تساعد مضادات الاكتئاب الأشخاص الذين يعانون أمراضًا نفسية، وقد تمثل وسيلة نجاة لهم، إذ تدفعهم للقيام بأشياء يعدها الآخرون أمرًا مُسلمًا به، مثل الاستيقاظ صباحًا والاستحمام. لكن مثل جميع الأدوية، فإن لمضادات الإكتئاب بعض الآثار الجانبية.

تقول إيميلي البالغة من العمر 41 عامًا، التي تتناول فلوكستين لعلاج القلق والاكتئاب: «أحلامي تبدو مخيفة، فهي حقيقية وواضحة، وعندما أستيقظ أشعر بالارتباك قليلًا».

«لدي الكثير من الهواجس المقلقة غالبًا، فعندما أحاول النوم، كثيرًا ما أخاف من عدة أمور، مثل فقدان الأشياء أو التأخر أو رنين الباب بينما أستحم أو إخفاقي في المدرسة، لكن الأحلام التي تسببها مضادات الاكتئاب أشبه بالأفلام المليئة بالأحداث، وغالبًا ما أستيقظ مُتعبة».

الروابط المحتملة:

مع أن الموضوع لم يُستكشف على نطاق واسع، فقد بدأ الباحثون دراسة الروابط المحتملة بين تناول مضادات الاكتئاب ورؤية الأحلام.

يقول ستيفن باكلي، رئيس قسم المعلومات في مؤسسة «مايند»: «قد تؤثر بعض الأدوية -مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، التي تُستخدم لعلاج الاكتئاب- في جودة النوم، وقد يؤثر التوقف عن تناول هذه الأدوية في الأحلام».

في تقرير صدر عام 2013 في مراجعات طب النوم، أكمل جوتهارد تريبل وفريقه البحثي مراجعة منهجية لفحص تأثير مضادات الاكتئاب في محتوى الأحلام لدى الأفراد المصابين بالاكتئاب والأفراد الطبيعيين. من بين جميع الدراسات التي نُشرت على مدى 60 عامًا، وجدوا نحو 21 دراسة سريرية و25 تقريرًا عن حالات مرضية جديرة بالمراجعة.

قارنت الدراسات محتوى الأحلام المرتبطة بمجموعة من مضادات الاكتئاب المختلفة، متضمنةً مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة، وهي فئة قديمة من الأدوية لا تزال تُستخدم حتى اليوم. درس البحث أيضًا محتوى أحلام الأشخاص الذين يُعالجون باستخدام مضادات الاكتئاب مقارنةً بسواهم.

استُخدِمت مجموعة متنوعة من الأساليب لتسجيل محتوى الأحلام، متضمنةً مذكرات الأحلام الصباحية والاستبيانات والتقارير الشفهية بعد إيقاظ المشاركين قسريًا في أثناء مرحلة حركة العين السريعة (REM)، وهي الفترة المصحوبة بالأحلام.

مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية:

أبلغ الأشخاص الذين يتناولون مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، مثل سيرترالين وفلوكستين وسيتالوبرام، ومثبطات استرداد السيروتونين والنوأدرينالين الانتقائية (SNRIs)، عن زيادة عدد المرات التي عانوا فيها الكوابيس، إضافةً إلى رؤية الكثير من الأحداث في الأحلام الطبيعية. لاحظ مؤلفو الدراسة أنه لا يوجد الكثير من الاهتمام بمحتوى الأحلام أو القدرة على تذكرها.

النواقل العصبية:

تؤثر مضادات الاكتئاب في النواقل العصبية، متضمنةً السيروتونين والدوبامين والنورأدرينالين. وفقًا للدكتور مارك سيلفرت، استشاري الطب النفسي، فإن زيادة الناقلات العصبية في الدماغ ترتبط بتغير في الأحلام.

وقال: «لا توجد دراسات علمية تؤكد هذه النظرية، مع ذلك تؤدي النواقل الكيميائية في الدماغ دورًا في تنظيم الأفكار والعواطف، على هذا فمن المنطقي أنه عندما تزداد كمية هذه النواقل في الدماغ، نتيجة تناول مضادات الاكتئاب، فإن ذلك يؤثر في الأحلام إذ تصبح متكررة وحقيقية. قد تبدو الأحلام الممتعة أكثر إمتاعًا ووضوحًا، وتبدو الكوابيس أكثر إرعابًا».

مضادات الاكتئاب وارتباطها بنوم مرحلة حركة العين السريعة:

قد يكون التفسير الآخر لرؤية الأحلام أن مضادات الاكتئاب تؤثر في مرحلة حركة العين السريعة، إذ تحدث معظم الأحلام خلال هذه المرحلة من النوم، ويُعتقد أنها تؤدي دورًا في التعلم والذاكرة والمزاج.

يقول الدكتور توم بينيباكر، استشاري الطب النفسي: «يوجد دليل على أن مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية تؤثر في نوم مرحلة حركة العين السريعة، وهو الوقت الذي تحدث فيه معظم الأحلام».

«إنه أمر مثير للاهتمام، إذ يُقال إن مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية تثبط نوم مرحلة حركة العين السريعة، على هذا يُتوقع أن تقل الأحلام. لكن من المؤكد أن بعض الناس يختبرون أحلامًا واضحة جدًا في أثناء تناول مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، والتي قد تكون أحلامًا إيجابية وأحيانًا كوابيس مخيفة».

من المهم ملاحظة أن مشكلات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب غالبًا ما تؤثر سلبًا في النوم، وتسبب أحلامًا كثيرة ومزعجة أيضًا.

يضيف سيلفرت: «العامل المربك أنه عند تناول أدوية علاج الاكتئاب، قد يكون المرض ذاته، وزيادة القلق والضغط النفسي في الدماغ، سببًا رئيسيًا في زيادة الكوابيس».

كيفية تقليل الآثار الجانبية غير المرغوبة:

من المهم التحدث إلى الطبيب عن أي آثار جانبية تظهر. يجب عدم تعديل الجرعة أو التوقف عن تناول مضادات الاكتئاب دون الرجوع إلى الطبيب، لأن ذلك قد يسبب المزيد من الآثار الجانبية، أو أعراضًا تشبه أعراض الانسحاب.

تغيير توقيت تناول الدواء:

يقول بينيباكر: «يوصى بتناول أدوية مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية صباحًا، إذ تسبب النشاط وتُبقي الشخص يقظًا، وحتى إن لم تسبب رؤية أحلام مزعجة، فإن تناولها في وقت متأخر قد يسبب صعوبة النوم».

عند ظهور آثار جانبية غير مرغوبة، مثل الكوابيس واضطرابات النوم، فمن المفيد تجربة تعديل الجرعة للمساعدة على تقليل هذه الآثار، وذلك بعد استشارة الطبيب.

تغيير الدواء:

تساعد مضادات الاكتئاب الكثير من الأشخاص الذين يعانون مشكلات الصحة النفسية، وغالبًا ما تُدمج مع علاجات أخرى أيضًا. بالنسبة إلى العديد من الأشخاص، تتحسن الأعراض في غضون أسابيع من بدء تناول مضادات الاكتئاب. ومع ذلك، في بعض الحالات قد تستمر الأعراض. إذا كانت الآثار الجانبية تفوق الفوائد، فيجب التحدث مع الطبيب بشأن تناول دواء آخر.

يقول بينيباكر: «يعاني الأشخاص بعض الآثار الجانبية بسبب أدوية مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، ما يدفعهم إلى تناول دواء آخر، أو تبديل الزمرة الدوائية، مثل تناول أحد مضادات الاكتئاب من فئة مثبطات استرداد السيروتونين والنورأدرينالين الانتقائية، ما يقلل الآثار الجانبية».

تحسين عادات النوم:

قد يساعد إجراء تغييرات صغيرة في عادات النوم المسائية على تحسين جودة النوم عمومًا. يقول باكلي: «قد تساعد الكثير من الأشياء على التحكم في مشكلات النوم، مثل إدخال تعديلات على غرفة نومك تجعلها لطيفة ومريحة، وإنشاء عادات نوم مسائية مريحة وصحية».

«من العوامل المساعدة على تحسين عادات النوم: الالتزام بوقت محدد للنوم والاستيقاظ، وعدم الذهاب إلى الفراش إلا عند الشعور بالنعاس. الساعات التي تسبق النوم مهمة أيضًا، لذا قد تساعد ممارسة الأنشطة المريحة، مثل الاستحمام أو تمارين التنفس. من المهم عدم استخدام الأجهزة في غضون ساعتين قبل النوم، إذ قد يعيق الضوء الأزرق المنبعث منها النوم».

اقرأ أيضًا:

بعض مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للذهان قد تزيد من خطر الإصابة بالخرف

الاكتئاب عند الرجال: الأعراض والعلاج

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر