استخدم البشر الأعشاب دواءً منذ آلاف السنين، واليوم عاد الباحثون الطبيون مرةً أخرى لهذه الأدوية خلال سعيهم المستمر لإيجاد العلاجات البديلة، وفي هذا السياق نُشرت مؤخرًا دراسة بحثية جديدة عن الأدوية العشبية التي يظن الناس أنها قادرة على علاج فرط ضغط الدم hypertension.

يعاني اليوم واحد من كل ثلاثة أشخاص بالغين تقريبًا من فرط ضغط الدم في الولايات المتحدة، ومع أن الحمية الغذائية وتغيير نمط الحياة كافيان لامتثال بعض المرضى للشفاء، فإن مرضى آخرين يحتاجون ضروريًّا إلى العلاج الدوائي.

لا تلائم الأدويةُ المضادة لارتفاع ضغط الدم جميع المرضى، وقد تكون آثارها الجانبية غير محمودة؛ لذلك عقد الباحثون العزم على إيجاد طرق مبتكرة لحل هذه المشكلة المتنامية، فوجّه بعضهم الأنظار إلى الأدوية العشبية القديمة التي عالج بها القدماء أنفسهم في عصور ما قبل التاريخ.

لا يُعدّ استعمال هذه الأدوية منذ آلاف السنين دليلًا حاسمًا على فعاليتها، لكنها بالتأكيد استحقت إعادة النظر إليها، وضمن هذا النهج اختبر باحثون من جامعة كاليفورنيا مجموعة من النباتات التي استُخدِمت قديمًا لعلاج ارتفاع ضغط الدم، ونشروا نتائج بحثهم في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.

الأدوية العشبية مصدر إلهام جديد لعلاج ارتفاع ضغط الدم العلاجات البديلة المستمدة من الأعشاب الطبية العلاجات العشبية التي قد تعالج ضغط الدم

نباتات متعددة:

استخرج العلماء خلاصات عشبية من أنواع مختلفة من النباتات، مثل: الخزامى lavender وخلاصة بذر الشمار fennel seed extract والمردقوش marjoram والزنجبيل ginger والبابونج chamonile والحبق basil، وتمكنوا تحت قيادة البروفيسور Geoff Abbot من تحديد خاصية حيوية مشتركة بين هذه الخلاصات ربما تفسر السبب الكامن وراء التأثير المعتدل المضاد لارتفاع ضغط الدم لهذه النباتات.

لقد وجدوا أن هذه النباتات تنشّط قناة بوتاسيوم محددة تدعى KCNQ5، توجد هذه القناة -بالإضافة لقنوات أخرى- في عضلات الأوعية الدموية الملساء التي تتحكم في جريان الدم.

عندما تتقلص عضلات الأوعية الدموية الملساء يرتفع ضغط الدم، وعندما ترتخي يعود الضغط للانخفاض، وهنا يكمن -باعتقاد الباحثين- تفسير الخواص المضادة لارتفاع ضغط الدم لهذه الأعشاب؛ لأن تنشيط قناة KCNQ5 يؤدي إلى ارتخاء هذه العضلات، وهذا ما لخّصه Appot في قوله: «وجدنا أن تنشيط KCNQ5 هو آلية جزيئية موحدة مشتركة بين عدد كبير من الأدوية الطبيعية الخافضة لضغط الدم».

فحص الأطباء أيضًا عددًا من النباتات الأخرى التي لم يظهر البحث قدرتها على خفض ضغط الدم، مثل: عشبة القمح wheatgrass والبقدونس، والجدير بالانتباه أن هذه النباتات لم تنشِّط KCNQ5.

ليست جميع النباتات متساوية في تأثيرها:

عندما قارن الباحثون بين أصناف النباتات وجدوا أنها تملك درجات متفاوتة من التأثير على نشاط KCNQ5، وكانت Lavandula angustifolia المعروفة باسمها الشائع: «الخزامى» من أكثر هذه النباتات فعالية، إذ قال عنها Abbot: «اكتشفنا أنها من أكثر منشطات قناة البوتاسيوم KCNQ5 فعاليةً بالإضافة إلى خلاصة بذر الشمار والبابونج».

ثم توجّه الباحثون إلى البحث عن المركب الكيميائي المسؤول عن تفعيل هذه القناة، وتمكنوا من عزل مركب كيميائي أُطلق عليه اسم الألوبيرين aloperine وهو من أشباه القلويات akaloid، وبعد إجراء مزيد من الاختبارات أثبتوا أن هذا المركب يفتح قناة KCNQ5 عبر ارتباطه بقدم هذه القناة.

من المثير للانتباه أن الأدوية الخافضة للضغط الموجودة حاليًا لا تستهدف هذه القناة، ويأمل Appot بملاحظة هذه الفجوة أن «يفتح اكتشافُ هذه المركبات النباتية التي تفتح قنوات البوتاسيوم KCNQ5 انتقائيًّا المجالَ أمام تطوير علاجات مستقبلية لعدة أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم».

ما يزال الطريق طويلًا بين التعرف على الآلية وطرح الدواء في السوق، ويجدر بالذكر أن مجموعة مستقبلات KCNQ5 هي مكتشَفات جديدة، ولم تُعرف بعدُ وظائفها كاملةً.

على أي حال، بما أن ارتفاع ضغط الدم مرض واسع الانتشار ويزيد خطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية مثل السكتات strokes، فهناك احتمال كبير لتكريس مزيد من الاهتمام حول نقل هذه الأفكار للمرحلة التالية.

ومع كل ذلك لا ينبغي للناس أن يستبدلوا الأدوية العشبية بأدوية ارتفاع ضغط الدم في الوقت الحالي.

اقرأ أيضًا:

سبعة أشياء يمكنك القيام بها تحدُّ من خطر ارتفاع ضغط الدم

دليلك العلمي لارتفاع ضغط الدم

ترجمة: رضوان مرعي

تدقيق: صالح عثمان

المصدر