تُعد البطالة بين الشباب مشكلةً عالمية، لكن النسبة 21.3% في الصين مقلقة خصوصًا، لا لارتفاعها فحسب، بل لأنها قد تؤثر في الاقتصاديات الأخرى والعلاقات الجيوسياسية.

زادت النسبة أكثر من ضعف النسبة قبل كوفيد في مايو 2018، وتزامن صدورها مع إعلان المكتب الوطني للإحصاءات في الصين أنه لن يعلن بعد الآن البيانات المحددة بالعمر لأنه يحتاج إلى «تحسين إحصاءات استطلاع القوى العاملة وأمثَلتها».

البطالة بين الشباب مشكلة معقدة، ولكنها أكثر تعقيدًا في الصين بسبب سياسة الحكومة وتوقعات المجتمع. فتحت نظام الهوكو، يُطلب من الأسر في الصين التسجيل، لتحدد السلطات لاحقًا مكان سكنهم وعملهم والخدمات العامة المتاحة لهم. غالبًا ما يمنع النظام السكان الريفيين من الاستفادة من الفرص الحضرية، ما قد يقيد آفاق عملهم.

ويتفاقم الإجهاد واللايقين الذي تعاني منه هذه الفئة السكانية فقط بسبب التوقعات التي تأتي مع الطفل الوحيد في الأسرة، وهي السياسة الصينية التي توقفت قبل سبع سنوات فقط.

ظاهرة قبيلة النمل:

صاغ عالم الاجتماع ليان سي مصطلح قبيلة النمل عام 2009 لوصف الشباب ذوي التعليم العالي الذين يعانون في وظائف مؤقتة ذات أجر منخفض تعيق التقدم في المهارات. لا يستطيع هؤلاء الشباب مراكمة رأس مال اجتماعي (علاقات اجتماعية قيمة وفعالة)، ما يؤدي إلى دورة سلبية يصعب الخروج منها، ويقلل من عائد استثمارهم في التعليم ويبرز الانهيار في نظام الوظائف.

تُعد ظاهرة قبيلة النمل أكثر من علامة على اقتصاد معيب فحسب، إذ تكشف أيضًا عن مشكلة عاطفية ونفسية أعمق. فالتعليم الزائد والتوظيف الأقل يسبب إصابات عاطفية كبيرة مثل القلق والاكتئاب واليأس. ونتيجة لذلك العبء العاطفي ظهرت بعض التحولات الاجتماعية مثل حركة (الاستلقاء) أو (الأطفال الدائمين) في الصين.

تتحدى هذه الاتجاهات المعايير التقليدية للنجاح، وتعيد تعريف توقعات الأسرة، ما يضيف طبقة أخرى إلى التعقيدات النفسية التي يواجها الجيل الأصغر. وقد يكون هذا الأثر طويل الأمد، ما يؤدي إلى قوى عاملة أقل إنتاجية وابتكارًا.

الضعف في نظام التعليم:

مع إن التوسع في التعليم العالي سريع، توجد فجوة بين مناهج الجامعات واحتياجات سوق العمل، فهي غالبًا ما تُفضل البرامج النظرية على المهارات العملية، ما يترك الخريجين غير مجهزين للعمل.

فقد يركز طلاب الهندسة مثلًا على المعادلات والنظريات، ولكن يغيبون عن التطبيقات العملية مثل التدريبات. ويواجه السوق أيضًا وفرة من المرشحين المؤهلين أكثر من اللازم، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والمالية والرعاية الصحية. ويدفع هذا الاختلال الكثيرين نحو المزيد من الدراسة والتعلم المستمر لمواكبة احتياجات سوق العمل.

في عام 2023، اجتاز ما مجموعه 4.74 مليون طالب اختبار القبول للدراسات العليا، وهو ما يُعد زيادة صادمة بنسبة 135% عن 2.01 مليون متقدم في عام 2017، وهذا يفاقم دورة البطالة والتوظيف غير الكافي بين الشباب.

الأثر الأوسع:

يجب عدم التقليل من أهمية تأثير أزمة البطالة بين الشباب في الصين، وذلك استنادًا إلى التحذيرات من اليونيسف، التي تقول أن معدلات البطالة العالية تؤدي إلى الاضطرابات المدنية، خاصة في الدول التي ترتفع فيها نسبة الشباب إلى السكان.

لطالما حافظ الحزب الشيوعي الصيني على أسلوبه الاستبدادي بتأمين قبول اجتماعي يعتمد على الاستقرار الاقتصادي والازدهار. فإذا أدى ارتفاع البطالة بين الشباب إلى تآكل هذا القبول بتعزيز الانفصال السياسي أو التطرف، فقد تشهد الصين تحولًا قويًا في السلطة الداخلية.

في العالم المتصل ببعضه اليوم، قد تنتشر هذه الاضطرابات في العلاقات الدولية. وقد تجعل الاضطرابات المدنية البلد أقل استقرارًا وأقل جاذبية للاستثمار الأجنبي بالنتيجة، خاصة بين الدول ذات الروابط الاقتصادية القوية مع الصين.

يهدد هذا الاضطراب الداخلي أيضًا بزعزعة سلاسل التوريد عالميًا، نظرًا إلى الدور المحوري للصين في سلاسل الإمداد العالمية. وتُظهر الأمثلة التاريخية -مثل الربيع العربي وبريكست- أن الاستياء الداخلي والاضطرابات الاجتماعية قد يكون لها أثر واسع في العلاقات الدولية للبلد.

أدى الربيع العربي إلى الإطاحة بالعديد من الحكومات، وخلق عدم استقرار إقليمي، وأثر في أسعار النفط العالمية، وألزم الدول الغربية بإعادة النظر في السياسات الخارجية. وبالمثل أثّر بريكست في اتفاقات التجارة العالمية، وأدى إلى اصطفافات سياسية جديدة، ودفع الاتحاد الأوروبي لإعادة النظر في اتجاهه المستقبلي، ما أثر على سياساته الخارجية الجماعية.

وبينما تُعد بطالة الشباب مشكلة عالمية، فإن حجم المشكلة في الصين وأثرها المحتمل الأوسع على الاقتصاديات المترابطة يعني أننا لا نستطيع أن نغض الطرف عن تلك المشكلة.

كيف تستطيع الصين حل المشكلة؟

بوسع الصين الاستلهام من السياسات الناجحة في بلدان أخرى، مثل نظام التدريب المهني المزدوج في ألمانيا، إذ يضمن هذا النظام أن يكون الطلاب مستعدين أكاديميًا إلى جانب المهارات العملية، ما يحسّن من مواءمة التعليم مع متطلبات سوق العمل.

معالجة الفجوة بين المدينة والريف أمر بالغ الأهمية أيضًا، وبتقديم حوافز مالية تشمل الإعفاءات الضريبية والمنح، تستطيع الصين تعزيز نمو الوظائف في المناطق الريفية. وقد اعتمدت أستراليا والولايات المتحدة نماذج مماثلة لجذب العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى المناطق الأقل اكتظاظا بالسكان.

تحتاج الصين أيضًا إلى فعل شيء لتخفيف العبء العاطفي للبطالة المزمنة التي تزداد سوءًا كلما طالت فترة خروج الخريجين عن العمل. وقد تفاقمت المشكلة بعد كوفيد، فكان 40% من الشباب الصيني عرضة لتحديات الصحة العقلية.

قد تساعد خدمات الصحة العقلية هنا، كتلك المتاحة في أستراليا المصممة خصيصًا للشباب. فبجانب الفائدة للفرد، تساهم هذه البرامج في الحصول على قوى عمل أكثر انخراطًا وإنتاجية، ما يعد أمرًا ضروريًا للرفاه الوطني.

الطابع الهش للاقتصاد العَرَضي قد يعمق أزمة البطالة أكثر. وترى بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وهولندا العمال في الاقتصاد العَرَضي موظفين وتقدم لهم فوائد الضمان الاجتماعي. وتطبيق نموذج مماثل في الصين قد يقدم فوائد مثل التأمين الصحي وخطط التقاعد.

أخيرًا، تتطلب مشكلة البطالة بين الشباب بتعقيدها وحجمها نهجًا متعدد الأوجه يتعدى الحدود الوطنية. يجب أن تشارك الدول استراتيجيات العمل الناجحة بنشاط، وأن تتعاون في المبادرات الدولية لخلق فرص عمل للشباب. التعاون هو المفتاح لتطوير قوة عمل شابة مستقرة وإنتاجية على مستوى العالم.

الاستثمار في الشباب ليس فقط سياسة جيدة، بل واجب أخلاقي من أجل الاستقرار العالمي والازدهار المشترك.

اقرأ أيضًا:

معدلات البطالة الأعلى والأخفض عالميًا

البطالة: كيف تحدث وكيف يمكن قياس نسبتها في المجتمع

ترجمة: عمرو يوسف

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر