عندما كان فيرنر هايزنبرغ يقود سيارته على الطريق، فأوقفه شرطي مرور قائلًا: «عفوًا سيدي، هل تعرف كم كنت تسير بسرعة؟» فأجاب هايزنبرغ: «لا، لكنني أعرف بالضبط أين أنا».

سواء كنت تضحك الآن أم تحدق في شاشتك مرتبكًا، فيعتمد ذلك على مدى معرفتك بأحد الأفكار الأساسية في فيزياء الكم وهو مبدأ الشك لهايزنبرغ.

في شكله الأبسط والأكثر شهرة، يقول مبدأ الشك إنه كلما عرفنا بدقة أكبر موضع جسيم في نظام كمي، زادت عدم معرفتنا لقوته الدافعة (والعكس أيضًا).

وينطبق المبدأ أيضًا على أزواج أخرى من الخصائص في الأنظمة الكمية، مثل الطاقة والزمن. ومع ذلك، يبدأ كل خريج فيزياء في فهم هذه الفكرة عن طريق مفهوم الموضع والقوة الدافعة، لذلك سنبدأ أيضًا بهذا النحو.

إذا كان هذا هو كل ما يقوله مبدأ الشك لهايزنبرغ، فمن المحتمل ألا يكون كافيًا لأن يكون عميقًا بما يكفي ليتمثل في ثقافة البوب في شكل أكواب وقمصان ورسوم متحركة.

قدم عالم الفيزياء النظرية الألماني فيرنر هايزنبرغ مبدأ الشك لأول مرة في ورقة بحثية عام 1925. ويكمن سحرها في أنها تظل سارية بصرف النظر عن مدى جودة أساليبنا التجريبية؛ فإنه ليس نقصًا في دقة القياس. ولا يهم مدى ذكائنا أو تطور معداتنا، فلا يمكننا أن تفكر في طريق خارجه لأنه حقيقة طبيعية.

لقد صاغ الفيزيائي الأسطوري وعازف البونغو الماهر ريتشارد فاينمان هذا المبدأ كالتالي: «يحمي مبدأ الشك ميكانيكا الكم. لقد أدرك هايزنبرغ أنه إذا كان من الممكن قياس القوة الدافعة والموضع بدقة أكبر في الوقت نفسه، فإن ميكانيكا الكم ستنهار. لذلك اقترح أنه يجب أن يكون ذلك مستحيلًا».

يخبرنا الواقع بأنه يمكننا أن نمتلك كعكة كمية، ولكن لا يمكننا أن نأكلها.

ما مبدأ الشك لهايزنبرغ؟

تشاد أورزيل هو أستاذ مشارك في قسم الفيزياء والفلك في كلية يونيون في سكنيكتادي في نيويورك، وهو أيضًا مؤلف لعدة كتب تشرح الأفكار المعقدة والمستوردة لجمهور من غير المختصين. ويتحدث في كتابه (كيف تعلم الفيزياء الكمية لكلبك) عن مبدأ الشك لهايزنبرغ.

يُعثر على أصل مبدأ الشك لهايزنبرغ في طبيعة الجسيمات في الفيزياء الكمية. ويمكن وصف الجسيمات إما بوصفها جسيمًا أو إما بوصفها موجة اعتمادًا على ما تفعله، وفقًا لما يقوله أورزيل في مجلة Popular Mechanics.

في بداية القرن العشرين، كان الفيزيائيون منخرطين في نقاش حاد بشأن طبيعة الضوء، وهل هو موجة أم جسيم. وبفضل اختبار رائد يُعرف باسم تجربة الشق المزدوج ليونغ، اكتشف الفيزيائيون أن الإجابة هي (الباب رقم 3) كما يصفها أورزيل. وهذا يعني أن الضوء ليس جسيمًا ولا موجة، بل لديه خصائص كلاهما. وبطريقة مذهلة، تُظهر الجسيمات المادية مثل الإلكترونات أيضًا هذه الثنائية بين الجسيم والموجة.

لذلك، كل جسيم في الكون -أو كل نوع من الأشياء التي نعرفها في الكون- لديه هذا التوازن بين الخصائص التي ترتبط بها بالموجات والخصائص التي ترتبط بها بالجسيمات، ويقول أورزيل: «إنه نوع ثالث من الأجسام ليس حقًا الأول ولا الثاني، وبسبب ذلك، لا يمكن التغلب على مبدأ الشك لهايزنبرغ باستخدام تقنية تجريبية أفضل؛ لأنه مرتبط أساسًا بتلك الطبيعة المزدوجة».

يواصل في شرح حقيقة أنه يجب أن تكون هناك خصائص تشبه الموجة وخصائص تشبه الجسيم، وهذا يعني أنه لا يمكن قياس أي منهما بدقة تامة.

القدرة على وجود كلتيهما يتطلب أن يكون كل منهما غير مثالي بطريقة ما، ولا يوجد طريقة للتغلب على ذلك، ويوضح أورزيل: «نحن نعلم من التجارب أن الأشياء التي نفكر فيها على أنها جسيمات، مثل الإلكترونات، لديها موضع محدد جيدًا، ولكن لديها أيضًا طول موجة مرتبط بها، وهذا الطول الموجي مرتبط بالقوة الدافعة».

عندما يتحرك الجسيم، فإنه يتحرك حركة موجية تتضمن طول موجة مميز مرتبط به، ويتضح أن هذا الطول متناسب عكسيًا مع القوة الدافعة. وهذا يعني أن كلما زادت سرعة الجسيم، انخفض طول الموجة، والعكس صحيح.

يقول أورزيل: «نحتاج إلى وجود كلتا هذه الخصائص إذا كنا نرغب في تحديد الموضع جيدًا وتحديد القوة الدافعة أيضًا. ويجب أن يكون لديه موضع في الفضاء، فيمكننا أن نشير إليه ونقول (إنه هنا)، ويجب أن يكون لديه طول موجة ذو طول مميز مرتبط به. وهذه الأمور غير متوافقة مع بعضها بعضًا».

إذا فكرنا في القوة الدافعة للجسيم المتحرك كموجة، فإن قمم الموجة تمثل احتمال موضع الجسيم، وطول الموجة غير النهائي يمثل قوة دافعة دقيقة جدًا. والمشكلة هي أنه مع طول الموجة الواحدة غير النهائية، هناك عدد لانهائي من القمم، ومن ثمّ تُحدد القوة الدافعة بدقة، ولكن الموضع غير معروف تمامًا. وقد يكون الجسيم في أي مكان.

لفهم الجسيم، يمكننا أن نبدأ بتجميع موجات ذات أطوال موجية مختلفة، تمثل كل منها قوة دافعة مختلفة للجسيم. وعندما تلتقي القمة بالقاع، يحدث «تداخل هدام»، ويصبح الطول الموجي مسطحًا. وعندما تلتقي القمم مع بعضها، تزداد قمة الموجة، ومن ثمّ يزداد احتمال العثور على الجسيم.

بإضافة عدد كافٍ من الأطوال الموجية وتوليد تداخلات بناءة وهدامة كافية، سنحصل على قمة واحدة تقريبًا وموضع محدد للجسيم. ففي عملية إنشاء هذه القمة، دُمر الطول الموجي، وهذا يعني أننا الآن لا نعرف شيئًا عن القوة الدافعة، سنضحي بها من أجل اليقين بالموضع.

يقول أوزيل: «أفضل ما يمكننا فعله هو إنشاء حزمة موجات، تكون مسطحة، ثم تكون لدينا بعض الموجات التي تصبح أكبر وأكبر وتصل إلى قمة ثم تصغر من الجانب الآخر، ما يجعلها تتدرج على كلا الجانبين، ويمكننا النظر إلى تلك المنطقة في الفضاء ونقول، هنا هي القمم، ولدينا العديد منها هنا. ولدينا أيضًا طول موجة يعطي القوة الدافعة، ولكن المنطقة التي يحدث ذلك فيها مقتصرة نسبيًا وقد تكون صغيرة جدًا».

هذا يعني أنه يمكن تحديد القوة الدافعة والموضع لنظام باستخدام حزمة الموجات هذه، ولكن هناك شك في كلا القياسين. لقد فهمنا المفارقة الآن، ولكن لا يزال هناك سؤال بشأن ما الذي يجعلها مضحكة.

لماذا لا نرى مبدأ الشك لهايزنبرغ على المقاييس اليومية؟

من الواضح أن السيارة -سواء كان يقودها أحد مؤسسي ميكانيكا الكم أم لا- ليست جسمًا كميًا. فإنها لا تسافر مثل الموجة، ما يعني أن السيارة لا يمكنها تفريق الضوء حول الزوايا، ومن ثمّ فهي ليست خاضعة للقوانين دون الذرية أو مبدأ الشك، وينطبق الأمر أيضًا على كرات التنس أو الكتب المصورة أو السناجب.

ليس السبب في عدم القدرة على العثور على المفاتيح كل صباح هو أننا نعرف قوتها الدافعة بدقة، فلا يمكننا معرفة موضعها، لذا لن يمكننا استخدام ذلك كعذر لتأخرنا عن العمل.

السؤال الكبير هو: لماذا لا يؤثر مبدأ الشك لهايزنبرغ في الأجسام اليومية أو المجهرية؟

تكمن الإجابة في المعادلة التي تصف هذه الظواهر.

يقول الشكل العام لمبدأ الشك لهايزنبرغ إنه إذا قمت بقياس القوة الدافعة لجسيم بالشك Δp، فإن ذلك يؤثر في الشك في الموضع Δx، الذي لا يمكن أن يكون أقل من ℏ/2Δp. والمعادلة بأكملها تبدو على النحو التالي: Δx ≥ ℏ/2Δp. ونحن هنا نهتم بالعنصر ℏ (يُنطق إتش-بار). ويُعرف هذا بثابت بلانك المخفض، والشيء الأهم هو أنه صغير جدًا، ويحد من قيم الشك في الخاصيتين ويجعلهما صغيرتين أيضًا.

إن الشك في الأشياء المجهرية صغير جدًا حتى أنه إذا كان لدينا جسم يزن كيلوغرامًا، ويتحرك بسرعة متر واحد في الثانية، فإن طوله الموجي سيكون 34-10 أمتار (صفر تليه نقطة عشرية تليها 33 صفرًا)، وهو مسافة صغيرة جدًا ولا يعقل أن نتحدث عنها كما يوضح أورزيل، ويضيف «ثم إن الشك في الموضع سيكون بعض ضعف هذه القيمة الصغيرة، وهو شيء صغير جدًا بشكل سخيف. لذا، لا يمكن رؤية مبدأ الشك في الأشياء المجهرية العادية».

يمكن رؤية مبدأ الشك في الأشياء الدقيقة الجزيئية مثل الإلكترونات، عندما تصبح خواص الموجة ظاهرة؛ لأن طول الموجة لديها يكون كافيًا. وكما يشير أورزيل، هذا هو أيضًا الوقت الذي يمكن فيه قياس ذلك الشك.

إن مكان الخط الفاصل بين السلوك الكمي وغير الكمي هو موضوع بحث مهم حاليًا في الفيزياء، حيث يكتشف العلماء تأثيرات الكم في جسيمات بحجم أكبر أو يعادل حجم ذرات الكربون-60 المعروفة أيضاً باسم كرات بوكي Buckyballs نظرًا لتشابهها مع هيكلة صندوق البيض المضلعة ذات الأوجه السداسية التي صممها بوكمينستر فولر.

أما سبب كون مبدأ الشك آسر، فيشرح أورزيل: «إنه يخبرنا بشيء مثير للدهشة عن الكون، وهو أنه على مستوى عميق جدًا وأساسي، وتتضمن طبيعة الواقع وجود بعض الشك، وأنه من المستحيل -حتى في المبدأ- معرفة بعض الأشياء عن العالم أو بعض التركيبات في العالم».

أوه، وهو أيضًا يوفر مفارقات رائعة.

اقرأ أيضًا:

ما هو مبدأ الريبة أو مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ ؟

تجربة جديدة تُبّين أن مبدأ عدم اليقين ليس عدم يقين كما كنا نظن

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر