ما الذي يمكن للحكومة الصينية فعله لإخراج الاقتصاد من حالة الجمود؟

لم يخفِ قادة البلد جميع الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الصيني، ولكن في الوقت نفسه تحاول الصين تعزيز الروح المعنوية للشعب الصيني بالتركيز على الفصل الجديد في القصة الصينية، وتسعى الصين بصورةٍ أساسية لتكون رائدة عالميًا في مجال التكنولوجيا.

أعلنت الحكومة في الاجتماع أن هدفها لسنة 2024 نمو الناتج المحلي الإجمالي لـ 5%، وهو أقل من معدل النمو الذي حققته الصين في عام 2023 ولكن أعلى من توقعات صندوق النقد الدولي IMF البالغة 4.6%، ولم تظهر الصين أي تفاصيل عن كيفية تحقيق هذا الهدف، ولكن النسبة نفسها إشارة لثقة القيادة الصينية بخصوص المستقبل.

يُعزى نمو الاقتصاد الصيني السريع في العقود الأربعة الماضية لعدد من محفزات السوق مثل العمالة الرخيصة والاستثمارات في البنى التحتية والاستثمارات الأجنبية والخارجية المباشرة، ولكن حتى وقت كتابة هذا التقرير، لم تعد تعمل هذه العوامل بصورة فعالة.

تتشابك أنشطة السوق مع تدخل حكومي أكبر، إذ أضعف انخفاض عدد السكان حجم العمالة، أما الشك المحيط بالاقتصاد الصيني وتصاعد التوترات الجيوسياسية فقد قادت الاستثمارات الأجنبية للخروج من الصين.

وانخفض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في يناير 2024 إلى أقل من 10٪؜ من 344 مليار دولار أمريكي من حجم الاستثمارات الخارجية التي تلقتها الصين في عام 2021.

أزمة العقارات:

تنبع العديد من المخاطر التي تواجه الاقتصاد الصيني من قطاع العقارات المتدهور، فقد اعتمد الاقتصاد الصيني لعقود على سوق العقارات المزدهر بفضل عوائد الاستثمارات، ويعود الفضل للنمو بصورةٍ كبيرة للديون. لمضاعفة أرباحهم، وبدأ المطورون ببيع المنازل حتى قبل أن تبنى.

بدأ الاقتصاد الصيني بالتباطؤ، وفي عام 2020 اتخذ المسؤولون الصينيون إجراءات صارمة للاستدانة المتهورة، وفرضت بكين قيود إقراض واسعة النطاق على مطوري العقارات، ما يعني أنهم أصبحوا غير قادرين على استدانة المزيد من الأموال لتسديد الديون المترتبة عليهم.

في عام 2024، تتابعت الأزمات، إذ أفلست شركة Evergrande أكبر مطوري العقارات مثقلةً بالديون، وبقية المطورين العقاريين الكبار ليسوا في أفضل حال، إذ تخلفت شركة County Garden عن تسديد ديونها، وتصارع شركة Vanke للحصول على قروض جديدة لبقائها على قيد الحياة.

أكدت الحكومة عزمها لإنهاء أزمة العقارات في اجتماعها السنوي، ولم توضح كيف ستحمي شركات التطوير العقاري من التخلف عن سداد ديونها، ولمحت أنها ستقدم بعض المساعدة للسماح للمطورين العقاريين لإنشاء مشاريعهم العقارية.

ضعف الطلب في الاقتصاد الصيني في الوقت الحالي مرتبط بصورةٍ كبيرة مع أزمة العقارات، فقيمة المنازل منخفضة جدًا اليوم عمّا كانت عليه قبل سنتين مضتا، ما خلق حالة من الخوف بشأن قيمة الثروة الشخصية للأفراد، وهذا بدوره خلق حالة من الادخار الحذر وانخفاض الاستهلاك بوجود حماية اجتماعية ضعيفة، وأدى هذا الشيء إلى انخفاض عام في أسعار السلع والخدمات.

وانخفض الطلب على السلع الصينية من الخارج أيضًا بسبب القيود التجارية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمخاوف الجيوسياسية والاضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، وهذا يفسر لنا لماذا شددت الحكومة الصينية في اجتماعها السنوي على ضرورة اعتماد الاقتصاد الصيني على نفسه.

عوامل نمو جديدة:

من العبارات الملفتة التي خرج بها الاجتماع السنوي هي “قوى إنتاجية ذات نوعية جيدة”، هنالك العديد من التفسيرات لهذه العبارة، ولكن تركز جميعها على التكنولوجيا والابتكار.

شدد المسؤولون الصينيون بكل وضوح على حاجة الصين إلى السعي لابتكار المزيد من المنتجات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي (AI)، وتخطط الحكومة الصينية في رؤيتها لوجود تطبيقات تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل وكلاء السفر ومندوبي مبيعات.

عُرِف عن الصين، لحد هذه الساعة، تطبيقها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وعرفت مدينة بكين وشنغهاي وشينزين على أنها مدن ذكية، إذ تستخدم هذه المدن تكنولوجيا متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والبيانات الكبيرة في مختلف القطاعات مثل النقل والتخطيط المدني والأمن العام.

ولكن، نقل الاقتصاد الصيني المعتمد على الاستثمارات والذي تحركه الديون إلى اقتصاد مبني على الابتكار والتكنولوجيا سيولد بعض التحديدات جديدة.

أولًا: يتطلب الابتكار حوافز وضمانات حكومية لكي يستحق المخاطرة؛ لذلك يحتاج القطاع الخاص الصيني إلى النمو بصورةٍ سريعة، إذ وجد الباحثون أن هبوط أسهم القطاع الخاص الصيني في أكبر 100 شركة مدرجة في البورصة الصينية إلى ٪؜36.8 في نهاية 2023 من 55.4٪؜ في أواسط عام 2021.

ثانيًا: يتطلب الابتكار الكثير من القوى العاملة الماهرة، فقد توصل تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD في عام 2021 بأن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي يزيد من الطلب على الموظفين الموهوبين، مع أن استبدال العمالة ذات المهارة المحدودة، سيشكل تحديًا جديدًا للصين؛ إذ إن نمو البلد إلى هذه اللحظة، معتمد على العمالة ذات المهارة المحدودة.

ثالثًا: تتطلب الصناعات عالية التقنية مثل الذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية طاقة كبيرة، واتخذت الصين عددًا من الخطوات لتنويع مصادرها للطاقة، ولكن تأمين خطوط إمداد الطاقة سيكون حيويًا على المدى البعيد.

ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية وإعادة تنظيم سلاسل إمداد الطاقة العالمية ستنخفض صادرات الطاقة والموارد الطبيعية إلى الصين في المستقبل، وتأتي معظم هذه الموارد الطبيعية من الاقتصاديات النامية التي استبدلت مواردها بالاستثمارات الصينية في البنى التحتية في السابق، ولكن لن تستمر هذه الحالة في المستقبل.

اقرأ أيضًا:

كيف يبدو مستقبل التجارة العالمية؟

مؤشرات الأسهم تحقق أرباحًا قياسية، فماذا نفهم من ذلك؟

ترجمة: عمران كاظم حسين

تدقيق: غفران التميمي

المصدر