بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية منتصف القرن العشرين، بدأ صراع جديد عُرِف باسم الحرب الباردة وضع القوتين العظميين، الولايات المتحدة الأمريكية -الرأسمالية الديمقراطية- والاتحاد السوفييتي –الشيوعي- في مواجهة بعضهما. وبنهاية خمسينيات القرن العشرين، أضحى الفضاء ساحة أخرى تتنافس فيها القوتان لتظهر كل منهما تفوقها التقني وقدرتها القتالية وتفوق نظامها السياسي والاقتصادي.

أسباب سباق الفضاء

بحلول منتصف خمسينيات القرن العشرين، تغلغلت الحرب الباردة في جميع جوانب الحياة في البلدين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، عزز تغلغلها سباق التسلح وتزايد التهديد النووي والتجسس واسع النطاق وعمليات التجسس المضادة والحرب الكورية، إضافة إلى التراشق الإعلامي المستمر حيث تصارعت الأفكار والكلمات.

لم يخلُ سباق الفضاء من هذه التوترات، التي تفاقمت مع بناء جدار برلين سنة 1961 وأزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962 واندلاع الحرب جنوب شرق آسيا.

هل تعلم؟ بعد أن حطت أبولو 11 على القمر في يوليو 1969، تلتها ست رحلات لأبولو حتى سنة 1972، أشهرها أبولو 13، إذ نجا طاقمها من انفجار خزان الأكسجين في حجرة خدمة المركبة في طريقها إلى القمر.

كان استكشاف الفضاء ساحة منافسة أخرى بين القوتين العظميين إبان الحرب الباردة، ففي 4 أكتوبر 1957 أطلق صاروخ آر-7 السوفييتي العابر للقارات أول قمر صناعي في العالم: سبوتنك -المسافر بالروسية- أول جسم من صنع الإنسان يدور حول الأرض.

كان إطلاق سبوتنك مفاجأة غير سارة لمعظم الأمريكيين، فقد نظروا إلى الفضاء بوصفه الحد الجديد الذي سيتخطونه مخلصين لتقاليدهم في الاستكشاف، وكان عليهم ألا يخسروا أمام السوفييت. كان استعراض الأخيرين لقوة صاروخهم آر-7 العظيمة، الصاروخ الذي يبدو قادرًا على حمل رأس نووي يضرب به أي مكان مُختار في الولايات المتحدة، كان هذا الاستعراض مدعاة لجمع متعجل للبيانات التي تخص أنشطة الاتحاد السوفييتي العسكرية.

تأسيس ناسا

أطلقت الولايات المتحدة قمرها الصناعي الأول «إكسبلورر 1» سنة 1958، الذي صممه الجيش بإشراف عالم الصواريخ «فيرنر فون براون»، وفي العام ذاته وقع الرئيس آيزنهاور قرارًا بإنشاء الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء «ناسا»، وهي وكالة فدرالية مخصصة لاستكشاف الفضاء.

أسس آيزنهاور برنامجين فضائيين آخرين يختصان بالناحية الأمنية ليعملا مع برنامج ناسا جنبًا إلى جنب، أولهما خُصِّص لاستغلال الإمكانية العسكرية للفضاء، وتُشرف عليه القوة الجوية الأمريكية، والثاني خُصِّص لاستغلال الأقمار الصناعية في المجال الاستخباراتي لجمع المعلومات عن الاتحاد السوفييتي وحلفائه، وتُشرف عليه الاستخبارات والقوة الجوية ومنظمة جديدة هي مكتب الاستطلاع الوطني، الذي لم يُكشف وجوده حتى التسعينيات، وأُطلق على البرنامج الاسم الرمزي «كورونا».

تصاعد حدة السباق: السفر إلى الفضاء

خطا برنامج الفضاء السوفييتي خطوة أخرى سنة 1959 بإطلاق لونا 2، أول مسبار فضائي يبلغ القمر، وفي أبريل 1961 أصبح رائد الفضاء السوفييتي يوري غاغارين أول إنسان يدور حول الأرض، وقد فعل ذلك في مركبة فضائية تشبه الكبسولة اسمها فوستوك 1.

أما جهود أمريكا لإرسال البشر إلى الفضاء بواسطة مشروع ميركوري، فقد شملت تصميم مهندسي ناسا كبسولة تشبه القمع، أصغر حجمًا من فوستوك وأخف وزنًا، اختبروها مع الشمبانزي قبل أن تدخل اختبار طيرانها الأخير في مارس 1961، فسبقت إرسال السوفييت يوري غاغارين إلى مدار حول الأرض، وفي 5 مايو أصبح رائد الفضاء آلان شيبرد أول أمريكي يُرسل إلى الفضاء، لكنه لم يصل إلى مدار حول الأرض كما فعل غاغارين.

في الشهر ذاته أطلق الرئيس كينيدي وعده العلني الجريء بإيصال أول إنسان إلى القمر قبل نهاية العقد، وفي فبراير 1962 أصبح جون غلين أول أمريكي يدور حول الأرض، وبنهاية تلك السنة وُضِعت أسس برنامج ناسا للهبوط على القمر «برنامج أبولو».

منجزات أبولو

بين عامي 1961 و1964 تضاعفت ميزانية ناسا نحو خمس مرات، وشارك في برنامج الهبوط على القمر نحو 34 ألف موظف من ناسا، إضافةً إلى 375 ألف موظف متعاقد من مختلف الصناعات والجامعات، وقد عانى البرنامج نكسةً سنة 1967 حين توفي ثلاثة رواد فضاء، احترقت مركبتهم الفضائية في محاكاة إطلاقها.

في تلك الأثناء، تقدم برنامج الهبوط على القمر السوفييتي بتردد، بسبب الجدال الداخلي عن ضرورته جزئيًا، ووفاة رئيس برنامج الفضاء سيرجي كوروليف، يناير 1966.

شهد ديسمبر 1968 إطلاق أبولو 8، وهي أول مهمة فضائية مأهولة تدور حول القمر، من منشأة ناسا الضخمة في ميريت آيلاند قرب كاب كانافيرال بفلوريدا. وفي 16 يوليو 1969 انطلق رواد الفضاء نيل آرمسترونغ وإدوين باز آلدرين ومايكل كولنز بمركبتهم الفضائية «أبولو 11» ليهبطوا على القمر، وقد نجحوا في ذلك فهبطوا في 20 يوليو، وأصبح آرمسترونغ أول رجل يمشي على سطح القمر، وقال عبارته الشهيرة: «خطوة صغيرة لرجل، قفزة كبيرة للبشرية».

من فاز في سباق الفضاء؟

ربحت الولايات المتحدة سباق الفضاء بالهبوط على سطح القمر، السباق الذي بدأ سنة 1957 بإطلاق سبوتنك السوفييتي. وقد حاول السوفييت الوصول إلى القمر وفشلوا أربع مرات بين عامي 1969 و1972، وتضمن ذلك انفجار منصة الإطلاق في يوليو 1969.

أسر سباق الفضاء انتباه الجمهور الأمريكي طوال مدته، وقد غطت وسائل الإعلام التطورات المختلفة في برنامجي الفضاء السوفييتي والأمريكي، وزاد من اهتمام الجمهور اختراع التلفاز، وأخذ الشعب ينظر إلى رواد الفضاء بوصفهم أبطالًا للأمة، واستمتع من لم يغادروا كوكبنا بتخيل أنفسهم مكان رواد الفضاء. أما السوفييت فقد صُوِّروا بأنهم الأوغاد الذين يبذلون جهدهم للتفوق على أمريكا وإثبات قوة النظام الشيوعي.

قل اهتمام الحكومة الأمريكية ببرنامج الرحلات القمرية بانتهاء سباق الفضاء بداية السبعينيات، وسنة 1975 أرسلت مهمة أبولو-سويوز المشتركة ثلاثة أمريكيين إلى الفضاء على متن مركبة أبولو التي وصلت إلى المدار مع مركبة سويوز السوفييتية، وأصبحت مصافحة قائدي المركبتين رمزًا للتحسن التدريجي في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أواخر حقبة الحرب الباردة.

اقرأ أيضًا:

أبرز المؤامرات حول الفضاء التي ما يزال البعض مؤمنًا فيها حتى الآن

ثلاثة أسباب ستعجل بعودتنا إلى القمر

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: نور عباس

المصدر