موجات المايكروويف هي نوعٌ من الإشعاع الكهرومغناطيسيّ؛ مثل موجات الراديو والأشعة فوق البنفسجية وأشعة إكس وأشعة جاما، تدخل في نطاقٍ كبيرٍ من التطبيقات تتضمن: الاتصالات، والرادار، وربما يعرفها كثيرٌ من الناس في مجال الطهي.

ينتشر الإشعاع الكهرومغناطيسي في صورة موجاتٍ وجسيماتٍ ذات أطوالٍ موجية وتردداتٍ مختلفة، ويُعرف هذا النطاق الواسع من الأطوال الموجية باسم (الطيف الكهرومغناطيسي -electromagnetic spectrum).

يُقسم هذا الطيف– بشكلٍ عام- إلى سبع مناطق حسب تناقص الطول الموجيّ وتزايد الطاقة والتردد، ويُسمى بمسمياتٍ شائعة هي: موجات الراديو، موجات المايكروويف، الأشعة تحت الحمراء، الضوء المرئي، الأشعة فوق البنفسجية، أشعة إكس، أشعة جاما.

يتراوح تردد المايكروويف – طبقًا لموسوعة بريتانيكا- من واحد بليون اهتزازةٍ في الثانية أو واحد جيجاهرتز إلى حوالي ثلاثمئة جيجاهرتز، والطول الموجي من حوالي 30 سم (12 انش) إلى حوالي 1 ملم (0.04 انش).

وتشرح جينجر بوتشر في كتابها »رحلة في الطيف الكهرومغناطيسي« تقسيم ذلك النطاق إلى مجموعةٍ من الحزم الأصغر وأطلقت عليها الحروف .L, S, C, X, K

الاتصالات والرادار:

تُستخدم موجات المايكروويف -في الغالب- في أنظمة الاتصالات من نقطةٍ لأخرى، لنقل جميع أنواع المعلومات ومن ضمنها البيانات الصوتية والفيديو في كلا الصيغتين التناظرية والرقمية، وهذا طبقًا (اللجنة الفيدرالية للاتصالات- (Federal communication commission ، تُستخدم أيضًا في التحكم واستحصال البيانات من الآليات والصمامات والإشارات البعيدة.

ويُدُّ الرادار أحد التطبيقات المهمة للمايكروويف، وكلمة الرادار- في الأصل- اختصارٌ للنطاق و(الكشف اللاسلكي أو الراديوي-(Radio Detection And Ranging وقد لاحظ مهندسو الراديو البريطانيون -قبل الحرب العالمية الثانية- اصطدام موجاتٍ ذات طولٍ موجيٍّ قصيرٍ بالأجسام البعيدة كالسفن والطائرات، ولاحظوا أيضًا أنَّ الإشارة المرتدة يمكن اكتشافها بواسطة هوائي موجه عالِ الحساسية، وبالتالي يمكن تحديد وجود هذه الأجسام وموقعها.

وقد شاع استخدام لفظ » الرادار« إلى الحد الذي صارت فيه الكلمة قائمةً بذاتها، وتشير إلى الأنظمة التي تستخدم المايكروويف أو موجات الراديو.

وهناك حقيقةً تاريخيةً تقول إن أول رادارٍ قد بُني في أعلى نقطة كاهوكو عند أقصى شمال قمة أوهايو، وقد قامت هذه المحطة بالفعل- طبقًا للموقع الالكترونيّ لولاية هاوي- بكشف أول موجةٍ من الطائرات اليابانية التي كانت في طريقها لتدمير ميناء بيرل هاربور قبل أن تصل الطائرات إلى الميناء ب 212 كيلومتر تقريبًا، ولكن لأنَّ المحطة كانت قد بدأت العمل منذ أسبوعين فقط؛ تم تجاهل التحذير واعتُبرت غير دقيقة.

قد تحسن الرادار كثيًرا أثناء فترة الحرب وأصبح الآن عنصرًا هامًا في نظم الدفاع الوطنيّ، والتحكم في الطيران المدني.

يدخل الرادار في العديد من التطبيقات الأخرى، بعضها يستغل (تأثير دوبلر – Doppler effect)، وتُعد سيارة الإسعاف مثالًا على هذا التأثير، لأنها باقترابها تزداد حدة صوتها حتى تعبر من جانبنا، وبعدها تنحسر حدة صوتها كلما ابتعدت عنا.

يقول (روبرت ميانوفيتش – Robert Mayanovic) أستاذ الفيزياء بجامعة ولاية ميسوري، إنَّ رادار دوبلر – والذي يستخدم المايكروويف- يُستخدم في مراقبة الطيران المدني، وقياس سرعة السيارات في الطرق، وعندما يقترب الجسم من الهوائي تنضغط موجات المايكروويف ويقل الطول الموجي وبالتالي يزداد التردد.

والعكس عندما يبتعد الجسم، يزداد الطول الموجي ويقل التردد، وبحساب التغير في التردد تُحسبُ سرعة الجسم بعيدًا أو باتجاه الهوائي.

وتتضمن التطبيقات الشائعة القائمة على هذا المبدأ، كواشف الحركة البسيطة ورادارات قياس سرعة السيارات المحمولة يدويًا، والرادار الخاص بقياس الارتفاعات والرادار الخاص بالطقس، والذي يتتبع الحركة ثلاثية الأبعاد لقطرات المياه في الغلاف الجوي، ويُطلق على هذه التطبيقات »الاستشعار الفعال«؛ لأنه يتم إطلاق الموجات واستقبالها وتحليلها.

أما الاستشعار السلبي، فإنه يتم عبر رصد وتحليل مصادر موجات المايكرويف الطبيعية سواءً في الأرض أو في الفضاء عبر الأقمار الصناعية.

المايكروويف مصدرٌ للحرارة:

يعد الطهي السريع للطعام أحد أكثر الاستخدامات شيوعًا للمايكروويف، اكتُشفت قدرة موجات الميكروويف على نقل الطاقة الحرارية بالصدفة البحتة، يذكر الكاتب (أيرا فلاتو- Ira Flatow) في كتابه بعنوان (كلهم ضحكوا، القصص المذهلة وراء اختراعات غيرت حياتنا من المصباح الكهربائيّ إلى الليزر)، يذكر قصة اختراع فرن المايكروويف: »بعد الحرب العالمية الثانية بوقتٍ قصير.

كان المهندس العبقري وبطل الحرب (بيرسي سبنسر – Percy L. Spencer) يتجول في أحد مختبراته في شركة رايتون، عندما توقف أمام (صمامٍ مغناطيسيٍّ مفرّغ – magnetron) وهو أنبوبٌ للطاقة يُستخدم في تشغيل جهاز الرادار، عندها لاحظ فجأةً أن قضيبًا من الحلوى في جيبه بدأ في الذوبان، ثم قاده مزيدٌ من التحقق إلى عمل أول دفعةٍ من الفوشار في المايكروويف«.

وكان أول فرن مايكروويف ضخمًا وغاليَ الثمن، ومنذ ذلك الحين أصبح شائعًا ومتاحًا في المنازل حول العالم.

تُستخدم أنظمة تسخين المايكروويف في العديد من التطبيقات الصناعية مثل معالجة أو تجهيز الطعام والكيماويات والمواد الخام باستمرارٍ أو على مراحل منفصلة.

مصادر المايكروويف الطبيعية:

يقوم علماء الراديو الفلكيون بالرصد الفلكي في نطاق المايكروويف، لكن نتيجة ضعف الموجات أثناء مرورها في الغلاف الجويّ، فإنهم يقومون بالرصد باستخدام أقمارٍ صناعية أو مناطيد على ارتفاعاتٍ عالية.

وربما تكون أشهر إشارات المايكرويف القادمة من الفضاء هي التي رصدها اثنان من العلماء في معامل بيل أثناء عملهم على أنظمة الاتصالات اللاسلكية باستخدام هوائي عملاق مثبت على الأرض.

وطبقًا لموقع ناسا الإلكتروني، فإنه في عام 1965 اكتشف العالمان في مختبر بيل، أرنو بنزياس وروبرت ويلسون اكتشافًا مذهلًا بالصدفة البحتة أثناء عملهم على موجات الميكروويف في الحزمة L، لقد رصد أحد (الهوائيات الخاصة للرصد الدقيق – special low-noise antenna) وجود ضوضاء في خلفية الموجات التي يرصدها.

الأمر الغريب حول هذه الضوضاء أنها قادمةٌ من جميع الاتجاهات وتختلف اختلافًا طفيفًا في شدتها، فإن كانت قادمةً من شيءٍ ما على سطح الأرض مثل محطة بثٍّ في برج تحكمٍ في مطارٍ قريبٍ فستكون من اتجاهٍ واحدٍ لا من جميع الاتجاهات.

وسرعان ما أدرك عالما المختبر أنهما اكتشفا إشعاع الخلفية الكونية الميكروي والذي يملأ الكون بأكمله، والدليلُ لبدايات الكون، وهو ما يُعرف باسم الانفجار العظيم.

حصل العالمان بنزياس وويلسون عام 1978 على جائزة نوبل عن هذا الاكتشاف، ومنذ ذلك الحين يُخطط إشعاع المايكروويف الكوني في خرائط عالية الدقة بواسطة الأقمار الصناعية، ولقد كشفت هذه الملاحظات عن الاختلافات الطفيفة في درجة الحرارة والتي تطورت في نهاية الأمر إلى العناقيد المجرية التي نراها اليوم.

وإنَّ تحليل هذا الإشعاع أعطى العلماء الدلائل على تركيب الكون، ويعتقد العلماء الآن أن 95% من تركيب الكون يتألف من مادةٍ وطاقةٍ لا يمكن تحسسها بالأجهزة التقليدية سُميت فيما بعد بالطاقة المظلمة والمادة المظلمة، ويمكن أن يسلط الضوء أكثر على ما حدث بعد ميلاد الكون بوقتٍ قصير، أو ربما – طبقًا لبعض النماذج الكونية – قبل وجود الكون من الأساس.


  • ترجمة: عاصم البقلي
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: بشار الحجي
  • المصدر