وفقًا لدراسة نُشرت في BJPsych Open؛ لم يظهر ارتباط واضح بين استهلاك الكحول وخطر الانتحار أو إيذاء النفس. خاصةً عند الأشخاص الذين يعانون من إدمان مُرجح، أي الذين يستهلكون الكحول بكميات عالية. لكن هذه الدراسة حددت آثار الكحول التي تنعكس سلبًا على الأشخاص، والتي تعتبر عامل خطر يهدد حياتهم.

قالت سارة ليدن المؤلفة ومرشحة الدكتوراه (UCL Psychiatry): «وجدنا أن مقدار الكحول الذي يشربه الناس لم يكن مرتبطًا بخطر الانتحار أو إيذاء النفس. لكن الخطر يبدو واضحًا عند ظهور علامات تعاطي الكحول على الأشخاص، وهو الأمر الذي يُعد مشكلةً فعلًا. قد لا يكون شرب الكحول هو المشكلة بحد ذاتها، لكن طريقة تأثيره على الحياة وما يسببه من مشكلات هي ما يجب الاهتمام به».

شملت الدراسة 14949 شخصًا من عامة الشعب في إنجلترا. وقد خضعوا لاستبيانات استقصائية، وهي استبيانات حول الأمراض النفسية عند البالغين. رصدت هذه الاستبيانات استهلاك الكحول عند الأشخاص وأنماط الاستخدام الضار، وقد قِيست بواسطة اختبار تحديد اضطراب تعاطي الكحول. حاول الباحثون أن يقاربوا نتائج الاستبيانات مع حدوث محاولات انتحار مُبلغ عنها، مع الأفكار الانتحارية وإيذاء النفس غير الانتحاري الذي كان عند أولئك في العام الماضي.

وجد فريق الدراسة أن تعبير الأشخاص عن قلقهم بشأن شرب شخص ما الكحول يُعد المؤشر الأقوى على قابليته للانتحار وخطر إيذاء النفس. ووجد أيضًا أن الأشخاص الذين عانوا من تعبير الآخرين من أصدقاء وعائلة وزملاء عن مخاوفهم بشأن شربهم للكحول، كانوا أكثر عرضة بمقدار ثلاثة أضعاف لمحاولات الانتحار، مقارنةً بأولئك الذين لم يقلق عليهم الآخرون. وأن أكثر من ضعفين ونصف عانوا وجود أفكار انتحارية، وبمقدار مرة ونصف كانوا أكثر عرضة لإيذاء النفس.

بالطبع، جاءت هذه النتيجة بعد حساب العوامل الخارجية مثل مشاكل الصحة النفسية المبلغ عنها، وتعاطي المخدرات خلال عامٍ ماضٍ، والعمر وغيرها.

إن الأشخاص الذين عانوا من أعراض الإدمان، مثل عدم القدرة على التوقف عن الشرب إلى جانب خيبة الأمل والتوقعات الناجمة عن شرب الكحول، والشعور بالحاجة إلى شرب الكحول في أغلب الأوقات، والذين أبلغوا عن آثار ضارة ناتجة عن شرب الكحول مثل الشعور بالذنب المرتبط بشرب الكحول وفقدان الذاكرة أو أي ضرر ناجم عن شرب الكحول، واجهوا أيضًا محاولات انتحار أو إيذاء للنفس.

لم يكن هناك نمط واضح مرتبط بمستويات شرب الكحول، إذ لم تظهر اختلافات بين الأشخاص الذين يشربون الكحول بكميات قليلة أو متوسطة أو كبيرة في تأثيرها على محاولات الانتحار وإيذاء النفس. ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين وُصفوا بالمدمنين، واجهوا احتمالات أعلى للانتحار وإيذاء للنفس. علمًا أن الشخص الذي يوصف بأنه مدمن كحول هو الذي يشرب أكثر من 30 وحدة من الكحول أسبوعيًا.

نظرًا إلى أن البحث كان مقطعيًا وليس طوليًا، قال الباحثون إنه ليس بمقدورهم تحديد ما إذا كان الإفراط في تناول المشروبات الكحولية هو ما يجعل الصحة النفسية أسوأ، أو ما إذا كان ذلك بالفعل علامة على تدهور الصحة النفسية، أو أن كلا الأمرين مترابطان.

أضافت سارة ليدن: «في دراستنا، وجدنا أن إساءة استخدام الكحول وخاصةً إذا تسبب في ضعف الأداء اليومي لشخص ما، قد يكون عامل خطر حقيقي متعلق بـالانتحار وإيذاء النفس. لكن لحسن الحظ، فإن هذا الخطر قابل للتعديل، لذلك نجد أن تقديم المساعدة للأشخاص الذين يعانون من إدمان الكحول قد ساعد في منع الانتحار».

أكملت سارة: «يجب على الذين يشعرون بالقلق حول تعاطي أحد ما الكحول أن يدركوا أن ذلك قد يكون مؤشرًا يدل على أن الصحة النفسية للشخص سيئة للغاية، وقد يكون عرضةً لخطر إيذاء النفس».

قالت كبيرة المؤلفين الدكتورة ألكسندرا بيتمان (UCL Psychiatry and Camden & Islington NHS Foundation Trust): «تشير النتائج التي بحوزتنا إلى أنه يجب على الأطباء أن يستفسروا بعناية خاصة عن السلوك الانتحاري لدى أي شخص شخص لديه علامات متعلقة بالإفراط في تناول المشروبات الكحولية، وذلك بسؤال الأشخاص بطريقة مهذبة ولطيفة، لأن هذا الأمر يوفر فرصة مهمة للتقييم العلاجي وإدارة المخاطر».

وأضافت: «قد يساعد فهم الظروف المؤدية إلى الإفراط في الشرب والإدمان باتباع نهج المقابلات التحفيزية؛ على تحديد كيفية تحويل الإفراط في تناول المشروبات الكحولية نحو مصلحة المريض وبالتالي التقليل من المخاطر».

أما الدكتورة إميلي فينش رئيسة كلية الإدمان في الكلية الملكية للأطباء النفسيين فقد علقت: «يُظهر هذا البحث صلة واضحة بين شرب الكحول وإيذاء النفس والانتحار، ما يشير إلى أن نمط الشرب لدى الشخص له التأثير الأكبر وليس التواتر أو الكمية وحدها. يشير هذا إلى إمكانية التقليل من خطر الانتحار لدى الأشخاص الذين يشربون الكحول، من خلال فحص مدى ارتباطهم وتعلقهم بشرب الكحول وتأثير قلق الأصدقاء والعائلة وأعراض الإدمان الحاصلة».

وأضافت: «غالبًا ما يتلقى الأشخاص الذين يشربون الكحول رعاية صحية مختلفةً تمامًا عن أولئك الذين لا يشربون الكحول، ومن الضروري ألا يتم استبعادهم من التدخلات العلاجية المتعلقة بمعالجة إيذاء النفس. إذ يجب دمج تقليل الضرر وعلاج شرب الكحول بشكل عاجل في رعاية الأزمات والتخطيط للسلامة، وذلك لضمان عدم نسيان أولئك الذين يعانون من شرب الكحول».

اقرأ أيضًا:

نصائح للتقليل من شرب الكحول

هل يسبب شرب الكحول العنف؟

ترجمة: سارة دامر

تدقيق: جنى الغضبان

المصدر