تشير دلائل عديدة إلى وجود الكثير من المياه في الكون، وليس في نظامنا الشمسي فقط، ولكن العثور عليها ودراستها ليس بالأمر السهل، إلا إذا جائت بنفسها إلينا، وهو ما حدث بالفعل، إذ حمل إلينا أحد المذنبات الآتية من على بعد سنين ضوئية بعضًا من هذه المياه.

وفقًا لتحليل المذنب 2I/Borisov المنشور في مجلة Astrophysics journal letters، فإن هذا المذنب بين النجمي interstellar comet ينبعث منه بخار الماء. يوفر لنا هذا التحليل معلومات عن نواة المذنب وتكوينها، والعناصر والمركبات المنبعثة منه، والقرص النجمي circumstellar disc الذي نشأ فيه.

وفقًا للبحث المنشور، فإن تركيب المواد المنبعثة من المذنب بدائي للغاية، ما قد يعكس الظروف المحيطة أثناء تكونه في القرص النجمي الأولي protosolar disc. إن دراسة المواد المنبعثة من المذنبات أمر مهم لفهم العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تحدث أثناء تكون الكواكب.

يتيح اكتشاف المذنب البين-نجمي 2I/Borisov فرصة لدراسة تركيب المواد المنبعثة من المذنبات الآتية من خارج نظامنا الشمسي، ما يمدنا بمعلومات عن العمليات الكيميائية والفيزيائية الحادثة في الأقراص النجمية الأخرى.

درس العلماء الكثير من مذنبات نظامنا الشمسي، لذلك فهُم على دراية جيدة بالعمليات التي حدثت أثناء تكون كواكب المجموعة الشمسية، ولكن تظل الكواكب الموجودة خارج نظامنا الشمسي لغزًا محيرًا لنا، وقد تعطينا دراسة تكوين هذه الكواكب الخارجية تصورًا عن كيفية نشأة الحياة في الكون.

مذنب بين نجمي يحتوي على مياه مصدرها خارج نظامنا الشمسي تركيب المواد المنبعثة من المذنب العمليات الكيميائية والفيزيائية الحادثة في الأقراص النجمية

عادةً تحتوي المذنبات على الكثير من الماء، وفي الواقع فإن المذنبات والكويكبات ربما قد حملت إلينا قدرًا كبيرًا من المياه المتوفرة على الأرض حاليًا.

لن يصل هذا المذنب بين-النجمي إلى الأرض، لكن في محاولة لمعرفة كمية المياه التي يحملها، فإن آدم مكاي Adam McKay وفريقه من علماء مركز جودارد للفضاء NASA Goddard Space Flight Center راقبوا المذنب طيفيًا spectroscopic observations، باستخدام أداة ARCES عالية الدقة، مثبتة على تلسكوب Astrophysical Research Consortium ARC في نيو ميكسيكو، وقد التقطوا طيفين باستخدام مدة تعريض قدرها 1800 ثانية.

لا يبعث المذنب 2I/Borisov ضوءًا خاصًا به، إنما يعكس ضوء الشمس. هذا الطيف الضوئي المنبعث من المذنب يتشتت حسب الأطوال الموجية لمكوناته؛ لأن العناصر والمركبات المختلفة تبعث ويمتص كل منها أطوال موجية محددة، بهذا تمكن العلماء من معرفة مكونات الغاز المنبعث من المذنب من خلال التحليل الطيفي للضوء.

وجد العلماء في الأطياف الملتقطة، خط امتصاص absorption line يدل على وجود الماء، واستنادًا إلى تركيز هذا الخط، فإن المذنب يحتوي على كمية من الماء تقارب الكمية الموجودة في مذنبات النظام الشمسي.

وباستخدام نموذج تحديد المساحة النشطة التي تنتج المياه على المذنب، وجد الفريق أنها تقدر بنحو 1.7 كيلومتر مربع (0.65 ميل مربع)، وهي نسبة متسقة مع مثيلاتها في مذنبات نظامنا الشمسي.

كذلك توصلت نتائج التحليل الطيفي الذي أُجري على مدار شهرين منذ اكتشاف المذنب، إلى احتوائه على السيانيد والكربون الثنائي diatomic carbon، وهما مادتان شائعتان في مذنبات نظامنا الشمسي. واستنادًا إلى نتائج التحليل، توصل الفريق إلى أن نسب الماء والسيانيد والكربون الثنائي في المذنب مقاربة للنسب الموجودة في مذنبات نظامنا الشمسي.

حرص الفريق على أن تستند نتائجهم إلى نماذج موثوقة، وقد أعلنوا أنهم بحاجة إلى المزيد من الملاحظة والرصد لتأكيد النتائج، إلا أن النتائج المعلنة حتى الآن تشير إلى أن المذنب مألوف لنا بشدة.

وهو أمر مثير للاهتمام حقًا، لأنه يعني أن ظروف تكون نظامنا الشمسي ليست نادرة الحدوث، وأنه قد يوجد العديد من الكواكب المشابهة للأرض في النظم النجمية الأخرى.

سيصل المذنب 2I/Borisov إلى نقطة الحضيض perihelion -نقطة اقتراب الجرم من الشمس أكثر ما يمكن- تحديدًا في الثامن من ديسمبر القادم، وسيستمر سطوعه ويزداد خلال الفترة القادمة، لذلك نحن نتطلع لمعرفة المزيد من الأسرار التي قد يكشفها لنا زائرنا بين-النجمي الرائع.

اقرأ أيضًا:

ما الذي تخبرنا به المذنبات عن أسرار نظامنا الشمسي ؟

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر