذه الأجسام في المدار آلاف السنين.

لحسن الحظ، يحترق معظم الحطام في أثناء دخوله الغلاف الجوي، لم يُصب أي إنسان سابقًا بأذى بسبب المخلفات الفضائية.

اقرأ أيضًا:

سباق الفضاء والرابح فيه

10 أسباب تجعل استكشاف الفضاء مهمًا لك شخصيًا

ترجمة: فاطمة البجاوي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر